هجران الأطفال والطفلات... محور جلسة نقاشية تعقدها مؤسسة "إدراك"

واحدة من الأزمات ذات التأثير الممتد على المجتمع ككل تتمثل في هجران الأطفال والطفلات، هو ما يترتب عليه عدد كبير من الآثار النفسية والاقتصادية التحولية في مسيرة الحياة لاحقاً.

أسماء فتحي

القاهرة ـ عقدت مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة أمس السبت 13 تموز/يوليو، جلسة نقاشية تحت عنوان "قضية الهجران بين الآثار المجتمعية والتدخلات القانونية الواجبة"، متناولة الآثار الاجتماعية المرتبطة بالقضية والتدخلات القانونية ذات الصلة وسبل وإجراءات الحماية.

كم هي ثقيلة كلمة "الهجران" خاصة إن كانت تتعلق بصغار لا علاقة لهم بالأسباب التي أدت لتلك الجريمة التي تجعلهم قابعين ما بقوا من الحياة فريسة تلك التساؤلات التي تراودهم بشأن ما فعلوه ليتركوا على هذا النحو المؤذي على مختلف المستويات والقاهر لهن اجتماعياً ونفسياً، الأمر الذي يجعل تلك القضية متماسة إنسانية مع كل قلب ينبض بالحياة ومؤثرة تعبيراً عن كارثية تأثيرها على الضحايا أنفسهم.

 

هجران الأطفال قضية تحتاج نقاش مجتمعي

أكدت المديرة التنفيذية لمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة نجوى إبراهيم، إنهم يعملون على رصد حالات هجران الأطفال من خلال حالات الإبلاغ على مدار نحو 3 سنوات، ووقفوا على عدد من الأحداث المروعة منها هجر طفلة لديها إعاقة، مبينة أن الأمر يتعلق بنظرة المجتمع للإناث خاصة إن كن ذوات إعاقة.

وأوضحت أن قضية هجران الأطفال والطفلات تؤثر على بنيان الأسرة والمجتمع وبشكل مباشر على الأبناء، لافتة إلى وجود خلل في نظام التنشئة وما يترتب على ذلك من تفاقم ظاهرة تأنيث الفقر لكون النساء تصبحن مسؤولات عن الانفاق على الأسرة وترميم ما خربه هجر الزوج.

ويتطور الأمر للأسوأ حال وجود الطفل من علاقة غير رسمية أو زواج عرفي وغير ذلك، لكون ما يترتب على ذلك من أعباء أكبر خاصة أن المجتمع نفسه غير متقبل لهؤلاء الأطفال وهناك أزواج وزوجات يلقون بالأطفال في دور الرعاية حتى يتمكنوا من عيش حياتهم بشكل حر بعيداً عن عبء وجود الأبناء، كما بينت.

وأوضحت أنهم في حملة "الخلفة قراركم... الرعاية حقي" لم ينظروا للطفل بمعزل عن الأم التي تجد نفسها مسؤولة عن رعاية الأبناء وربما لا يقبلها أهلها وعليها العمل على توفير الاحتياجات وتأمين مصدر دخل، مضيفة أن هناك عدد من الدول لا يقتصر حق الطفل فيها على مجرد الانفاق رغم أهميته إنما وجود الزوجين في حياة الطفل ضرورة حتى يصبح شخص سوي.

 

دراسة تسلط الضوء على جانب مظلم

من جانبها قالت رئيسة مجلس إدارة الجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زينب خير، إن الورقة البحثية ناقشت قضية غاية في الأهمية تمثلت في هجران الأطفال والطفلات من عمر أيام وحتى الـ 18 عام، وتعد تلك المرة الأولى التي تتم فيها مناقشة تلك القضية ربما كانت هناك تقاطعات سابقة بشأن الأطفال المعرضين للخطر بسبب هجران الأهل ولكن الورقة أكثر عمقاً.

ولفتت إلى أن هناك تناول للقضية من النواحي القانونية والنفسية والاجتماعية وبها مقارنات مع دول أجنبية سبقت خطوة في وضع منظومة لحماية الأطفال التي قام أهلهم بهجرانهم والتدابير القانونية التي تم اتخاذها، وتطرقت إلى عدد الأرقام حول القضية بشكل مباشر، مؤكدة أن الورقة البحثية ثرية للغاية طرحت القضية وجانب من الحلول واستعرضت أبعاد الأزمة لمناقشة مدى الاحتياجات للتدخل وما إن كانت المنظومة الحمائية للطفل الموجودة يمكنها تغطية الاحتياج أم هناك حاجة لتدخلات أخرى.

وقالت إن الترك لا يتمثل في التخلي عن الطفل فقط، بل التنصل من المسؤوليات ومنها القانوني والعائلي والمالي، وعن القانون فقد تم التطرق لها في أحد حالات تعريض الطفل للخطر بقانون الطفل المصري عند الحديث عن الإهمال واعتباره جريمة إلا أن ذلك الملف لم يأخذ مساحة كبيرة من الاهتمام وعلى الصعيد العالمي فهناك طفل من 10 أطفال تعرض للهجران بحسب إحدى الدراسات الدولية.

 

الدراسة المعمقة للظاهرة واحدة من أدوات الوقوف على حلولها

بدورها قالت خديجة الطاهر، استشارية النوع الاجتماعي بمؤسسة كير مصر للتنمية، إن تواجدها بالجلسة النقاشية جاء من منطلق أهمية الطرح المتعلق بهجران الأطفال من القائمين بالرعاية، مضيفة أن المنظور الذي تم تناول القضية من خلاله كان محوري وضروري لكونه متعلق بالشق النفسي والاجتماعي للترك والهجران.

واعتبرت أن ترك الطفل في سن مبكر خاصة في مرحلة تكوينه صورة ذهنية عن نفسه يجعله تحت تأثير الصدمة ويحتاج للعديد من التدخلات حتى لا تصب صورته عن نفسه مشوهة وبالتالي كان هناك أهمية للنقاش والخروج بتوصيات منها جبر الضرر للأطفال الذين تركوا سواء على الجانب النفسي أو الاجتماعي، مع ضرورة وجود برامج مؤسسية لتأهيل الأهالي الذين هجروا أطفالهم حتى يكون هناك لم شمل مجدد وتواجد حقيقي في حياة الأطفال مما يساهم في تعافيهم من الخلل الذي أثر عليهم.

وأكدت على ضرورة وجود دراسات معمقة ترصد تلك الظاهرة أكثر ليتم الاستناد إليها في العمل على تلك القضية، معتبرة أنه لا فصل بين التواجد مع الآباء والاحساس بالأمان والمحبة وبالتالي فالفقد أو الترك يجعل الأطفال يسعون طوال حياتهم للبحث عن الاحتياجات الأساسية من اهتمام ورعاية مما يعرضهم للعنف بمختلف صوره.

 

 

سلك المسار القانوني لا يضمن توقف الهجران

وأكدت مديرة برنامج تعزيز المساواة ومناهضة التمييز في مؤسسة المرأة الجديدة لمياء لطفي، أنها تدرك حجم أهمية مناقشة قضية هجران الأطفال لأنها عملت في عام 2001 على قضية إثبات النسب بين فنان مشهور ومهندسة ديكور وإنكاره لذلك، وهو الأمر الذي لاقى زخم إعلامي حينها.

وأوضحت أن هناك أرقام فعلية للأطفال مجهولي النسب المودعين في مراكز الرعاية، إلا أن الأمر أكبر من ذلك لأن هناك أعداد مضاعفة من الأطفال تركهم الآباء ولم يثبتوا نسبهم دون حتى استخراج شهادة ميلاد، مؤكدة أن الأطفال غير محميين لا بوثيقة الزواج أو بدونها حال رغبة أحد الطرفين في تركهم.

وبينت أنه وبعد ضغط ومجهود صدر قانون الطفل وتم الاعتماد على الوسائل التكنولوجية في إثبات النسب، إلا أنها تبقى لتقدير القضاة، لافتة إلى أن هناك إشكالية كبيرة في رغبة القضاة أولا في إثبات الزواج ثم إثبات النسب لأن الطفل وفق القاعدة الفقهية للفراش وأنها تابعت حالة اعتداء واغتصاب قام بها أب لطفلته ورغم عقاب الأب على جريمته، إلا أن الطفلة التي أنجبت جنين من تلك الواقعة ظلت بمأزق لدرجة أن جدة المولود أكدت لوسائل الإعلام أنها ستترك الطفل بالمستشفى لعدم قدرتها على مواجهة المجتمع به.