غزة... حالات الانتحار في ارتفاع ومطالبات بحماية النساء من العنف
دعت المشاركات في جلسة استماع، لإيجاد حلول ناجعة للحد من العنف ضد النساء والفتيات وحمايتهن، لتجنب لجوئهن لمحاولة إنهاء حياتهن في سبيل التخلص من أعباء الحياة والعنف الأسري.
رفيف اسليم
غزة ـ يشهد قطاع غزة في الآونة الأخيرة كغيرها الكثير من بلدان العالم ارتفاعاً في معدل حالات الانتحار بالتزامن مع تردي الأوضاع الاقتصادية وغياب الخدمات المقدمة للنساء المعنفات.
تحت عنوان "أسباب ارتفاع معدل الانتحار بين الفتيات والنساء في قطاع غزة"، عقدت جمعية "أطفالنا للصم"، أمس الثلاثاء 26 أيلول/سبتمبر، جلسة استماع ضمن برنامج "حماية ضحايا العنف"، للوقوف على تلك الأسباب ومحاولة إيجاد حلول نهائية لها تجنباً لوقوع المزيد من الضحايا خاصةً ذوات الإعاقة والنساء المعنفات اللواتي لا مكان لهن في بيوت الإيواء لعدم استيفاء الشروط.
وقالت المحامية في جمعية "أطفالنا للصم" هنادي صلاح، أن الجلسة نظمت بهدف مناقشة ظاهرة متجددة لنشر التوعية من جهة والتعريف بالمؤسسات والخدمات التي تقدمها من جهة أخرى، للحد من حالات الانتحار.
وأشارت إلى أن المجتمع يعتبر المرض النفسي وصمة عار لذلك لا يفصح المريض عما يشعر به أو يعبر عن حاجته للعلاج، على الرغم من أن القضاء على ظاهرة الانتحار يعتمد على الفرد نفسه في معالجته للمرض النفسي وعدم تركه يتطور ليصل إلى مراحل متقدمة من الاكتئاب، خاصةً أن المرض النفسي كبقية الأمراض الجسدية تحتاج إلى جلسات علاجية عديدة لتحديد المشكلة والتخلص منها.
وأوضحت أن المرأة تعتبر من أكثر الفئات هشاشة في هذه الحالة تحديداً لامتلاكها وجهة نظر تخالف الرجل الذي يعتبر صاحب السلطة والسيادة، ويبقى اتخاذ القرارات بيده، الأمر الذي يدفعها للتفكير بالانتحار، داعيةً إلى ايجاد سياسات وبدائل وخدمات للتخفيف والحد من العنف ضد النساء مع العمل على نشر الوعي حول الخدمات وتفعيل العقوبات في آن واحد كون من تحاول الانتحار تتعرض لعقوبة جنحة، بينما من تحرض تعاقب بجناية.
بدورها قالت مديرة مؤسسة بيت الأمان بغزة سهاد قنيطة، أن الانتحار يبدأ بفكرة نتيجة تردي الأوضاع التي تعيشها النساء والفتيات خاصةً ذوات الإعاقة منهن، ومن ثم يتطور المفهوم لديهن بأن الموت أفضل من الأوضاع التي يكابدنها كل يوم في ظل غياب التدخلات المناسبة، متنقلة من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ عبر اختيار الوسيلة مع العلم أنه لا يجوز لأي إنسان إنهاء حياته مهما كانت الظروف التي يعيشها.
ولفتت إلى أنه في كل عام ترتفع نسب الانتحار عالمياً فتصل إلى قرابة مليون حالة بحسب منظمة الصحة العالمية، فيما تصل عدد المحاولات إلى عشرين مليون حالة مسجلة، لتبقى تلك النسب مبهمة في قطاع غزة لأسباب متعددة منها تكتم الأهل على الحالة في بعض الأحيان، لافتةً إلى أن الموازنة ما بين الصحة النفسية ومتطلبات الحياة هو ما يمنع الضحية من التفكير بالانتحار.
وعن دور بيت الأمان أشارت إلى أنه يقدم الحماية والإيواء للنساء والفتيات، عبر برنامج محدد للتعامل مع الناجيات من العنف عبر إسعافها بالخدمات الحياتية كالإقامة المؤقتة، وأخرى غذائية تشمل المأكل والمشرب وغيرها، بالإضافة للخدمات الإرشادية ووضع الخطة اللازمة مع تدخل الأهل حتى يتم حل المشكلة وتقديم خدمات الحضانة كونها تأتي مع أطفالها، وأخرى خاصة بالتدريب المهني والحرفي لتمكينها اقتصادياً.
وأكدت على أن العنف الذي يتم مواجهته حالياً في تزايد مستمر خاصةً حالات إيذاء النفس أو التهديد بإيذاء الآخرين، بسبب الهجمات والحصار المستمر على قطاع غزة منذ ما يزيد عن سبعة عشر عاماً، بالتالي زيادة الأوضاع الاقتصادية سوء وارتفاع نسب الفقر والبطالة، وغياب المقومات الأساسية للحياة، مشيرةً إلى أن قضايا الانتحار غالباً ما تتعلق بجوانب اقتصادية واجتماعية، بخلاف المجتمعات الأخرى مما يفرض وجود جهود مشتركة بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والأفراد.
ونوهت إلى أنه يتم إنشاء مكان خاص لاستضافة النساء اللواتي تعانين من ظروف اقتصادية صعبة للغاية في الوقت الحالي، ومكان للأحداث الذي يضم الفتيات اللواتي دون سن الثامنة عشر، والنساء اللواتي أنهين مدة حكمهن بالسجن لتهيئتهن قبل الخروج للمجتمع، لافتةً أن الاستضافة في بيت الأمان قد تستمر لمدة عام كحد أقصى ومن شروطها خدمة المرأة أو الفتاة نفسها بنفسها، لذلك سيتم تخصيص مكان لذوي الإعاقة للتقليل من معدلات الانتحار التي باتت تظهر في صفوفهن.
من جانبها قالت المحامية ميساء بكري أن الجلسة ركزت على أسباب ارتفاع حالات الانتحار بين الفتيات والنساء خاصةً بعد جائحة فايروس كورونا، لافتةً إلى أن هناك عدة أسباب تدفع للانتحار منها الاقتصادية والعوامل النفسية التي تعتبر المنبت الأساسي لتلك الظاهر وضعف الاندماج مع المجتمع أو النشاطات التي تساعد الفتاة على إيجاد حلول قابلة للتطبيق حول المشكلات التي تعاني منها، أو عدم معرفتها بالمراكز المختصة التي تستطيع تقديم الخدمات لها.
وبينت أن الظروف الاقتصادية هي العامل الأساسي في تحسين وضع الفرد فإذا ما تم توفير الاحتياجات الأساسية لن تفكر النساء في الانتحار، داعيةً الجهات المسؤولة والمختصة للتحرك بفرض إجراءات تقضي بحماية الضحية من الانتحار والتأكد من حصولها على الخدمات النفسية لمعالجة الاضطرابات عبر المؤسسات المعنية.
وأفادت الناشطة المجتمعية وفاء زقوت أن موضوع الانتحار أصبح له صدى كبير خاصةً في ظل توجه النساء له للهروب من الضغوطات التي تعانين منه، كون بنيتهن الضعيفة وغياب دور الأسرة في مساندتهن تجعل الطريق أمامهن مسدود، لافتةً إلى أنه في حال كان للمرأة مصدر دخل لن تفكر بالانتحار خاصةً إذا جمعت بين عملها وحضور جلسات التوعية، وهذا ما ساعدها على الصعيد الشخصي بطرد تلك الفكرة في الوقت الذي أدركت به تأثيرها في مجتمعها.
وأوضحت أنها لم تولد بإعاقة بل أصيبت بها منذ عدة سنوات الأمر الذي استنفذ قواها في محاولة استيعاب ما حل بها والتأقلم معه عبر المشاركة في الدورات العلمية والتثقيفية التي غيرت من نمط تفكيرها ورويتها للحياة عبر نقلها تجارب حية ووعي أفراد تم تكوينه على مدار عدة سنوات، داعية المرأة بأن تكون قوية وتواجه المجتمع ولا تتجه للانتحار كون حياتها ثمينة وتستحق إعادة المحاولة من جديد.