في يوم المرأة العالمي... المرأة السورية بين الواقع والطموح
إن دورات العنف التي مارسها الإرهاب بحق المرأة خلال العقود الفائتة تفرض معالجة جادة لمشاركة المرأة في الحياة السياسية باعتبارها نصف المجتمع، قولاً وفعلاً.
بقلم الكاتبة السورية سارا عباس
نشر الفنان والمصمم الإيراني مصطفى هروي عام 2020 بمناسبة يوم المرأة العالمي الذي يصادف الثامن من آذار صورة عرض أزياء تعتلي منصته نساء قرويات تحملن أوعية بلاستيكية ضخمة لنقل المياه (سطول) وإحداهن تحمل كيساً كبيراً وأخرى طبقاً على رأسها وثالثة ينحني ظهرها تحت برميل.
في الحقيقة إن هذه الصورة تعكس واقع غالبية النساء في دول الشرق الأوسط والعالم العربي، نساء تعملن بلا توقف من أجل القيام بأعباء المجتمع الذكوري، بعيداً عن الشعارات التي تطرحها الأمم المتحدة في هذه المناسبة وكان آخرها "الاستثمار في المرأة لتسريع وتيرة التقدم".
هذا الواقع الذي رسمه مصطفى هروي تظاهرت ضده النساء في الولايات المتحدة قبل 116 عام في 8 آذار عام 1908 وهن تحملن وروداً وخبزاً يابساً وتطالبن بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال وبحقهن في الاقتراع.
لذا ليس من المبالغة القول إن استمرار سيادة دول الغرب على العالم لها صلة بتحرر المرأة في تلك المجتمعات وبنيلها حقوق المساواة القائمة على النوع الاجتماعي وليس من المبالغة القول إن التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مجتمعاتنا يحتاج عملاً أكثر جدية وعلى مدار العام ومن خلال كافة المؤسسات الفاعلة لتحقيق المساواة.
في اليوم العالمي للمرأة تنظم الفعاليات والأحداث احتفاءً بالمرأة، وسعياً لرفع الوعي السياسي والاجتماعي بقضاياها، وتخرج في العديد من المدن مسيرات وتجمعات ومظاهرات، وتمتلئ الشوارع في بعض هذه المدن باللون الأرجواني الذي يرتبط بحقوق المرأة. ورغم أهمية هذا اليوم، إلا أنه أصبح "فخاً موسمياً" ينشط فيه الاحتفاء والاحتجاج والمطالبة بحقوق المرأة، وسرعان ما تخمد تلك النشاطات وتنحصر في أطر ضيقة بانتظار العام القادم.
ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى عدم وجود برامج محددة ذات إطار زمني وإمكانات وأهداف محددة، وفي حال وجود تلك البرامج فإن الإمكانات تكون قاصرة عنها، حيث كشف الموقع الرسمي للأمم المتحدة أن هناك عجز في الإنفاق السنوي على تدابير المساواة القائمة على النوع الاجتماعي، يُقدر بنحو 360 مليار دولار أمريكي، في سياق مشروع أممي تحقيق المساواة القائمة على النوع الاجتماعي بحلول عام 2030.
من البرامج المستدامة واللافتة في مجال تكريس حقوق المرأة كثقافة مجتمع jin war (قرية المرأة) الواقعة في منطقة الخط العاشر بين الدرباسية والحسكة والمعروفة بأنها من أخصب المناطق في سوريا وبأنها ذات هطولات مطرية مميزة قياساً لبقية مناطق شمال وشرق سوريا، ما جعلها مكاناً مناسباً كي تقترن بخصوبة المرأة وكي تحتضن "jin war" بدءً من آذار 2017. حيث تجمعت نساء من مختلف الأطياف الإثنية والدينية "لإعادة بناء مجتمع أمومي متحرر من قوانين المجتمع الذكوري القائمة على الصراعات والملكية والمركزية، كان ذلك نوعاً من إعادة إحياء الأسطورة واستحضار الآلهة الأم".
بشكل مشابه لدلالات "jin war"، يحتفل مواطنو تشيلي، في الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، باليوم العالمي للمرأة من خلال مسيرات في عدة مدن، حيث يرتدي المتظاهرون/ات مناديل خضراء ترمز إلى دعمهم للحقوق الجنسية والإنجابية. وهو ميراث يعكس تلاقي الثقافات على امتداد العالم، حول أولوية المرأة في بناء المجتمع وإحيائه. هذا الميراث يحتاج أن يعاد تأكيده في ثقافتنا كسوريين أو كمشرقيين.
من المعروف أن يوم المرأة العالمي، 8 آذار، هو ميراث لنضال نساء عاملات في معمل النسيج في نيويورك احتججن على الظروف الصعبة في العمل وتم مواجهتهن من قبل عناصر الشرطة الذين قاموا بتفريق المظاهرة في عام 1856. وأثمر هذا النضال عن أول مبادرة لتخصيص يوم من أجل قضايا النساء عام 1909، وكان يقف وراءها الحزب الاشتراكي الأمريكي، الذي أقر 28 شباط يوماً للاحتفال باليوم الوطني للمرأة في الولايات المتحدة، تكريماً لإضراب عاملات الملابس عام 1908 في نيويورك، اللواتي خرجن في مسيرة احتجاجية للمطالبة بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور والحصول على حق التصويت في الانتخابات.
هذه السردية الشائعة على مستوى العالم نحتاج أن نضيف إليها، أن المرأة في منطقتنا وعلى مر العصور تمتعت بدور ريادي مميز، وأثر هام وكبير في تعزيز وعي المجتمع وإدارته فكانت إلهة وملكة وفاعل اجتماعي قبل أن تجري محاولات دفن هذا الإرث العظيم تحت ركام الذكورة الطاغية، ومن هنا تأتي أهمية "jin war" في إعادة ترتيب الحقائق والسرديات.
لكن العودة إلى الماضي والإمساك بخيوطه ليست بغاية الهرب من الواقع المعاصر. حيث أظهرت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة عام 2021 أن 45% من النساء في بعض المجتمعات الفقيرة، تعرضن لشكل من أشكال العنف الإساءات اللفظية وغير الجسدية والحرمان من الموارد الأساسية، فيما تقول منظمة المرأة العربية وهي منظمة حكومية تعمل في إطار الجامعة العربية، إن وتيرة ظاهرة العنف ضد المرأة تزايدت في الدول العربية في الآونة الأخيرة بسبب عدم الاستقرار في عدد منها، "ولكون المرأة أكثر هشاشة على سلم الحقوق وأقل امتلاكاً لمصادر القوة الاجتماعية سواء الرمزية أو المادية" لأسباب أخلاقية وثقافية واجتماعية مشوهة تسمح بممارسة التمييز والإقصاء والعنف رغم أنها تشكل نصف القوة الإنسانية للمجتمع.
وكشفت دراسة، أجريت العام الفائت في 51 دولة، أن 38 في المئة من النساء تعرضن للعنف على الإنترنت في ظل تخلف المرأة عن الرجل في استعمال الإنترنت والوصول إلى التقنيات الحديثة، يضاف إلى ذلك أن النزاعات في دول الشرق الأوسط أفرزت انتهاكات فظيعة لحقوق المرأة، قلما شهد التاريخ مثيلاً لها، على يد حركات إرهابية كـ "داعش" والقاعدة في العراق وسوريا وحركة طالبان في أفغانستان.
إن دورات العنف التي مارسها الإرهاب بحق المرأة خلال العقود الفائتة تفرض معالجة جادة لمشاركة المرأة في الحياة السياسية باعتبارها نصف المجتمع، قولاً وفعلاً.
مثلاً، إن نظام الحصص المخصصة للمرأة في البرلمانات العربية تعكس العقلية الذكورية المتمثلة في "إلقاء الفتات للمرأة"، حيث أقرت 10 دول فقط كوتا متواضعة للمرأة في البرلمانات (رغم أن هذه البرلمانات لا تعكس واقعاً ديمقراطياً فعلياً)، وأربعة بلدان فقط، هي الصومال والسودان وتونس والإمارات، لديها كوتا تسمح بنسبة 30 في المئة على الأقل كنسبة المقاعد البرلمانية المخصصة للنساء. ولم تسن سوى تونس قانوناً يجرم صراحة العنف ضد المرأة في الانتخابات والنشاط السياسي.
بينما تحتاج المعالجات الجادة لمسألة المساواة بين الجنسين إلى تخصيص المرأة بنصف مقاعد البرلمانات، وإلى إقرار قانون صريح يجرم العنف ضد المرأة في الانتخابات والنشاط السياسي على مستوى كافة الدول.
إن شرطة الآداب لا تزال جهازاً ساري المفعول في أفغانستان وإيران وهناك جهود لفرضها في مدينة إدلب بسوريا وبعض أرياف حلب حيث تسيطر جبهة النصرة، بينما أغلقت السعودية هذا الملف، وتمثل أجهزة شرطة الآداب أدوات لقمع المرأة وانتهاك حريتها وفرض الحجاب، فيما تتمتع المرأة بالحماية من التحرش الجنسي والعنف المنزلي بموجب القانون في مكان العمل في ثمانية بلدان فقط.
بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة، هناك تقدم على مستوى القوانين في منح المرأة حقوق مدنية وسياسية متساوية مع الرجل في منطقتنا، لكن الفجوة تظل في ثقافة المجتمع التي تحتاج إلى جهد تراكمي لتطويرها وهي ثقافة جنّدت بعض النساء في قمع المرأة وانتهاك حقوقها، كما في تجربة داعش أو في أجهزة شرطة الآداب التي تجند النساء لفرض أنماط من السلوك واللباس على المرأة، لذا فإن مربط الفرس يظل في القدرة على إحداث تغيير في ثقافة المجتمع حول استعادة المرأة لحقوق ومشاركة متساوية مع الرجل، وهو تغيير يجري ببطء شديد وسط مقاومة حادة من الثقافة الذكورية رأينا تجلياتها في دورات العنف التي مارستها التنظيمات الإرهابية بحق المرأة وفي إعادة حركة طالبان عقارب الزمن إلى الوراء في أفغانستان وفي ممارسات شرطة الآداب بحق النساء في إيران التي أدت إلى مقتل الشابة جينا أميني وانطلاق مظاهرات احتجاجية إثر ذلك وآخر فصول هذه الثقافة جهاز شرطة الآداب الذي يجري العمل على إطلاقه في إدلب وأرياف حلب لفرض الحجاب وتقييد الحريات.