في ذكرى وثيقة المطالبة باستقلال المغرب… استحضار للبطولات النسائية

بمناسبة الذكرى الواحدة والثمانون لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، تم تسليط الضوء على المغربيات اللواتي ساهمن بشكل فعال في معركة التحرر من الاستعمار الفرنسي.

رجاء خيرات

المغرب ـ يحتفل الشعب المغربي في الحادي عشر من كانون الثاني/يناير من كل عام، بالذكرى الـ81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وهي محطة نضالية بارزة في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وتحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية.

نظم مركز "ذاكرة مراكش للتراث والثقافة" بالتعاون مع جامعة القاضي عياض والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بمراكش المغربية، أمس الجمعة 10 كانون الثاني/يناير، لقاءاً ثقافياً في موضوع "وثيقة المطالبة بالاستقلال، ذكرى وانبعاث"، والذي سلط الضوء على هذا الحدث التاريخي وأبعاده الوطنية، حيث تعد هذه الذكرى حدثاً مفصلياً في تاريخ المغرب، كما عبرت المشاركات عن اعتزازهن بالدور الذي لعبته النساء في معركة التحرر والمقاومة.

وقالت عضوة المجلس العلمي الأعلى للعلماء والمجلس العلمي للعلماء الأفارقة بمؤسسة "محمد السادس" زهراء ناجية الزهراوي، إن هناك مجموعة من النساء اللواتي ساهمن في معركة التحرر الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني، لكنهن لم تُخَلدن كما هو الشأن بالنسبة للرجال.

وأضافت أن هؤلاء النساء لم تذكرن رغم أنه كانت لهن أدوار طلائعية في المقاومة، باستثناء مليكة الفاسي وهي المرأة الوحيدة التي وقعت على وثيقة الاستقلال من بين 66 موقعاً عليها، وهي كاتبة ومدافعة عن حقوق المرأة، حيث لم تتوانى في التوجه إلى الملك محمد الخامس من أجل المطالبة بتخصيص وحدة خاصة بتعليم النساء بجامعة القرويين بفاس، وكذلك المقاومة عائشة المسافر التي عاشت فترة الاحتلال الفرنسي والإسباني للمغرب، وانضمت للمجاهدين بجنوب المغرب وشاركت معهم ببسالة إلى أن سقطت شهيدة في معركة بويزري عام 1957.

ولفتت زهراء ناجية الزهراوي، إلى أن هذا اللقاء يشكل مناسبة لتسليط الضوء على الدور الريادي الذي لعبته المرأة المغربية ليس فقط فيما يشاع ويعرف، بل إن المغاربة الذين عاشوا مع الأمهات والجدات يدركون كيف كن تساهمن في الخفاء وبصمت في إخفاء الأسلحة ونقل الأخبار وكانت لهن مواقف ورؤى كذلك فيما يقع، موقعات بذلك على صفحات من التاريخ المجيد من أجل الانعتاق من براثن الاستعمار ونيل الحرية.

وأوضحت أن المغربيات قمن بإيواء اجتماعات حركة المقاومة والمشاركة في النضال المسلح والمعارك الكبرى، ولعبن دوراً في إسعاف الجرحى، مؤكدةً أن المرأة المغربية كسرت قيود الحجر عليها وخرجت عن طواعية لأداء واجبها الوطني بكل إصرار وتفان، لافتة إلى أن هناك العديد من النساء اللواتي انخرطن في المقاومة لكن التاريخ لم يذكرهن.

وقالت زهراء ناجية الزهراوي، إن "هناك نساء مغمورات ساهمن في معركة التحرر وأنا شخصيا لم أسمع بهن قط، إلا وأنا أنجز كتابي "معجم شهيرات المغرب" ومن بينهن هناك فاطمة الزهراء المراكشية التي شاركت في مظاهرة "القصبة والمشور" خلال ثورة الملك والشعب وسقطت شهيدة برصاص قوات الاحتلال وخلفت ثلاثة أبناء صغار في 14 آب/أغسطس من عام 1953 وقد سمي شارع على اسمها بمدينة مراكش.

وشددت على أن تاريخ المقاومة من أجل التحرر حافل بالأسماء النسائية من أمثال خناثة الرودانية التي تمثل المرأة الواعية بقضية وطنها، والتي خرجت هي كذلك في المظاهرات التي عرفتها مدينة سلا (المتاخمة للعاصمة الرباط) في السابع من آذار/مارس من عام 1944 بعد الإعلان عن وثيقة المطالبة بالاستقلال واعتقال العديد من الوطنيين، فواجهت القوات الفرنسية هذه المظاهرات بالرصاص واستشهدت خلالها خناثة الرودانية.

وذكرت أن الكثيرين يعرفون جيداً أحد رموز المقاومة وهو موحا أو حمو الزياني بطل المقاومة المسلحة بالأطلس المتوسط ضد الاحتلال الفرنسي، لكن القليلين من يعرفون ابنته وتدعى "يطو" التي شاركته هذه البطولة وانخرطت إلى جانبه في معركة الدفاع عن الوطن، إلى أن استشهدت عام 1921 وخلفته "يطو" في قيادة المعارك إلى أن استشهدت بدورها.

وكذلك يطو بنت القائد المكيلدي التي اشتهرت بزعامة قبيلتها بني مكيلد بالأطلس المتوسط، وثارت ضد الظلم والاستبداد وحاربت قوات الاحتلال الفرنسي إلى أن استشهدت، وقد أقيم لها نصب تذكاري في جانب الطريق الرابطة بين مدينة مكناس ومدينة أورو (وسط المغرب) ويعرف هذا الموع بـ "منظر يطو"، ثم فاطمة بنت العربي وهي مقاومة من مدينة خريبكة، ضحت بحياتها في سبيل ثورة الملك والشعب لتحرير الوطن وإرجاع الملك الشرعي إلى عرشه، حيث لاقت قسوة جنود الاحتلال الفرنسي، واستشهدت في ميدان الشرف عام 1955.

ودعت إلى الاعتراف بهؤلاء النساء وتذكرهن ليس فقط لكونهن لعبن دوراً في إخفاء وإيصال السلاح للمقاومين وإبلاغ الرسائل للخلايا السرية وحسب، بل لأنهن ضحين بحياتهن وسقطن شهيدات في معركة الحرية والكرامة.

واختتمت حديثها بالقول إن هؤلاء النساء نماذج للآلاف اللواتي ساهمن بصمت في التحرر من براثن الاستعمار، حيث تؤكد إحصائيات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أن عددهن يفوق ثلاثمائة ألف وثلاثة امرأة، من بينهن 32 شهيدة.

 

 

من جهتها اعتبرت الأستاذة التاريخ فوزية الكنسوسي، أن التاريخ لم ينصف النساء وأغفل ذكرهن، رغم كل التضحيات التي قدمنها في سبيل أن ينعم الوطن بالحرية "إن تاريخ معركة التحرر حافل بالأسماء الكثيرة من نساء انخرطن في المقاومة، حيث كن تخفين السلاح وتحملنه في صمت حتى يصل للمجاهدين، كما أنهن شاركن في المظاهرات التي كانت تطالب بالاستقلال وبعودة الملك محمد الخامس من منفاه، لكنهن لم تذكرن بالشكل الذي ذكر به رموز المقاومة من الرجال".

وأشارت إلى أنه على الرغم من عدم السماح باختلاط النساء والرجال في ذلك الوقت، إلا أن النساء كن لا تترددن في التواجد في الصفوف الأمامية في المظاهرات، وكن يأوين المقاومين ببيوتهن حتى لا تطالهم عيون القوات الفرنسية، كما أنهن كن يخفينهم ويهربنهم من سطوح المنازل، حيث الأسطح كانت مرتبطة ببعضها البعض في المدينة العتيقة، لافتة إلى أنهن كن يزودن المجاهدين الذين تطاردهم القوات الفرنسية بزيهن الذي يسمى "الحايك" حتى يلبسه الرجال لتمويه الجنود الفرنسيين.

وقالت فوزية الكنسوسي، أن اسم فاطمة الزهراء الشهيدة التي سقطت برصاص الاحتلال الفرنسي أطلق على واحد من أهم شوارع مدينة مراكش، لكي تتذكرها الأجيال وتدرك مدى التضحيات التي قدمتها النساء حتى ينعم هذا الوطن باستقلاله من الاستعمار الغاشم الذي امتد من عام 1912 إلى عام 1956.