في إقليم شمال وشرق سوريا تتنفس المرأة الحرية

مقال بقلم الصحفية راما خلف

من خلال زيارتي إلى مناطق الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا، لفت انتباهي مدى التنظيم الاجتماعي والسياسي الذي تنتهجه هذه المناطق، خاصة فيما يتعلق بدور المرأة ومكانتها في المجتمع، المشهد العام يعكس صورة مغايرة عمّا هو سائد في العديد من المناطق السورية الأخرى، حيث تبرز المرأة هنا كفاعل أساسي ومؤثر في جميع مناحي الحياة.

 

دور المرأة في المجتمع

أحد أبرز المظاهر الملفتة هو الحضور القوي للمؤسسات المعنية بشؤون المرأة مثل مجلس حماية المرأة ودار المرأة، إلى جانب تخصيص مكاتب نسوية داخل معظم المؤسسات الحكومية، هذا الوجود المؤسسي لا يقتصر على الشكل الرمزي، بل يعكس توجهاً حقيقياً لدعم المرأة وتمكينها على مختلف المستويات، هذه الهياكل تمنح النساء شعوراً بالأمان والثقة، إذ يجدن أماكن يمكن اللجوء إليها للحصول على الدعم والمشورة، أو للدفاع عن حقوقهن في حال تعرضهن لأي نوع من التمييز أو العنف.

ما يميز هذه التجربة هو أن المرأة ليست فقط محمية أو ممثلة، بل هي شريكة حقيقية في صنع القرار السياسي والمجتمعي، فهي حاضرة في المجالس المحلية، وفي قوات الدفاع، وتشارك في الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب مشاركتها الفاعلة في المؤتمرات والحوارات الوطنية، النساء في هذه المناطق لديهن الحرية في التعبير عن آرائهن، وهن جزء من النسيج العام المتكامل الذي يعيد صياغة مفهوم المواطنة والانتماء بشكل شمولي.

 

مشاركة المرأة في القطاع العسكري

شاركت المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا بشكل فعّال في القطاع العسكري، من خلال انضمامها إلى وحدات حماية المرأة (YPJ) التي لعبت دوراً رئيسياً في المعارك ضد تنظيم داعش، وكانت جزءاً من قوات سوريا الديمقراطية. لم تكن مشاركتها رمزية، بل حملت السلاح وخاضت معارك حاسمة في تحرير مناطق مثل كوباني والرقة ومنبج، كما تولّت أدواراً قيادية في الجبهات. هذه التجربة أثبتت قدرتها على الدفاع عن مجتمعها وكرّست حضورها كقوة فاعلة في السلم والحرب.

 

الوضع الحقوقي والسياسي للمرأة

من الناحية القانونية، وضعت الإدارة الذاتية قوانين تضمن المساواة بين الجنسين، منها "قانون المرأة" الذي يهدف إلى إنهاء كافة أشكال التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي، كما تنص اللوائح الداخلية للمؤسسات على مبدأ التمثيل المتساوي "نظام الرئاسة المشتركة" في المواقع القيادية، وهو ما يضمن مشاركة المرأة في كل مستوى من مستويات الحكم.

هذه القوانين لا تبقى حبراً على ورق، بل يتم تفعيلها وتطبيقها من خلال التدريب، ورفع الوعي المجتمعي، والعمل الميداني من قبل منظمات المجتمع المدني والتنظيمات النسوية، مما يخلق بيئة تساهم في تحرر المرأة وتمكينها.

 

العادات والتقاليد في المنطقة

أما من ناحية العادات والتقاليد، فقد لمست وجود تشابه كبير بين هذه المناطق وبقية المناطق السورية من حيث القيم الاجتماعية كاحترام الكبير، أهمية الروابط العائلية، والتقدير، إلا أن هناك اختلافات ملحوظة في كيفية الاحتفال بالمناسبات والأعياد، على سبيل المثال، تختلف طقوس الاحتفال "بعيد نوروز" الذي يُعتبر عيداً قومياً لدى الكرد، عن تلك الموجودة في المناطق الأخرى. كما أن الزي التقليدي النسائي له خصوصيته، وغالباً ما يكون مفعماً بالألوان والرموز الثقافية.

رغم وجود هذه الخصوصيات الثقافية، إلا أن الانفتاح المجتمعي وقبول الآخر بدا واضحاً، حيث تعيش في هذه المناطق مكونات مختلفة (كرد، عرب، سريان، آشوريون…) بتناغم نسبي، وتشارك في الحياة العامة بشكل متساوٍ، مما يدل على وعي جمعي يسعى لتجاوز الهويات الضيقة وبناء مجتمع تعددي.

فالمرأة في إقليم شمال وشرق سوريا ليست فقط جزءاً من المجتمع، بل هي في صلب عملية البناء المجتمعي والسياسي، التجربة النسوية في هذه المناطق تعد مثالاً يُحتذى به في تمكين النساء، سواء من ناحية المشاركة السياسية أو من الناحية الاجتماعية والحقوقية، كما أن الحفاظ على التقاليد مع فتح المجال للتغيير والانفتاح خلق توازناً حضارياً بين الحداثة والهوية الثقافية.ِ