فنانة تتألق في تجسيد أزمات البلاد ومعاناة النساء من خلال مسرحية

في مسرحيتها الجديدة "ماغما"، قامت الفنانة برناديت حديب بدور بعرض فردي (مونولوغ)، وفي إطار وحيد هو سرير المرض، وعلى الرغم من ذلك، تمكنت من الوصول إلى جوارح ومشاعر الحاضرين/ات، ليكون المسرح تعبيراً لمعاناة المرأة ومرآة لأزمات البلاد اليومية.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ بحرفية عالية وبأداء متمرس وخلال ساعة واحدة، تمكنت الفنانة برناديت حديب من شد الحضور بصوتها ولغة جسدها ومن نقل معاناة الشعب اللبناني ولا سيما النساء، في إطار فني بسيط يمزج بين الإضاءة الخافتة والظلام في مسرحية "ماغما".

استطاعت الفنانة برناديت حديب أن ترسم مشاهد يومية من حياة المواطن اللبناني، ومعاناته مع الأزمات التي رزحت تحتها البلاد وخصوصاً الوضع السياسي والاقتصادي، ولا سيما كارثة انفجار المرفأ التي راح ضحيتها المئات وقضت على أحلام الكثيرين والكثيرات.

وكان من المفترض أن يكون يوم أمس السبت 3 شباط/فبراير العرض الأخير على مسرح "دوار الشمس" في العاصمة اللبنانية بيروت، ولكن بسبب الطلب الكبير، تم تمديد العرض إلى 4 أيام إضافية، وقد امتلأت الصالة بالحضور ولا سيما النساء، ما يؤكد أن المسرح لا زال مقصداً للكثيرين.

وقد تناولت المسرحية مشهد امرأة في غيبوبة على سرير أبيض، وهو الإطار الوحيد لمشاهد المسرحية، أما التوقيت فبعد انفجار مرفأ بيروت، وهي تستعيد مشاهد من حياتها اليومية، حيث يحاول شريكها إفاقتها من غيبوبتها وتبدأ بالتعبير عن معاناتها والتي تمثل الكثيرين في المجتمع اللبناني وخصوصاً النساء، مع انقطاع المياه والكهرباء وأزمة السير، والوضع الاقتصادي والمعاناة لتأمين الحياة الكريمة.

بالإضافة إلى ما تتعرض له المرأة من تحرش وإهانات وإحباطات وعنصرية (بسبب لونها)، ومن ثم الزواج ومشاعر الحب، فمشاعر الخوف من الإنجاب في عالم يسوده كل هذا الظلم والفساد، ومن ثم الحمل والخوف من إنجاب فتاة حتى لا تستمر بالإنجاب حتى يأتي "الصبي".

كما عبرت بصورة فريدة من نوعها عن لحظة انفجار مرفأ بيروت، ووفاة ابنها، لنصل إلى المشهد الأخير، حيث تستسلم لقدرها، وهو ما يشهد على قدرة العمل المسرحي ليس على إيصال المشاعر والمعاناة فحسب، بل على توثيق الأزمات بصورة درامية تترك أثراً يبقى لفترة طويلة ويساهم في التغيير المنشود ويحفز المزيد من الفنانين/ات والمخرجين/ات على متابعة ومقاربة القضايا الحياتية بمثل هذه الأعمال المتميزة ومن خلال التفاعل الذي يتركه لدى المشاهد والذي يتميز به المسرح.

وقالت الفنانة برناديت حديب لوكالتنا "الفكرة أتت من واقع حياتنا التي نعيشها في لبنان، والقلق المستمر الذي نعانيه فيها من كافة النواحي في ظل الظروف التي مررنا بها منذ أربع سنوات وحتى الآن، من كورونا، للثورة، لانفجار المرفأ، والمصارف التي نهبت أموالنا، فكانت لدينا حالة قلق وهواجس وألم حاولنا التعبير عنها وبدأنا العمل ببطء شديد، وذلك بالعمل على النص وعلى تركيبة المسرحية".

وعن سبب تسمية المسرحية بهذا الاسم، قالت "الماغما هي الحمم البركانية التي تغلي في الأرض تحت فوهة البركان وتريد الخروج ولا تستطيع التفجر، وهو تعبير عن هذه المرأة التي تمثل مجموعة من النساء بامرأة واحدة، لديها هذا الألم وهذه الهواجس والصرخة التي تريد أن تعبر عنها ولكن الصوت لا يخرج، مهما صرخت ثمة ما يكبتها فكانت "الماغما" وثورة البركان على خشبة المسرح".

وأضافت "المرأة في عملي وليس في ماغما وحسب، هي أساس في كل ما تفكر به وتعيشه في مجتمعنا العربي واللبناني خصوصاً، من قهر وظلم ونظرة دونية، ويعني لي الكثير تسليط الضوء عليها، لذلك عبر مسرحية "ماغما" فهناك رسائل تتكلم عن وجع المرأة الجسدي والنفسي والفكري، وكمية التهميش والتعنيف التي تطالها، وكيف يفضل المجتمع الصبي على البنت، وكيف إن كانت المرأة مختلفة يتم النظر إليها بدونية، وبالتالي حاولنا الإضاءة على هذه القضايا التي تعني لي الكثير، ولم أريد أن أختصرها بالدراما والسينما فقط، بل حتى على خشبة المسرح، بأن نتكلم عنها، فالمرأة تستحق أن تكون مميزة ومكرمة".

وعن دورها الفردي على المسرح، أشارت إلى أن "التجربة لم تكن تحدٍ فحسب، بل أنها حالة مرعبة للغاية وأخافتني كثيراً، ولكن في الوقت ذاته هي تجربة مثيرة وجميلة، وما لفتني الإقبال الكبير على المسرحية وخاصة النساء كون العرض يعنيهن، لذلك قمنا بالتمديد لأربعة عروض لأن الناس طلبت العرض وأحبته، ولم يتمكن الكثيرون من حضوره خلال الأسبوعين الماضيين".

ووجهت رسالة للنساء قائلة إن "المسرح هو صرح ثقافي فني يخاطب عقول الناس وقلوبهم وأرواحهم، فالثقافة لا تموت في لبنان بوجود النساء وإقبالهن على المسارح".

 

 

من جهتها، قالت مديرة المركز الدولي للعدالة الإنسانية المحامية سهى إسماعيل إن "المسرحية رائعة للغاية، ويصل الإحساس من أول مشهد وحتى آخر مشهد، وتنقل المشاهد بإحساسها والواقع الذي تعيشه في هذه المسرحية لتحلي مكانها، وتشعرين أنك الأم التي تعيش قصة فقدان ابنها سواء كنت أماً أو لم تكوني، وهذا الشعور من الصعب أن يوصله الكثيرون، وهو ما نفتقده في المسرح خصوصاً".

وأضافت "هناك عدة رسائل في المسرحية، في مكان أشارت إلى العنصرية (بناء على اللون)، وعن الفساد وانتظار المولود وكيفية التمييز بين الصبي والبنت، وأنه إن لم تنجب ولداً فعليها أن تحاول مرة ومرتين وثلاث مرات، كما حاولت من خلال المشاهد تسليط الضوء على المجتمع الذكوري، ومن ناحية ثانية، ما تعانيه المرأة اللبنانية من إساءة لها وطريقة استخدام المفردات بحقها، ومنها مشهد أثناء قيادتها للسيارة وكيف تعامل معها أحد الرجال، وباعتقادي فإن هذه المسرحية رائعة من كافة الجوانب".