'فكر القائد أوجلان مشروع تحرري يعيد تعريف الإنسان والمجتمع'
ترى فرياز بركل رئيسة قسم الجنولوجيا في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة كوباني، أن فكر القائد أوجلان يشكّل نموذجاً فكرياً عالمياً يعالج أزمات المجتمع ويضع المرأة في قلب الحل، ويقدّم رؤية بديلة تقوم على الحرية والمواطنة الديمقراطية.

برجم جودي
كوباني ـ يُنظر إلى القائد عبد الله أوجلان، بوصفه مفكراً وفيلسوفاً معاصراً من قبل المجتمعات التواقة للحرية، والمناضلات، وكل من يسعى إلى السلام والعدالة، ورغم مرور أكثر من 27 عاماً على اعتقاله لم يتوقف عن إنتاج الفكر، إذ قدّم عشرات المؤلفات الفلسفية والسوسيولوجية، إلى جانب دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي"، المفتوحة لكل من يؤمن بإمكانية بناء عالم أكثر عدالة وتسامحاً.
قال القائد عبد الله أوجلان "نحن في قلب التاريخ، والتاريخ مختبئ في حاضرنا"، ومن هذا المنطلق بدأ رحلته الفكرية في بناء تصور جديد للحياة، عبر طرح مشروع ونموذج بديل يتحدى الحداثة الرأسمالية وأنظمة الدولة القومية، ويقدّم رؤية جديدة للمجتمع والإنسان.
"فكر القائد أوجلان بديل عالمي يتحدى النماذج السائدة"
أوضحت فرياز بركل، رئيسة قسم الجنولوجيا (علم المرأة) في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة كوباني بإقليم شمال وشرق سوريا، أن الفكر الذي طرحه القائد أوجلان أصبح اليوم أساساً لفهم الإنسان والمجتمع، حيث قامت بتحليل الفجوة القائمة بينهما وتقييمها ضمن إطار فلسفي واجتماعي شامل.
وأشارت إلى أن القائد أوجلان استطاع أن يطرح رؤية فكرية جديدة تُعدّ متفردة على المستوى العالمي "قدّم نموذجاً فكرياً يتجاوز السائد، ويطرح نفسه كبديل حقيقي".
وأضافت "فكر القائد أوجلان، بكل تفاصيله الدقيقة، يشكّل مواجهة شاملة للفكر السائد حول المجتمع والشعوب، ويقدّم تصوراً مختلفاً للعلاقة بين الإنسان والمجتمع، نعيش اليوم داخل منظومة فكرية تجعل الإنسان فاقداً لذاته، حيث يُستخدم كأداة داخل مشاريع الرأسمالية وقوى الدولة القومية، بدلاً من أن يُنظر إليه ككائن مستقل يتمتع بوجوده الإنساني الكامل".
"فكره يعالج أزمات المجتمع ويعيد تعريف الإنسان"
وأشارت فرياز بركل إلى أن القائد عبد الله أوجلان تناول مختلف القضايا الاجتماعية ضمن رؤيته الفكرية الشاملة "طرح تصوراً نقدياً عميقاً، يؤكد فيه أن الإنسان كائن يمتلك حق الحياة، الحرية، المساواة والديمقراطية، ومن هذا المنطلق، يقوم بتحليل شامل للتحديات والتوترات التي تواجه المجتمعات، ويعالجها ضمن رؤيته الفكرية".
وأضافت "العلاقات الأسرية والقيم الاجتماعية التي تآكلت، والأنظمة السلطوية التي أقيمت على حساب الحرية، إلى جانب تسلط الآباء وهيمنتهم على النساء، والهيمنة الدينية والاقتصادية، ونهب البيئة وتدميرها، والمناهج التعليمية التي تسعى إلى محو الهوية والحرية، كلها تُعدّ من الأمراض الاجتماعية التي يسلّط عليها القائد أوجلان الضوء، ويعتبرها عوائق أمام تحقيق إنسانية حقيقية".
وأوضحت أنه لا يكتفي بتشخيص الأزمات، بل يتعامل معها بتحليل دقيق ويقدّم حلولاً واضحة "عندما يواجه قضية ما، يبدأ بتحليلها بعمق، ويطرح في الوقت ذاته سُبلاً لمعالجتها".
وأضافت "حتى استهدافه في مؤامرة ممنهجة لم يكن خارج هذا السياق، فالقوى المهيمنة ترفض الاعتراف بالتوترات التي تخلقها، وترفض أن يتم فضحها أو تقديم حلول لها، لذلك فإن فكر القائد أوجلان يشكّل تحدياً حقيقياً لهذه القوى، لأنه يسلّط الضوء على الأزمات ويقدّم بدائل واقعية".
"وضع المرأة في قلب الحل الاجتماعي"
وفي سياق تحليلاتها، شددت فرياز بركل على أهمية الدور الذي منحه القائد أوجلان للمرأة في مشروعه الفكري، "جعل من المرأة محوراً للحل"، مضيفةً "عندما نتأمل في فكره، نكتشف أنه يتناول جذور الأزمات الاجتماعية ويربطها بشكل مباشر بقضية حرية المرأة، ويعتبرها مفتاحاً لفهم العدالة والمساواة".
وشددت على أنه "لا يمكن الحديث عن الحرية بمعناها الحقيقي دون تحقيق حرية المرأة بشكل ملموس، فالنظام الرأسمالي والدولة القومية يقدمان نموذجاً معاكساً، حيث تُحكم المرأة بالانحطاط الاجتماعي، وتُكرّس الهيمنة عليها كأداة لإضعاف المجتمع، أما القائد أوجلان فقد قدّم رؤية مغايرة ووضع المرأة في مركز الحل من خلال الجنولوجيا، كمنهج فكري يعيد بناء العلاقة بين الإنسان والمجتمع على أسس أكثر عدالة وإنصافاً".
وأشارت إلى أنه تناول قضية المواطنة الحرة من منظور فكري شامل "القائد أوجلان يدعو إلى تحرير قطاعي التعليم والإعلام من قبضة العقلية القومية للدولة، فهما من أبرز الأدوات التي تُستخدم في ترسيخ الفكر الرأسمالي، وهذا يظهر بوضوح في بناء المنظومة الفكرية السائدة".
وأضافت "في مواجهة هذا النموذج، يطرح القائد أوجلان مفهوم المواطنة الحرة في اتخاذ القرار، والذي يتحقق من خلال نموذج الكومونة الديمقراطية، إنه يدعو إلى بناء نظام مجتمعي بديل يتجاوز الدولة الرأسمالية، ويقوم على المشاركة والتكافل، والأنظمة القومية تدرك جيداً أن وجودها مهدد أمام قيام مثل هذه النماذج المجتمعية، ولذلك ترفضها بشدة وتقاومها بكل الوسائل".
وأوضحت أن محاولات عزله فكرياً ترتبط ارتباطاً وثيقاً بخوف القوى الرأسمالية من انهيار منظوماتها "إذا قمنا بتحليل النقاط التي طرحها القائد أوجلان بلغة الشعب، سنفهم بوضوح لماذا تم تنفيذ المؤامرة بهذا الشكل، والقوى التي تقف خلف هذه المؤامرة بذلت جهوداً كبيرة لتقييده فكرياً وعزله، وسعت إلى فرض عزلة صارمة عليه منذ لحظة اعتقاله وحتى اليوم، في محاولة لمنع انتشار أفكاره التي تهدد بنية النظام الرأسمالي والدولة القومية".
"فكر القائد أوجلان تجاوز الحدود والخوف"
وفي سياق حديثها عن الهجمات التي تستهدف هوية المرأة، أكدت فرياز بركل أن مصدر القلق الحقيقي لدى النظام الرأسمالي اليوم هو التقدّم المتسارع لمشروع الحرية "الفكر الذي طرحه القائد أوجلان تجاوز كل الحدود، وما أرعب القوى المتآمرة هو احتمال أن يتحول هذا الفكر إلى وعي جماهيري داخل الشعب الكردي، لكننا رأينا أنه انتشر عالمياً، ووصل إلى مستوى يُدرّس فيه كمادة أساسية في الجامعات حول العالم".
وأضافت "الجنس الذي تخشاه تلك القوى اليوم هو الذي يقود مشروع وفكر القائد أوجلان، لأنه يحمل روح الثورة، والإبداع، والحرية، المرأة التي يسعون إلى طمسها عبر وسائل وأساليب متعددة وبأسماء مختلفة، بهدف محو هويتها وحرمانها من ذاتها، أصبحت اليوم قادرة على انتزاع هويتها الحقيقية من تحت الركام، وتقديمها للعالم بوصفها نموذجاً للحرية والكرامة".
ولفتت إلى أن التواصل الفكري اليوم بات يتجاوز كل القيود "لقد أسّسنا في جامعة كوباني تعاوناً مع عدد من الجامعات الدولية في الفلبين، السويد، والولايات المتحدة، حيث عبّر خبراء من تلك المؤسسات عن رغبتهم في الوصول إلى مستوى جامعة كوباني، وتدريس موادها المستندة إلى فكر القائد أوجلان".
وتتابع "هذا التفاعل يثبت أن لا قوة قادرة على إيقاف انتشار الفكر الحر، وبفضل فكر القائد أوجلان، نشأت اليوم علاقات فكرية عميقة بين الشعوب والمجتمعات والنساء، علاقات لم تعد تُقاس بالحدود الجغرافية أو تُقيّدها الأنظمة التقليدية".
"فلسفته فرصة للتحرر ومسؤولية جماعية لتحقيق حريته"
وشددت فرياز بركل على أن فكر القائد عبد الله أوجلان يشكّل فرصة حقيقية للتحرر "بوابة للانعتاق، وقد أطلق مؤخراً دعوة السلام والمجتمع الديمقراطي لكل الشعوب التي ترى حريتها في هذا الفكر، طرحها بلغة واضحة ومشرقة في جميع النقاط والقضايا التي تضيء طريق الحرية والخلاص من النظام القائم، ومن أجل تحويل هذه المبادئ إلى واقع ملموس، هناك حاجة إلى جهود تنظيمية ومؤسسات حقوقية تتحمّل مسؤولياتها في الدفاع عن حقوق الإنسان".
وقالت في ختام حديثها "هذه الفرصة متاحة لكل الشعوب التي تنبض قلوبها بالحرية، وتطمح إلى حياة كريمة وعادلة، ومن هنا، يجب علينا أن نتمسك بالقائد أوجلان ومشروعه، وأن نتحمّل مسؤولية الدفاع عن حريته الجسدية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من مشروع التحرر الجماعي".