دعوات للنهوض بمقاربة النوع الاجتماعي داخل السجون المغربية

أكدت ناشطات جمعويات وحقوقيات وقاضيات، أن النساء نزيلات السجون في المغرب تعانين من مشاكل عدة، خاصة وأن جائحة كورونا أثرت على نفسية المعتقلات والموظفات خلال فترة الحجر الصحي.

حنان حارت

المغرب ـ كشفت جمعية "حلقة وصل سجن مجتمع" عن نتائج دراستين ميدانيتين، استغرق إنجازهما مدة ثلاث سنوات، حيث تم الوقوف على إدماج مقاربة النوع الاجتماعي داخل السجون المغربية.

في إطار ندوة صحفية عقدت يوم الثلاثاء 1 تشرين الثاني/نوفمبر في مدينة الدار البيضاء، قدمت نتائج دراستين أنجزتهما جمعية "حلقة وصل سجن مجتمع" بدعم من السفارة الهولندية في المغرب، حول "مقاربة النوع الاجتماعي بمراكز حماية الطفولة تخص وضع السجينات والقاصرات بالمؤسسات السجنية بالدار البيضاء"، ثم دراسة ثانية تركز على وضع القاصرات بمراكز حماية الطفولة.

وقالت رئيسة الجمعية فاطنة البيه "استحضار مقاربة النوع مسألة حديثة العهد؛ لهذا كان التركيز على تكريس مبدأ المقاربة  في إطار سياسة جنائية تراعي هذا المبدأ"، موضحةً أن "الهدف من الدراسة هو النهوض والعمل على مقاربة النوع الاجتماعي داخل المؤسسات المغلقة التي تحكمها قوانين وطنية ومعايير دولية".

وعن مدى تطبيق القوانين قالت "تطبيق القانون يتطلب وقتاً حتى تستطيع العقليات مواكبة هذا العمل وتطويره، ولكن تطوير العقليات أصعب الأمور المطروحة، حيث يمكن تغيير البنيات والمحاكم والفضاءات المغلقة، لكن تغيير العقليات هو من أصعب الأمور".

وأضافت "الجمعيات التي تعمل في السجون تبقى قليلة مقارنة مع الجمعيات الحقوقية والنسائية، لهذا عملنا ينصب في هذا الباب من أجل النهوض بمقاربة النوع الاجتماعي داخل السجون، حيث يبقى الهدف هو توعية المجتمع بهذه القضايا ودفع المسؤولين والمؤسسات إلى اتخاذ هذه المقاربة بعين الاعتبار والعمل على دعمها وتطبيقها داخل السجون".

ومن جهتها قالت الباحثة في علم الاجتماع سمية الطلبوي إن "عملي انصب على إعداد دراسة حول وضع القاصرات بمراكز حماية الطفولة، حيث أن الفتيات القاصرات نزيلات دور حماية الطفولة ليس لديهن علم بمفهوم مقاربة النوع الاجتماعي وتجهلن الحقوق الإنسانية المترتبة عن ذلك".

وأشارت إلى أن الدراسة هدفها تعزيز هذه المقاربة في هذه المراكز، وكذلك الخروج بتوصيات ومقترحات من أجل ضمان حقوق جميع الفئات التي تقطن بهذه المراكز.

وعن الظروف التي رافقت العمل على الدراسة توضح سمية الطويلبي أن "العمل على الدراسة تزامن مع جائحة كورونا خلال الحجر الصحي ومن بين الصعوبات التي واجهتنا الاحترازات الصحية التي كانت تفرضها المرحلة".

وبدورها عبرت قاضية الأحداث وعضو في الجمعية، فاطمة أوكادوم في مداخلة لها وهي تستعرض مضامين الدراسة التي شاركت في إنجازها حول وضع القاصرات بمراكز حماية الطفولة، أن هناك صعوبة في تعميم برامج موحدة على الأطفال والأحداث في وضعية نزاع مع القانون.

وبينت أن غالبية الأحداث في نزاع مع القانون هم من فئة مجتمعية هشة وفي سن المراهقة، وبحاجة إلى مواكبة نفسية، وأن القضاة يقدمون المصلحة الفضلى للطفل، مشيرةً إلى أنه رغم ذلك فإن هناك جهل بمساطر الاستئناف التي تعد إحدى الحقوق الخاصة بالمحاكمة العادلة.

من جهة أخرى أبرزت فاطمة أوكادو أن المشرع المغربي يعي بأدوار المجتمع المدني، حيث يعمل مجموعة من القضاة إلى التوجه نحو إيداع الطفل في وضع تماس مع القانون بالجمعيات التي تعمل في المجال في حالة عدم وجود سند عائلي، مؤكدةً أن المجتمع المدني يساهم كذلك في رد الاعتبار للأحداث، وذلك عبر التدريب والمشورة.

ورغم المجهودات المبذولة من طرف قطاع السجون والقطاع الصحي في مجال الرعاية، إلا أن الدراسة توصلت إلى أن النساء والقاصرات المعتقلات بالمؤسسات السجنية لديهن في غالب الأحيان مشاكل متنوعة في الصحة الجسدية بنسبة أعلى من الأشخاص العاديين.

 

النساء تمثلن أقلية

وسلطت الدراسة الضوء على المحيط الأسري والاجتماعي للنساء والقاصرات، بحيث توصلت إلى أن 90% من النساء والقاصرات تتاح لهن إمكانية التواصل مع أسرهن بواسطة المراسلة، ونسبة 92.5% أفدن أنهن تستفدن من الزيارات العائلية بشكل منظم، بينما أفاد الموظفون فيما يخص إمكانية استفادة النزيلات من الزيارات العائلية كلما طلبت ذلك بنسبة 20%.

وأشارت الدراسة إلى أن النساء والفتيات تمثلن أقلية تشكل نسبة 2.34% من نزلاء السجون بالمغرب، إلا أن خصائصهن واحتياجاتهن تظل تفتقر إلى الاعتراف بها، ولم تقابل على نطاق واسع ما تستحقه من عناية في نظام السياسة الجنائية بشكل عام والسياسة العقابية على وجه خاص، بحيث أن أنظمة السجون بل وحتى هندستها المعمارية مصممة في الغالب للرجال.

وفيما يتعلق بالقاصرات الموجودات رهن الاعتقال، أوضح البحث الميداني الذي أجري في السجن المحلي عين السبع بالدار البيضاء أن نسبتهن تصل لـ 11% من مجموع مجتمع البحث.

وبينت نتائج الدراسة الميدانية أن نسبة المعتقلات الحوامل تشكل 1%، وأن الأمهات المرفقات بأطفالهن تمثل نسبة 19%، فيما تتواجد من بينهم نسبة 10% من الأمهات العازبات.

ومن حيث ظروف إقامتهن تبين أن 12 من الأمهات المرفقات بأطفالهن تقمن بغرف خاصةً بهن وخمس أمهات تقمن بغرفة مع سجينة حامل، واثنتين تقمن بغرفة مع سجينات غير حوامل؛ وكل هؤلاء السجينات صرحن أنهن تتلقين احتياجاتهن الخاصة باستمرار أما من حيث الفحص الطبي المستمر، فقد صرحت 12 أم مرافقة لطفلها من أصل 19 هن فقط من تستفدن من ذلك، في حين أن سبعة أمهات منهن تتلقين الفحص الطبي إذا دعت الضرورة لذلك، وأن 14%  من السجينات تعشن أوقات فراغ صعبة خلال تنفيذ مدة العقوبة السالبة للحرية.

أما فيما يتعلق بخدمات الرعاية المقدمة للسجينات المفرج عنهن فقد أوضحت 74% أنهن ليس لديهن معرفة بها، في مقابل نسبة ضئيلة تمثل 19% لديهن معرفة بهذا النوع من الخدمات الاجتماعية التي تقدم المفرج عنهم بعد مغادرة أسوار السجن.

وأضحت الدراسة أنه وفق المؤشرات التي تم التوصل لها من خلال الدراستين هناك حاجة ماسة إلى المواكبة الاجتماعية وفق مشروع حياة فردي لكل سجينة قاصر وأم راشدة، أمر أصبح يفرضه واقع الحال، حتى لا يتم ترك المفرج عنهن من المؤسسات العقابية فريسة للعوامل التي أدت بهن في البداية إلى السلوك المنحرف، بل العمل على إزالتها من طريقهن، والعمل على مد يد العون لهن لإيجاد حلول للمشاكل التي تقف عائقاً دون إعادة إدماجهن في المجتمع.

 

توصيات

وفي ختام الندوة خرج المشاركون/ات في الندوة بعدة توصيات من بينها ما يتعلق بالتشريع، وذلك باعتماد المعايير الدولية وخصوصاً قواعد بانكوك في إنتاج القاعدة القانونية الخاصة لمعاملة القاصرات والنساء السجينات مع الحرص على أفضل توازن بين الضرورات الأمنية وحماية الحقوق والضمان الأساسي في مجال السياسة الجنائية والعقابية على حد سواء.

والعمل أيضاً على الحرص على تقوية قدرات المواصفات للعاملات بالسجن الذي يأوي القاصرات والنساء السجينات وتعزيز كفاءاتهن عن طريق التدريب المستمر بشكل يضمن فهم واستيعاب معايير هذه الفئة وفقاً لتوجيهات قواعد بانكوك.

بالإضافة إلى ضرورة توفير ظروف ملائمة للقاصرات والسجينات وتخصيص اعتمادات ملائمة للحوامل والمرضعات والمرفقات لأطفالهن من حيث التغذية والإقامة وتحسين الرعاية الصحية وتوفير فضاءات للأطفال تعتمد في هندستها على المنظور التربوي وتستبعد عن مخيلتهن تمثلات الوسط السجني.