ضحت بحياتها من أجل المرأة وقادت معارك ضد داعش فمن هي؟
بذلت القيادية جيان تولهلدان جهوداً كبيرة منذ تأسيس وحدات حماية المرأة، حتى وصلت إلى مستوى عالٍ من الاحترافية والخبرة القتالية. وسعت حتى آخر لحظات حياتها، إلى إيصال صوت مقاومة الشابات اللواتي تواجهن الظلام بشجاعة، إلى جميع أنحاء العالم.

إيفا زيدو
الحسكة ـ سلوى يوسف، الملقبة بـ جيان تولهلدان، وُلدت في عام 1982 في أحضان جمال طبيعة عفرين، فالبيئة التي ينشأ فيها الإنسان، سواء من حيث المكان أو الزمان أو المناخ، تلعب دوراً كبيراً في تشكيل شخصيته. لذا، في تلك الفترة، لم تغفل تربيتها ونشأتها عن التاريخ الجديد الذي كان يتشكل في الشرق الأوسط، والذي يحمل في طياته آمال جميع النساء والشعوب.
إن نشأة جيان تولهلدان على هذا الأساس جعلتها تؤمن بنفسها وتثق في قدراتها حتى في أصعب الظروف. ولهذا، كانت تتقدم نحو العدو وتخوض المعارك بشجاعة وجرأة مستلهمة من النساء الأسطوريات اللواتي سبقنها. وقد أصبحت هي أيضاً أسطورة خالدة للشابات اللواتي تقاتلن تحت قيادتها. ومن هنا، خاضت جيان تولهلدان نضالاً فريداً من نوعه من أجل حرية شعبها والعالم، من خلال مشاركتها في المعارك، بالإضافة إلى إسهاماتها في فن الإدارة والسياسة.
كانت تشارك جميع أصدقائها في النشاطات والأعمال
إن الثائرة التي نقش اسمها بعمق في تاريخ البلاد الحافل بالثورات النسائية، يجب أن تُذكر بالتأكيد في سياق تاريخ الثورة. فقد اجتمعت مع الثورة النسائية في رابط لا يمكن لأي قوة أن تفصلها أو تعيد تشكيلها. أينما تواجدت، كانت تجسد الحياة بحد ذاتها وترتقي إلى مستوى معنى اسمها. لم يكن هناك مكان للراحة أو الاسترخاء من حولها، وكانت تشارك جميع أصدقائها في الحركة والنضال.
وفي عام 2011، نظم سكان المنطقة قوة دفاع تسمى وحدات الدفاع عن الشعب، والتي تتألف من شابات وشبان المنطقة، وتم الإعلان عن YXG رسمياً في عام 2012. وفي نفس العام، أعادت YXG تأسيس نفسها تحت اسم وحدات حماية الشعب (YPG) وانضم الشباب إلى هذه القوة واحداً تلو الآخر، وتنامت وكبرت وحدات حماية الشعب مدينة تلو الأخرى وعملت من أجل حماية شعبها، كما انضم شبان أجانب من مختلف أنحاء العالم أيضاً.
ومع تنامي وحدات حماية الشعب، قررت النساء اللواتي أخذن مكانهن فيها إنشاء وحدات نسائية مستقلة، وأعلنت نساء إقليم شمال وشرق سوريا عن تأسيس وحدات حماية المرأة في 4 نيسان/أبريل 2013. ولعبت القياديتان جيان وروج دوراً حاسماً في التنظيم الذاتي للنساء تحت مظلة وحدات حماية المرأة من حيث تعزيز خط الدفاع، كما قامت القيادية جيان تولهلدان ببذل جهود كبيرة منذ بداية تأسيس وحدات حماية المرأة وحتى وصولها مستوى الاحترافية وكانت مسؤولة عن قيادة وحدات مكافحة الإرهاب.
استشهدت على يد الاحتلال التركي
لقد حاربت جيان تولهلدان وروج خابور وبارين بوطان ضد داعش من أجل شعوب العالم بأكملها. لقد ضحت هؤلاء النساء الثائرات الثلاث بحياتهن من أجل حرية الشعوب، ففي 22 تموز/يوليو 2022، أثناء خروجهن من الملتقى الأول لثورة المرأة في مدينة قامشلو، استشهدن إثر هجوم للاحتلال التركي بطائرة مسيرة استهدفت السيارة التي كانت تقلهن.
لقد شهد العالم كله شجاعة وبطولة شابات وشباب المنطقة من خلال النضال الذي خاضته وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة على أراضي إقليم شمال وشرق سوريا. وهذا النضال، الذي أعطى الأمل للعالم أجمع، حظي بدعم قوي من قبل العديد من الدول والمنظمات المحبة للحرية. واليوم، يتم استهداف المقاتلين والقادة الذين قادوا حرب حرية الشعب وحاربوا داعش من قبل الاحتلال التركي.
وقامت جيان تولهلدان بحماية الناس من المرتزقة في حي الشيخ مقصود، وفي تاريخ الشعب الكردي تعتبر معركة الشيخ مقصود مثالاً ونموذجاً لحرب الشعب الثورية.
الانتقام للإيزيديات
وفي الثالث من آب/أغسطس 2014، هاجمت داعش مدينة شنكال الواقعة ضمن حدود العراق، بهدف قتل وإبادة الشعب الإيزيدي، وفرت قوات حكومة إقليم كردستان، التي كان من المفترض أن تكون مسؤولة عن حماية شنكال، بأوامر من قادتها وتركت الشعب الإيزيدي يواجه الإبادة الجماعية. وفي المقابل، هبت وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب لإنقاذ النساء والأطفال الإيزيديين.
لقد تعرضت شنكال لمجزرة أمام العالم أجمع، وقامت داعش بقتل النساء والأطفال، ورداً على هذا العار التاريخي، شاركت القيادية جيان تولهلدان في فتح ممر أمني وإنساني في جزعة عام 2014 بهدف إنقاذ الشعب الإيزيدي من المجازر والاعتداءات والإبادة الجماعية.
ومن أجل تحرير كري سبي/تل أبيض من داعش، وإيصال مدينة كوباني ومنطقة الجزيرة ببعضها البعض، بدأت في عام 2015 حملة التحرير تحت اسم "الشهيد روبار قامشلو"، وشاركت جيان تولهلدان كقائدة في هذه الحملة التاريخية، وتم تحرير مدينة كري سبي من داعش نتيجة العمل الجاد الذي قام به المقاتلين الثوار أمثال جيان تولهلدان، إلا أن كري سبي احتلت مرة أخرى من قبل تركيا عام 2019.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، بدأت وحدات حماية المرأة، وقوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب حملة الحرية من ثلاثة محاور لتحرير بلدة الهول، وعندما توجه المقاتلون إلى هناك، كانت البلدة بأكملها قد زرعت بالألغام من قبل داعش، لكن ذلك لم يثنيهم عن القتال حتى تم تحرير البلدة من داعش دون خوف.
كما كانت الشدادي مدينة استراتيجية لداعش، واستخدمت هذه المنطقة كقاعدة عسكرية للتحضير لهجماته، وقادت جيان تولهلدان حملة تحرير الشدادي عام 2016 بروح المرأة الكردية التي تعتبر حماية الأرض بمثابة حماية وجودها وهويتها.
وكانت داعش قد سيطرت على مدينة منبج أيضاً وكان الأهالي يعيشون حياة صعبة تحت ضغط داعش، ونظم الأهالي أنفسهم تحت اسم مجلس منبج العسكري ودعوا المقاتلين إلى تحرير المدينة، فتوجه مقاتلو وحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب إلى منبج في عام 2016 لتحريرها. وقامت القيادية جيان تولهلدان مع المئات من مقاتلي وحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب بتحرير مدينة منبج من داعش. وسلموا إدارة المدينة وحمايتها مرة أخرى إلى مجلس منبج العسكري.
لقد دُحر ظلام العصر على يد مقاتلي وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب في آذار/مارس 2019 في الباغوز، وكانت دير الزور آخر معقل لمرتزقة داعش بعد الرقة ومنبج، حيث كانوا يحاولون إحياء أحلامهم بإقامة خلافة جديدة في هذه المنطقة.
كما شاركت جيان تولهلدان كقيادية لوحدات مكافحة الإرهاب بالاشتراك مع قوات التحالف في العديد من العمليات والحملات الخاصة ضد داعش. ولم يشاركوا فحسب، بل لعبوا أيضاً الدور الرئيسي. وتعد حملة الهول، التي أطلقت عام 2021، إحدى هذه الحملات، ونتيجة لهذه الحملة تم الكشف عن العديد من تحضيرات خلايا داعش وتم إحباط الهجوم والتهديد الكبير على منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع.
إنتاج فيلم وثائقي وافتتاح "مدرسة جيان تولهلدان"
تحت عنوان "قصة جيان" والتي تمثل قصة العديد من النساء في إقليم شمال وشرق سوريا، تم توثيق نبذة عن شخصية وحياة جيان تولهلدان من قبل هالوك أونال عام 2017 وتقديمها كفيلم وثائقي. ومن بين النساء الرائدات والقادة ذوي الخبرة، تم تكريم جيان تولهلدان في إقليم كردستان وحصلت على شهادة تقدير نتيجة للنضال الذي خاضته ضد داعش.
وشاركت جيان تولهلدان كامرأة ثورية رائدة في العديد من المنابر والتجمعات التي عقدت بهدف شرح نضال وحدات حماية المرأة وأخبرت العالم عن مقاومة وحدات حماية المرأة، كما شاركت في الملتقى الدولي الذي عقد في قامشلو عام 2019 كقيادية لوحدات حماية المرأة التي قاتلت ضد داعش، بهدف حل هذه الآفة العالمية، وشاركت كقائدة نسائية رائدة في العديد من حملات التحرير وناضلت لحماية المجتمع من داعش.
وبعد استشهادها بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2022، افتتحت قيادة وحدات حماية المرأة أكاديمية لوحدات حماية المرأة تضم المقاتلات باسم جيان تولهلدان حتى الآن، وبعد تلقي التعليم الأيديولوجي والمهني تخرجت دفعتان من الأكاديمية، وكانت الدورة الأخيرة على وشك الانتهاء عندما وقع الهجوم على سد تشرين. وأعضاء هذه الدورة أيضاً شاركوا في المقاومة بسبب حالة الحرب. وانضم طلاب المدرسة مع قادتهم إلى جبهات المقاومة في سد تشرين وجسر قرقوزاق.
"كنا نؤمن دائماً بذكائها"
وتحدثت بيريفان حسين يوسف شقيقة جيان تولهلدان عن مراحل طفولتهما، مبينة أن جيان تولهلدان كانت شقيقتهم الكبرى، ولهذا كانت تعتبر نفسها المسؤولة عن كل أمورهم "منذ أن كنا نلعب مع الأطفال وحتى بعد دخولنا إلى المدرسة، كانت جيان تحمينا دائماً ولم تسمح للأطفال بضربنا أو معاملتنا بشكل غير عادل. كنا نثق ونؤمن بها دائماً ونعتمد على حكمتها وذكائها".
وعبرت عن فخرها بـ جيان تولهلدان "خلال الثورة، أصبحت مصدراً للإيمان لجميع نساء البلاد، ولم تعد مجرد شقيقتنا الكبرى فحسب، بل كانت أيضاً قائدة جميع النساء في بلدنا، ولهذا السبب لم نصدق إنها استشهدت. لقد كانت إنسانة سائرة ومعطاءة في الحياة".