ضحايا بلا صوت... فتيات يقدمن في صفقات الديّة
لا يزال تقليد "الديّة" قائماً في بعض مناطق شرق كردستان، حيث تُبادل الفتيات بين عائلتي القاتل والضحية لإنهاء نزاع بدأه رجال، بينما تسلب من الفتيات أبسط حقوقهن في الاعتراض أو التعبير.

نسيم أحمدي
كرماشان ـ في تقليد "الدية" تقدم الفتاة، غالباً أخت أو ابنة القاتل، كزوجة لأحد أفراد عائلة الضحية، وكأنها سلعة تستخدم لتسوية الحسابات، لا لذنب ارتكبته، بل فقط لأنها امرأة.
تروي فوزية. م، وهي في الستين من عمرها، قصتها وتجربتها مع زواج الدية وتقول "بعد أن اتُهم أخي البالغ من العمر 20 عاماً بجريمة قتل، ووسط صراع طويل بين العائلتين، تم تزويج أختي لابن الضحية، لم تحتمل سوى شهر واحد فقد أقدمت على إنهاء حياتها، ليعود النزاع من جديد، ويتم تقديمي أنا بدلاً منها".
وأضافت "كنت في الحادية عشرة من عمري، لا أدرك حجم العذاب الذي ينتظرني، بعد الزواج، كنت أُضرب يومياً وأُهان، وعندها فقط أدركت لماذا لم تحتمل أختي وانتحرت، لكنني صمدت، ليس من أجل أخي، بل من أجل أختي الصغيرة ذات الست سنوات، التي كنت أعلم أنها ستكون الضحية التالية إن انهيت حياتي".
واستدركت "مرّت خمسون سنة منذ أن غادرت منزلي لأمنع قتل أخي، لكنني حتى اليوم لم أستطع أن أغفر لوالدي، الذي ضحّى بنا نحن الأختين كيلا يدخل ابنه السجن".
الجذور التاريخية للذكورية
في العديد من الشعوب القديمة، كانت تُوجد تماثيل ضخمة لأعضاء الذكور تُعبد وتُقدّس، ويمكن اعتبار هذه الطقوس التي تؤمن بقداسة الرجل بداية ظهور الذكورية في تاريخ البشرية، لكن هذه القداسة لم تقتصر على الماضي، بل استمرت حتى يومنا هذا.
وعلى مدار التاريخ، ووفقاً لتعاليم الفكر الذكوري، كان يُمنح الرجل قيمة تفوق المرأة لمجرد كونه ذكراً، ولذلك كانت جميع القرارات تُتخذ بطريقة تضمن مصالح الرجال.
ويعود تبادل النساء كتعويض عن جريمة ارتكبها رجل، إلى هذا الاعتقاد أي بتفوق الرجل ومكانته الأعلى مقارنة بالمرأة، مما جعلها تُعامل كسلعة يمكن مبادلتها عند الحاجة من قبل رجال يُطلق عليهم لقب "كبار القوم"، وذلك لحماية رجل من السجن أو القتل.
دور الرجال وآلية "الديّة"
في هذا النوع من التبادل المعروف باسم "الديّة" أو "الفصلية"، يكون مصدر المشكلة، وصاحب القرار، والمُتاجر، والمُستلم جميعهم من الرجال، بينما تُستخدم المرأة فقط كوسيلة لربط هذه التفاعلات.
يرتكب رجل جريمة قتل، ثم يقرر رجال آخرون أن تُقدَّم امرأة من عائلة القاتل إلى عائلة الضحية كتعويض عن الدم المسفوك، والطرف الآخر في هذه الصفقة هو رجل قد يكون لديه زوجة أخرى، لكنه يقبل بامرأة جديدة فقط لأنها قُدمت له كتعويض.
جميع من ينظمون ويُديرون هذه العملية المعادية للنساء هم رجال يُطلق عليهم لقب "كبار القوم"، وتتمثل مهمتهم في الإشراف الكامل على هذا التقليد الذكوري، وضمان تطبيقه بدقة لإنقاذ الرجال، حتى لو كان ذلك على حساب النساء.
لا تزال العادات المعادية للنساء قائمة
قالت مريم مرادي (اسم مستعار)، باحثة في التقاليد القديمة "في الماضي، وحتى في الوقت الحاضر، تُستخدم الفتاة في التعاملات الدبلوماسية بين قوتين، سواء كهدية أو كوسيلة لإنهاء نزاع مع الطرف الآخر، لكن أكثر العادات عداءً للنساء، والتي لا تزال منتشرة حتى اليوم، هي عادة تبادل الفتيات في النزاعات القبلية، حيث تُقدَّم الفتاة كضحية حيّة من قبل القاتلين إلى عائلة المقتول".
وأضافت "هذه العادة الخاطئة، رغم أن الكثيرين يعتبرونها من الماضي، لا تزال قائمة بقوة، وتبتلع سنوياً العديد من الفتيات في قاعها، ولا يزال هناك من ينظر إليها كعادة قديمة تستحق الاحترام".
وبيّنت أنه "اليوم، وبفضل الجهود الكبيرة المبذولة في مجال التوعية بحقوق النساء ومكافحة العادات المقدسة القديمة المعادية للمرأة، أصبح المجتمع أكثر إدراكاً لآثار هذه التقاليد ولطبيعتها الذكورية، ومع ذلك، لا يزال هناك من يتمسّك بها ويؤكد على ضرورة الحفاظ عليها، مستنداً إلى معتقدات ذكورية متجذّرة".
جهود التوعية ومحاولات التسجيل الثقافي
على مدار السنوات الماضية، سعت محافظات مثل فارس، لرستان، جهار محال وبختياري، خوزستان وغيرها إلى تسجيل هذا التقليد ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لديها، وفي الواقع، فإن هذه الخطوة تمثل دعماً لهذا التقليد، حيث جرت محاولات لإعادة تعريفه تحت مسمى جديد بهدف تطهير جوهره المعادي للنساء.
ومن بين الشخصيات التي شددت خلال السنوات الماضية على ضرورة تسجيل هذا التقليد، الرئيس السابق لمحكمة شوش، الذي اعتبر هذا التقليد طقساً للصلح والتسوية، ورمزاً للعدالة التصالحية، وأصرّ على تسجيله رسمياً.
لكن هذا الطرح، الذي يحاول تحويل هذا التقليد المعادي للنساء إلى نموذج للعدالة التصالحية، يتعارض مع التعريفات المعتمدة لهذا المفهوم، حيث تشير العدالة التصالحية إلى "مشاركة طوعية بين المتضرر والطرف المسؤول" لحل النزاع القائم.
وبالاستناد إلى هذا التعريف، الذي يشدد على الطوعية، يمكن القول إن هذا التقليد ليس طوعياً على الإطلاق، بل هو ممارسة قسرية تُجبر المرأة على الخضوع لها، بينما تتم التسوية الفعلية بين رجال الطرفين المتنازعين، دون أي اعتبار لرأي أو رضا المرأة التي تُستخدم كوسيلة في هذه الصفقة.
وبعد تأكيد المدعي العام السابق في شوش على ضرورة تسجيل هذا التقليد كطقس تراثي، خرجت العديد من نساء المدينة للاحتجاج على هذا التوجه، وأطلقن وسم "لن أكون ديّة، ولن أكون فصلية"، مما ساهم إلى حد ما في لفت الانتباه إلى رفض تسجيل هذا التقليد.
وفي الوقت الراهن، توقفت عملية التسجيل، إلا أن نشطاء ومطلعين في هذا المجال يحذرون من احتمال إعادة طرحه للتسجيل في السنوات القادمة.
خطر التسجيل الرسمي وتداعياته المستقبلية
قالت بروين. س، ناشطة في مجال حقوق المرأة "ليس من المستبعد أن يتحول هذا التقليد في المستقبل، إلى جانب التسجيل الوطني، من قرار قبلي إلى ممارسة قانونية، فتأكيد بعض الأشخاص، ومعظمهم من الرجال، على أهمية تسجيل هذا التقليد من أجل تخليده، يدلّ على أن العديد من الرجال قد يسعون مستقبلاً، بدعمهم ونفوذهم، إلى تسجيله وتحويله إلى طقس مقدّس".
وأضافت "كل هذه النقاشات تُعدّ بمثابة إنذار يجب أخذه على محمل الجد، لأن السعي لتسجيل هذا التقليد قد يؤدي في المستقبل إلى التضحية بالعديد من الفتيات، وإيقاعهن في فخ هذه العادة".
إن الأصل الحقيقي لهذا التقليد ينبع من أكثر المعتقدات الذكورية سطحية، ومن فرض تفوّق الرجل، ولا يحتاج الأمر إلى بحث عميق أو تحليل دقيق لاكتشاف جذوره، لأنه يستند مباشرة إلى الاعتقاد بتفوّق الرجل على المرأة، ومن دون أي تدقيق، يمكن إدراك أن هذا النهج معادٍ تماماً للنساء.
لذلك، فإن منح هذا التقليد هوية رسمية من خلال التسجيل الوطني، ومنحه صفة القداسة، قد يجعله في المستقبل جزءاً من الهوية الثقافية، بل وربما الدينية للمجتمع، مما سيؤدي إلى تحويل العديد من الفتيات إلى ضحايا لنمط جديد من العبودية، مزيج من القداسة والتقاليد، حيث يتم تبادلهن ومعاملتهن كسلع.