بقايا علاقات السيطرة التي نشأت تاريخياً فرضت على المرأة الخضوع
طبيعة العلاقة بين الجنسين داخل الأسرة لاتزال تحكمها بقايا علاقات السيطرة التي تأسست تاريخياً مع نشأة الملكية الخاصة في ظل سيادة النظام الأبوي الذي أعطى السلطة المطلقة للرجل وفرض على المرأة الخضوع.
مقال بقلم المحامية المصرية ماجدة فتحي رشوان
يمثل العنف ضد المرأة واحداً من أهم التحديات التي تواجه الجهود الرامية لتحسين وضعها وتمكينها، الأمر الذي يستوجب على متخذي القرار وضع السياسات والبرامج المتعلقة بمناهضة العنف ضد المرأة وذلك من خلال توفير فهم أعمق لدوافع العنف والعوامل المرتبطة به وذلك بالاعتماد على التحليل والمسح الشامل للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية للمرأة.
والعنف ضد النساء ليس ظاهرة مصرية ولا عربية ولكنه ظاهرة عالمية رصدتها الإحصائيات الرسمية والغير رسمية التي تؤكد هذه الحقيقة وقد تطورت مفاهيم وتعريف العنف لتشمل الكثير من الممارسات التي لم يكن ينظر إليها على أنها انتهاك لحق المرأة وعنف ضدها مثل حرمانها من التعليم أو إجبارها على الزواج أو على الإنجاب المتكرر حتى تنجب الذكور مثلاً.
على الرغم من التغيرات التي طرأت على أوضاع النساء في العالم إلا أن طبيعة العلاقة التي تحكم علاقة المرأة بالرجل داخل الأسرة لاتزال تحكمها بقايا علاقات السيطرة التي تأسست تاريخياً مع نشأة الملكية الخاصة في ظل سيادة النظام الأبوي الذى أعطى السلطة المطلقة للرجل وفرض على المرأة الخضوع بالقوة، وظلت معظم القوانين التي تحكم نظام الأسرة في مختلف المجتمعات الإنسانية تدعم الفكرة القائمة على أن الزوجة والأبناء امتداد طبيعي لملكية الرجل مما يعني حرية التصرف بهما، الأمر الذي أفرز أشكالاً من أشكال العنف والقهر الاجتماعي ضد المرأة.
وقد تم رصد ارتفاع نسبة العنف الواقع على المرأة بأشكاله المختلفة إلى الحد الذي أصبح معه مشكلة معترف بها تواجهها أكثر النساء الغير متعلمات، وأنه توجد علاقة طردية بين تعليم المرأة وعدم تعرضها للعنف أو بنسبة أقل من الغير متعلمة، إلا أنه تم رصد نتائج أظهرت أن العنف يرتبط بعلاقة عكسية مع التمكين الأسري وتحديداً مؤشر قدرة المرأة على اتخاذ القرارات العائلية بمعنى أنه كلما زاد تمكين المرأة قل تعرضها للعنف بكل أشكاله.
وهناك أشكال نمطية تعمل على تعزيز مركز المرأة الغير متكافئ لمركز الرجل وكان لهذه القوالب دور في زيادة تعرض المرأة للعنف وانخفاض وعيها به مثل الأفكار المتحيزة للرجل والتي تخفي موقفاً معادياً للمرأة مثل معاداة فكرة ترشح المرأة للانتخابات إذ ترى أنه حق يخص الرجل ولا ينبغي للمرأة المشاركة فيه، وكذلك صمت النساء على العنف وعدم ثقتهن بالشرطة أو أي جهة لإنصافهن أو الحماية.
وهناك تفاوت بين فهم المرأة للعنف وابتعاده عن التعريف الدولي للعنف فبعض النساء لا يرين في ضرب الرجل لزوجته عنفاً أو العنف البعيد عن الأذى الجسدي المباشر مثل الحرمان من الحقوق الأساسية مثل حق التعبير عن هذه الحقوق مما يشكل قوة ممانعة أمام مناهضة العنف أو الحد منه.
والعنف هو فعل متعدد الأبعاد الاقتصادية والقانونية والثقافية والاجتماعية فهو يرتبط بشخص المرأة المعنفة وتارة بشخص الجاني (الرجل) وفي الحالتين هو مرتبط بثقافة المجتمع فهي المسؤولة عن تشكيل هذه الشخصيات وتحديد استجابتها وفق منظومة من القيم والمعتقدات التي تقرها الثقافة.
وقد قام المجلس القومي للمرأة بإجراء دراسة مسحية ضمن مشروع (دراسة العنف ضد المرأة) والجديد في هذا المسح أنه لم يركز على النساء فقط بل تناول الرجال للكشف عن مستوى العنف الذى يمارسونه ضد النساء بأشكاله كافة وأظهرت النتائج أن 62% من النساء تتعرضن للعنف النفسي و28% تتعرضن للعنف الجسدي على أيدى أزواجهن وأسباب العنف، كما أشارت الدراسة تعود إلى عوامل خارجية منها ارتفاع تكاليف المعيشة والمشكلات في العمل بوصفها أسباب رئيسية وأسباب أخرى منها طباع الرجل بوصفها سبباً للعنف أما الرجال فقد أشاروا إلى سبب عدم طاعة النساء.
وهناك دراسات ربطت بين العنف وتمكين المرأة فقد أجرى مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة استطلاعاً عام 2007 لمعرفة أوضاع المرأة وظروف المعيشة المحيطة بها وقد قام المسح من خلال عينة ضمت 2400 امرأة من ثلاث محافظات في مصر واستخدمت الباحثتان سحر الشنيطي وملكي الشرماني، بيانات هذا المسح لدراسة العلاقة بين تمكين المرأة وتعرضها للعنف المنزلي وانطوى مسح التمكين على تطوير إطار مفاهيمي حول تمكين النساء في البيئة المصرية يستند إلى مؤشرات مباشرة وغير مباشرة للتمكين مما سمح للباحثات بتحديد علاقة بين هذه الأبعاد بالعنف ضد النساء إلى جانب العوامل الأخرى الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن ربطها بمستوى تعرض المرأة للعنف.
إن جميع أشكال العنف الجسدي والنفسي تؤثر على صحة المرأة الجنسية والنفسية وتؤثر في سلوكها وأدائها لمهامها كأم وكزوجة وكامرأة عاملة ومن أهم الاضطرابات التي ترافق العنف ضد المرأة شعورها بعدم الكفاءة والقيمة وبأنها عديمة الفائدة، كما أنها تميل لأن تكون غير مؤكدة لذاتها في علاقتها مع الآخرين بل إنها تحمل نفسها مسؤولية وقوع العنف ضدها وتلجأ للعزلة الاجتماعية والنفسية.
كما يعد العنف ضد المرأة شكل من أشكال التمييز ضدها إذ يعطل بصورة جدية قدرتها على التمتع بحقوقها وحرياتها ويلغيها بوصفه مظهراً من مظاهر الاختلال التاريخي في علاقات القوى بين الرجل والمرأة وإحدى الأليات الاجتماعية لإخضاعها للسيطرة عليها.
وأكدت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، أن هذا العنف يكبح بشكل خطير قدرة المرأة على التمتع بالحقوق والحريات على قدم المساواة مع الرجل، وتناول العنف ضد المرأة على أنه انتهاك لحقوق الإنسان يعني ضمناً حدوث تحول مفاهيمي هام ويعني التسليم أن المرأة لا تتعرض للعنف بالصدفة أو بسبب ضعف فطري، ولكن العنف هو بالأحرى، نتيجة تمييز هيكلي متجذر ويقع على عاتق الدولة الالتزام بالتصدي له ومن ثم فإن مناهضة العنف ضد المرأة ليس عملاً خيرياً، وهو التزام قانوني وأخلاقي يتطلب تدابير وإصلاحات تشريعية وإدارية ومؤسسية.
وبالرغم من انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة إلا أنها لم تجد الاهتمام الكافي إلا مؤخراً حيث نشطت الحركة النسوية العالمية لتربط حقوق المرأة وقضاياها بقضايا حقوق الإنسان وتعتبر العنف ضد المرأة انتهاكاً لحقوقها الأساسية وقد أصبح اتفاق عام على أن العنف قضية محلية وعالمية تمارس في كل المجتمعات وتشمل النساء في مختلف أعمارهن وتنتشر في كل شرائح المجتمع بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية فالعنف لا يرتبط بدين أو عرق أو مستوى ثقافي أو اجتماعي أو اقتصادي معين فالعنف ضد المرأة أصبح ظاهرة تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان كما تعد مظهراً من مظاهر علاقات القوى الغير متكافئة بين الرجل والمرأة والتي تساعد على بقاء سيطرة الرجل على المرأة والحيلولة دون قيامها بتحقيق ذاتها ويرتبط العنف ضدها بظاهرة البطالة وانخفاض المستوى الاقتصادي.
وأخيراً العنف ضد المرأة يعتبر عقبة في طريق مشاركتها الفعالة والإيجابية في المجتمع والدولة ككل ويؤثر على ميزانية الدولة لما تتكبده من خسائر في الإنتاج ونفقات مالية ضخمة في النفقات القانونية لمحاسبة الجناة وتوفير الرعاية الصحية للمعنفات.