بلديات إقليم شمال وشرق سوريا نموذج حيّ لمشاركة النساء في صنع القرار
أكدت الناطقة باسم بلديات مقاطعة الجزيرة بيريفان عمر، على أن تجربة النساء العاملات في بلديات إقليم شمال وشرق سوريا برزت كأحد النماذج الحية لتحدي القيود التقليدية وإثبات حضورهن الفاعل في مواقع صنع القرار.
زينب عيسى
قامشلو ـ في إطار الحراك المجتمعي لمناهضة العنف ضد المرأة، تمثل مشاركة النساء العاملات في البلديات نموذجاً حيّاً لكسر القيود الاجتماعية التقليدية وإثبات حضورهن الفعلي في مواقع اتخاذ القرار. فوجودهن لم يعد مجرد تمثيل رمزي، بل أصبح ركناً أساسياً يعكس إرادة التغيير وبناء مجتمع أكثر عدلاً وتوازناً.
اليوم، تشكّل النساء في البلديات حجر الأساس للنظام المجتمعي الجديد، إذ يصدرن صوتاً يعبر عن حاجات الناس وأفكارهم، ويجسدن مبادئ التعاون الحقيقي في الإدارة والخدمات العامة، ليصبحن بذلك قوة فاعلة في ترسيخ العدالة والمساواة داخل المجتمع.
تحدثت الناطقة باسم بلديات مقاطعة الجزيرة بيريفان عمر عن نضال النساء في مواجهة العنف، مؤكدةً على أهمية حضورهن ودورهن في مواقع اتخاذ القرار داخل البلديات. وأن مشاركة المرأة في هذه المؤسسات لا تقتصر على كونها رمزاً، بل تمثل خطوة جوهرية لإبراز إرادتها وإثبات قدرتها على المساهمة الفاعلة في بناء مجتمع أكثر عدلاً وديمقراطية.
نظام الرئاسة المشتركة تعزيز لدور النساء في البلديات
في مستهل حديثها، سلّطت بيريفان عمر الضوء على نظام الرئاسة المشتركة ودور النساء في بلديات إقليم شمال وشرق سوريا، مؤكدةً أن هذا النظام كان منذ تأسيس البلديات أول نموذج يُطبّق عملياً "إذا ما قيّمنا أثر هذا النظام على واقع النساء وحضورهن في مواقع اتخاذ القرار، نجد أن أهم إنجاز اليوم هو أن النساء أصبح لهن مكان ثابت في جميع البلديات".
وأوضحت أن هذه المرحلة تتزامن مع انعقاد اجتماعات البلديات على مستوى العالم، مشيرةً إلى أن بلدية قامشلو شاركت أيضاً في هذه اللقاءات. وأن من بين 19 رئيساً للبلديات، كانت هناك امرأة واحدة فقط وهي كانت تمثل بلدية قامشلو، معتبرةً أن السبب في ذلك يعود إلى نظام الرئاسة المشتركة "هذا المنصب الذي كان حكراً على الرجال، لو تُرك كما كان في السابق، لبقي حكراً عليهم، لكن بفضل نظام الرئاسة المشتركة أصبح للنساء حضور دائم في مواقع القيادة".
وأشارت إلى أن حضور النساء اليوم مكّنهن من الوصول إلى مواقع متقدمة والمشاركة الفعلية في اتخاذ القرار، مؤكدةً أن التغيير لا يمكن أن يتحقق بجهود العاملات وحدهن. معتبرة أن هذا الإنجاز يُعد من أهم مكتسبات ثورة روج آفا "شكّل تحولاً كبيراً بالنسبة للنساء، فهو تجسيد لإرادة تُترجم اليوم على أرض الواقع. التغييرات التي شهدتها البلديات، والعلاقات مع المجتمع، ومعايير الديمقراطية والمساواة، وضعت النساء في موقع الصدارة. ففي مجالس البلديات والمجالس الشعبية المنتخبة وصلت نسبة مشاركة النساء إلى 50%، وهو بالنسبة لنا خطوة تاريخية، لأنه ليس مجرد تمثيل شكلي بل أساس راسخ في ميثاق المجتمع".
وأضافت بيريفان عمر أن الدور الذي تسعى النساء إلى ترسيخه في البلديات يقوم على تجاوز الفوارق التقليدية بين المرأة والرجل، من خلال مشاركة جميع المؤسسات النسائية كجزء من العملية. مشيرةً إلى أن هذا التوجه يتجلى في مجال الوعي والتعليم، سواء داخل البلديات أو في المجتمع "كسرنا القالب الذي كان يحصر العمل المجتمعي في كونه عملاً خاصاً بالرجال. لم يعد هناك عمل يُقال إنه للنساء أو للرجال، بل كل عمل يُقاس بمدى قدرة الشخص على إنجازه. كانوا يقولون إن النساء لا يستطعن قيادة وسائل النقل الكبيرة داخل المدن، لكننا وفرنا لهن التدريب اللازم، وأثبتن قدرتهن على قيادة هذه الوسائل وكسر تلك الصورة النمطية".
النساء في بلديات الجزيرة قوة تنظيمية تكسر الصور النمطية
واجهت النساء تحديات كبيرة بسبب محدودية فرص العمل المتاحة لهن، إذ لم يكن أمامهن سوى عدد قليل من الوظائف يمكنهن القيام بها. بيريفان عمر أشارت إلى أن البلديات لعبت دوراً مهماً في كسر هذه القيود "وفرنا فرص عمل جديدة للنساء كي يثبتن قدرتهن ويكسرن الصورة النمطية التي تقول إنهن غير قادرات على أداء الكثير من المهام. فالنساء عبر التاريخ كن يقمن بأصعب الأعمال، وما زالت نساء القرى حتى اليوم يتحملن الأعمال الشاقة. وفي المدن أيضاً تتحمل النساء مسؤوليات كبيرة، واليوم هناك مئات منهن يعملن في البلديات في مجالات الإشراف على الأبنية والأسواق ويتحملن مسؤوليات كثيرة".
وشددت على دور مجالس البلديات في حماية حقوق العاملات، موضحةً أن هذه الحقوق جرى تثبيتها في لوائح مكتوبة "لحماية النساء، خاصة العاملات في البلديات، يجب أن تكون القرارات المتعلقة بهن بيد النساء أنفسهن، بينما يمكن للرجال تقديم مقترحات فقط. القرار النهائي يعود إلى مجلس النساء. كما تنظم المجالس برامج توعية لتعزيز مفهوم المساواة بين المرأة والرجل وتوضيح معناه العملي. ومن أبرز التحديات التي تواجه العاملات وجود أطفال الذي يمنع بعضهن من الالتحاق بالعمل، لذلك أنشأت البلديات مراكز لرعاية الأطفال كي تتمكن الأمهات من المشاركة في العمل دون عوائق".
وأكدت بيريفان عمر أن وجود تنظيم نسائي داخل البلديات يشكل عاملاً أساسياً في تعزيز الوعي المجتمعي ودعم الحراك الاجتماعي، موضحةً أن التنظيم هو الضمانة الأولى لحماية النساء "غياب التنظيم يجعلهن عرضة للاستغلال، وهو خطر كبير داخل البلديات، إذ إن المجالس التي لا تنظم النساء تفقد دورها، ويستغل الرجال ذلك عبر اتخاذ قرارات بحق النساء أو تقليص مهامهن أو فصل بعضهن من العمل. لذلك فإن التنظيم هو الأساس الذي يمكّن النساء من التعرف على حقوقهن والدفاع عنها".
وأشارت إلى أن الرئيسات المشتركات في العديد من بلديات مقاطعة الجزيرة لعبن دوراً بارزاً في تغيير نظرة المجتمع تجاه هذه المؤسسات، مذكّرةً بأن النساء حين دعمْن التنظيمات النسائية ومجالس النساء عملن معاً داخل البلديات بشكل فعّال "أولاً التنظيم يحمي النساء، ثانياً يمنحهن القدرة على اتخاذ قرارات جماعية تنبع من رؤيتهن المشتركة".
النضال والريادة النسائية بين الماضي والحاضر
في بدايات تأسيس البلديات واجهت النساء تحديات ثقافية واقتصادية كبيرة. وأشارت بيريفان عمر إلى الفارق بين تلك المرحلة والواقع الحالي "في السنوات الأولى كانت العقبات الثقافية تحول دون عمل النساء، إذ لم يكن يُسمح لهن بتولي المهام الأساسية داخل البلديات أو الإشراف على الأسواق. كان دورهن يقتصر على الأعمال المكتبية البسيطة، دون أن يكون لهن سلطة فعلية في اتخاذ القرار أو إحداث التغيير. لذلك كان من الضروري أن تدخل النساء سوق العمل وتثبتن قدرتهن لبناء الثقة مع المجتمع".
وأضافت "اليوم الوضع مختلف تماماً، فالأعوام 2012 و2013 و2014 ليست كعام 2025. لقد تحقق تحول ثقافي واضح، ولم يعد أحد يسأل إن كان الرئيس رجلاً أم امرأة، بل المهم أن يكون قادراً على إدارة العمل وفق نظامنا القائم على الشراكة بين الطرفين. أما التحديات الاقتصادية فهي ما زالت مستمرة في عموم سوريا، وتؤثر بشكل كبير على النساء اللواتي يعانين من ظروف معيشية صعبة".
واختتمت بيريفان عمر حديثها بالقول "في إقليم شمال وشرق سوريا يمر كل يوم بالنضال، والنساء في جميع أنحاء العالم ما زلن يواجهن العنف حتى اليوم. لذلك فإن قضيتنا واحدة، والتجربة التي نعيشها هنا تمثل نظاماً خاصاً بالنساء، ويجب أن تكون مثالاً يُحتذى به لجميع النساء كي نتمكن معاً من المضي قدماً في هذا الطريق".