بالكثير من الخذلان تحيي المرأة التونسية ذكرى الثورة
بالكثير من الخذلان تحيي المرأة التونسية اليوم الذكرى 13 لثورة 14 كانون الثاني/يناير 2011 حيث خرجت الآلاف من النساء للمطالبة بالحقوق والحريات والكرامة والعمل.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ انتصارات كثيرة وآمال كبيرة وضعتها النساء في مثل هذا اليوم وبدأت سلسلة التغيرات في المشهد السياسي، وشاركت ملايين النساء في المسيرات والتظاهرات وأخريات قلبن الموازين في محطات انتخابية ولكن تراجع مستوى نقاش قضايا المرأة من امرأة فاعلة إلى امرأة صوتها "عورة" وفي المقابل زاد العنف ضدها وأصبحت تقتل بمجرد أن تطلب التحرر من العلاقة الزوجية.
أصدرت الديناميكية النسوية المتكونة من جمعية أصوات نساء وجمعية كلام وجمعية النساء والمواطنة بالكاف والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وجمعية بيتي وجمعية جسور الكاف وجمعية أمل للعائلة والطفل وجمعية توحيدة بالشيخ، بياناً مطولاً بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لـ 14 يناير اليوم الذي تحقق فيه انتصارات كبيرة.
وأكد البيان أن لهذا التاريخ رمزية خاصة لدى المجتمع التونسي، فهو يعدّ تاريخاً مفصلياً لثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي انطلقت شرارتها في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010، بعد مسار طويل من الاحتجاجات التي عرفتها البلاد في محطات تاريخية مختلفة.
وأضاف البيان أن "يناير 2011، هو تاريخ راسخ لا يمكن محوه ولا يمكن تجاوزه مهما كانت الاعتبارات السياسية ومهما اختلفت التقييمات، فقد دشن هذا التاريخ مرحلة جديدة من تاريخ تونس المعاصر فتحت الباب أمام التعدّدية السياسية والفكرية والمدنية ورفعت القيود عن حرّية التعبير والرأي والصحافة والنشر، وهي مكتسبات غير قابلة للتفويت والتجزئة، فهي متصلة اتصالاً وثيقاً بقيم الكرامة والحرمة المعنوية والجسدية والتناصف والمساواة أمام القانون وفي القانون والعدالة الاجتماعية".
وعددت الديناميكية النسوية في بيانها التراجعات التي شهدتها المرأة خلال السنوات الماضية المتمثلة في مستويات عديدة.
على المستوى السياسي والمدني العام
تراجع منسوب حرية التعبير والرأي والصحافة والنشر، فقد تم تسجيل تراجع تونس في التصنيف العالمي لحرية الصحافة عام 2022 بمعدل بلغ 21 نقطة، لتحتل المركز 94 بعد أن كانت في المرتبة 73 عام 2021، ثمّ ليصل ترتيبها إلى المركز 121/180 دولة سنة 2023 إضافة لفقدانها صدارة البلدان العربية، وقد رافق هذا التراجع محاكمات للصحفيين/ات والمدوّنين/ات السياسيين/ات بتهم مختلفة، وقد ارتفع منسوب القضايا التي تمسّ حرية التعبير بموجب المرسوم عدد 54 لعام 2022، إضافة إلى استهداف الناشطات في الحقلين المدني والسياسي من خلال رفع القضايا أو توجيه تهم وإثارة الشبهات ضدهن.
كما ارتفع منسوب العنف ضد النساء بكافة أشكاله وأبرزها قتلهن على أساس النوع، فقد بلغ عدد القتيلات خلال عام 2023 خمس وعشرين امرأة كنتيجة مباشرة لضعف آليات الحماية المنصوص عليها في القانون الأساسي عدد 58 -2017 وغياب السياسات العمومية الناجعة في مجال القضاء على العنف المبني على النوع الاجتماعي.
وضعف نسب المشاركة في الانتخابات وتسجيل انخفاض في مستوى تمثيل النساء، إذ لم تتجاوز نسب المشاركة في الانتخابات التشريعية والمحلية 11% مع نسبة لم تتجاوز 13% بخصوص تمثيل النساء في هذه الهياكل المنتخبة، ويعود ذلك، إلى النهج الانفرادي في إدارة الشأن العام الذي توخته السلطة السياسية القائمة وإلى إلغاء مبدأ التناصف كحق دستوري من القانون الانتخابي.
إضافة لذلك تصاعدت حملات الشيطنة والتخوين والتوجيه، وهذا سبب مباشر في ارتفاع نسب العنف الرقمي وخاصة منه الموجه للنشطاء في المجالين السياسي والمدني، واستهداف مؤسسات المجتمع المدني وتجاهل دورها مع محاولات متكررة لتنقيح المرسوم 88 لعام 2011.
وإلغاء الهيئات المستقلة والتعديلية والقضاء التدريجي على حق المعارضة وضرب التعددية، فقد ألغى دستور 2022 تلك الهيئات المستقلة والضامنة للديمقراطية وألغى معها حق المعارضة الذي تم تثبيته في دستور 2014 كتمهيد لضرب المعارضة وإلغاء التعددية.
على المستوى الاقتصادي والاجتماعي
تراجع المقدرة الشرائية وتفاقم ظاهرة الفقر خاصة في صفوف النساء، كنتيجة مباشرة لارتفاع معدل التضخم الذي بلغ حسب المعهد الوطني للإحصاء 8.1% في العام الفائت.
وارتفاع نسب الأمية خاصة في أوساط النساء، فقد بلغت 25% أي ما يعادل ربع السكان من بينها 40% في صفوف النساء حسب معطيات وزارة الشؤون الاجتماعية.
واختلال في الموازنات المالية وعدم إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في الميزانيات بما في ذلك ميزانية 2024، فقد استندت على نسبة 38% من القروض كما تضمنت نوع من الشطط الجبائي دون توجه واضح نحو العدالة الجبائية، إضافة إلى غياب متكرر لإدماج مقاربة النوع الاجتماعي بما يعني عدم تخصيص موازنة مالية واضحة لمقاومة العنف وتفقير النساء وبطالتهن.
على المستوى الحقوقي والثقافي
ارتفاع خطاب الكراهية والعنصرية والتمييز، وهو خطاب يستهدف النساء والأقليات وقد ارتفعت نسبة الخطاب العنصري خلال موجات الهجرة غير النظامية للأفارقة من جنوب الصحراء.
وارتفاع منسوب انتهاكات حقوق الإنسان وعدم احترام الإجراءات القانونية، وتم استهداف المعارضات والمعارضين للسلطة القائمة، وظهور مؤشرات التخويف والترهيب، من خلال محاولات تكميم الأفواه وسجن الصحفيين/ات والمدونين/ات وغيرهم/هن لمجرّد كلمة.
وأكدت الديناميكية النسوية انخراطها المتواصل في الدفاع عن كافة الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وعدم استعدادها للتفريط بأي حق، داعية مكونات المجتمع وخاصة الجمعيات النسوية إلى توحيد جهودها.
كما حثت إلى وضع كافة الأرقام والاحصائيات الرسمية المتعلقة بجرائم العنف وقتل النساء حتى تتمكّن من بلورة برامج تعزّز التدخّل الاجتماعي وحماية النساء، ووضع كل المؤشرات الإحصائية الخاصة بـ الأمية والفقر والبطالة وغيرها من الظواهر الاجتماعية من أجل خلق ديناميكية مواطنية لمجابهة هذه الظواهر المتّصلة ببعضها البعض، وإلغاء المرسوم 54 لعام 2022 الذي يستهدف حرّية التعبير، وتجريم العنف السيبراني من خلال قانون خاص.
رهانات وتحديات
وحول ما حققته النساء والرهانات والصعوبات التي لا تزال تعانين منها وتأثيرات السياقات السياسية والتحولات على حقوقهن، قالت الناشطة نجاة عرعاري إن ثلاثة عشرة عاماً كانت فرصة للتعريف بحقوق النساء والحراك النسوي والدفاع عن حقوق المرأة وللتعبئة والقيام بتحركات عديدة وهناك أيضاً جمعيات جديدة خرجت على الساحة وهذا لا يمكن إلا أن يكون فيه فائدة للنساء.
وذكرت أنه من الصعوبات الأخرى كذلك أن قضايا النساء ومجابهة العنف ضدهن اليوم ليس من أولويات الحكومة رغم بعض الجهود المرتبطة ببعض البرامج المتعلقة بالنوع الاجتماعي سواء على مستوى وزارة الداخلية ووزارة العدل وعلى مستوى الشؤون الاجتماعية، ولكن تبقى الجهود محدودة أولاً لأسباب مالية لأنه ليس هناك إمكانيات تبرز في مجال تركيز مراكز الإيواء وسبل الوقاية التي تتطلب مراجعة المنظومة التربوية ومنظومة دور الشباب إلى غير ذلك وهناك صعوبة أيضاً مهمة وهي مناهضة العنف الذي يصل لحد قتل النساء وسط صمت الحكومة وسياسة الإفلات من العقاب.