أزمة الكهرباء في إيران... حينما يُطفأ النور عن الحياة والمعيشة
تشهد مدينة جوانرو شرق كردستان انقطاعات متكررة ومفاجئة للكهرباء، ما أدى إلى اضطراب في حياة سكانها وأعمالهم، بل وتسبب في تهديد مباشر لسلامتهم، من احتراق الأجهزة الكهربائية إلى حوادث مأساوية.

سوما كرمي
جوانرو ـ في الأسابيع الأخيرة، فقدت عشرات الأسر في جوانرو أجهزتها الكهربائية بسبب التقلبات الشديدة في التيار الكهربائي، ولم يصدر عن شركة الكهرباء أي توضيح أو اعتذار، ولم تقدم تعويضات أو حلول، وكأن معاناة الناس لا تستحق حتى الرد، في الوقت الذي يواجهون فيه أزمات اقتصادية خانقة، وتعد هذه الأجهزة وسيلة أساسية للاستمرار ومصدراً وحيداً للراحة والأمان.
من عجز 3 آلاف إلى 20 ألف ميغاواط
تشير دراسة حول إنتاج واستهلاك الكهرباء في إيران من عام 2011 إلى 2025 إلى أن الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك تزداد عاماً بعد عام. ففي عام 2011 كان النقص حوالي 3000 ميغاواط؛ وارتفع إلى 6000 ميغاواط في عام 2015، ثم إلى 9000 ميغاواط عام 2017، ووصل عام 2023 إلى 20 ألف ميغاواط، هذا الاتجاه يُظهر أن مشكلة اختلال التوازن الكهربائي ليست جديدة، بل تتفاقم مع مرور الزمن.
"مصادر إنتاج الطاقة"
يوضح الرسم البياني لإنتاج الطاقة في إيران أن 53% من الكهرباء تُنتج باستخدام الغاز الطبيعي، و20% بالنفط، و7% من مصادر أخرى، وحوالي 20% من الطاقة النووية والرياح وغيرها من الطرق، وهذه الأرقام تُظهر أن أكثر من 70% من كهرباء البلاد تعتمد على الوقود الأحفوري؛ وهو أمر يزيد من احتمالية الانقطاعات المتكررة في الشتاء مع ارتفاع استهلاك الغاز.
تعتمد إيران بشكل كبير على الغاز والنفط، وأي خلل في توفير هذه الموارد أو انخفاض كفاءة محطات الطاقة في درجات الحرارة العالية يؤثر مباشرة على إنتاج الكهرباء، في صيف إيران الحار، حيث يتزامن ارتفاع استهلاك الغاز المنزلي والصناعي مع ضغط إضافي على توفير الوقود لمحطات الطاقة.
هذا التناقض في بلد يمتلك ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم يعود إلى نقص الاستثمار وضعف التكنولوجيا، ففي شتاء عام 2023، بلغ استهلاك الغاز اليومي 900 مليون متر مكعب، بينما لم يتجاوز الإنتاج 700 مليون متر مكعب، وإذا استمر بهذا الاتجاه، فإن الأزمة لن تقتصر على الكهرباء فحسب، بل ستطال أيضاً تأمين الغاز في البلاد، مما يشكل تحدياً خطيراً.
تحديات قطاع الكهرباء في إيران
يعاني قطاع الكهرباء في إيران منذ سنوات من مشكلات بنيوية، أدّت إلى نقص في الإنتاج، نمو سريع في الاستهلاك، انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي، بسبب جملة من التحديات أبرزها محطات توليد متهالكة وشبكة نقل ضعيفة حيث أن جزء كبير من المحطات يعمل دون تحديث، وشبكة النقل تعاني من خسائر واختلالات مستمرة.
وركود في تطوير المحطات سواء كانت تعتمد على الوقود الأحفوري أو الطاقة المتجددة، توقف تقريباً في السنوات الأخيرة، ولم تُنفذ وعود الحكومات بزيادة القدرة الإنتاجية، إلى جانب تسعير غير واقعي، حيث أن الكهرباء تُباع بسعر أقل من تكلفة الإنتاج؛ مما يشجع على الاستهلاك المفرط ويثبط الاستثمار في القطاع.
وغياب السياسات المستقرة والتنسيق المؤسسي جعل توفير الكهرباء غير مستقر، وحوّل الانقطاعات إلى ظاهرة مزمنة، بالإضافة لزيادة الاستهلاك وذلك بسبب النمو الحضري، انتشار الأجهزة الكهربائية، والصناعات كثيفة وبالتالي زاد الاستهلاك من حدة الضغط على الشبكة.
وأخيراً، العقوبات التي على إثراها بات دخول التكنولوجيا والمعدات الحديثة محدوداً، كما تراجعت صادرات الخدمات الهندسية، وانخفاض الاستثمار بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي والعقود غير المتوازنة أعاقت دخول القطاع الخاص إلى هذا المجال، وتراجع إنتاج المحطات الكهرومائية بسبب الجفاف الذي خفّض احتياطات السدود بنسبة تصل إلى 42%، مما زاد الاعتماد على الغاز.
وبذلك، فإنّ مزيجاً من المشكلات البنيوية ونقص الاستثمار قد خلق قطاعاً كهربائياً متداعياً في إيران، لا يلبي احتياجات المواطنين ولا يحمل أي أفق واضح للمستقبل، وهذه الأزمة لا تقتصر على مدينة جوانرو، بل تشمل جميع أنحاء البلاد؛ دولة غنية بالطاقة لكنها غارقة في انقطاعات كهربائية متواصلة، ولا تقتصر تداعيات هذه الأزمة على الحياة اليومية فحسب، بل طالت أيضاً الأعمال التجارية التي تكبدت خسائر جسيمة، فالعاملات في المشاريع المنزلية مثل تزيين الأحجار، الخياطة، وتصفيف الشعر فقدن ما يصل إلى نصف دخلهن؛ كثيرات منهن المعيلات الوحيدات لأسرهن، دون أي دعم من الجهات الرسمية.
"المهن في تراجع وانعدام أمان لدى النساء"
قالت مريم كرمي، عاملة في تزيين الأحجار "انخفض دخلي إلى النصف تقريباً، الكهرباء تنقطع لساعات يومياً، ولا يبقى وقت للعمل، أنا تحت ضغط كبير، أنني أساعد والديّ مالياً، مرة احترقت المكواة بسبب تقلب التيار، ولا أعلم إن كانت قابلة للإصلاح".
من جانبها، أكدت بريناز رحيمي، مشغّلة لجهاز ليزر في أحد صالونات العناية بالبشرة، إن انقطاع الكهرباء يدفع النساء للعمل ليلاً، رغم أنه لا يوفر لهن الأمان، والعودة بعد الساعة التاسعة مساءً تُقابل بأحكام اجتماعية قاسية، معبرةً عن قلقها من انقطاع الكهرباء داخل المصعد، واضطرارها لصعود عدة طوابق مشياً ما يسبب لها إرهاقاً شديداً.
"حينما تنقطع الكهرباء تتعطل جميع الخدمات"
وقالت أفروز محمدي من قرية كلاش باخان إن تزامن انقطاع شبكة الاتصال مع انقطاع الكهرباء قد شلّ حياتهم بالكامل؛ وبحسب قولها، فإن سكان المنطقة محرومون من الكهرباء والاتصالات، دون أي استجابة من الجهات المعنية.
بدورها، أكدت سميّة. ك، تاجرة في سوق جوانرو الحدودي، إن انقطاع الكهرباء لأربع ساعات يومياً قضى على حركة السوق، وانخفضت مبيعاتها إلى الحد الأدنى، مشتكيةً من تعطل أجهزة الدفع الإلكتروني والإنترنت، ومن عدم قدرة معظم أصحاب المحلات على شراء مولدات كهربائية.
وشَكت فاطمة. ع من أن انقطاع الكهرباء خلال ساعات عمل العيادات منعها من إجراء تصوير بالأمواج فوق الصوتية، وإن المركز الصحي في جوانرو، لعدم امتلاكه مصدراً احتياطياً للطاقة، توقف عن تقديم حتى أبسط الخدمات.
وعن تأثير ذلك على المهن الإلكترونية، قالت ميترا. ح، محررة ومدرّسة في مجال إدارة المحتوى "أواجه دائماً مشاكل أثناء تسجيل الفيديوهات التعليمية؛ عندما تنقطع الكهرباء وينطفئ الضوء، تصبح جودة الفيديوهات منخفضة جداً وغير قابلة للاستخدام".
ولفتت إلى أن "انقطاع الكهرباء لا يؤثر فقط على التسجيل، فخلال الحرب بين إيران وإسرائيل فقدت العديد من المتدربين والمتدربات بسبب انقطاع الإنترنت، واضطررت للبدء من جديد بصعوبة كبيرة، والآن، أثناء انقطاع الكهرباء، ينقطع الإنترنت، ولا تعمل برامج تجاوز الحجب، ولا أستطيع الرد على المتدربين، مما يسبب فقدان الثقة واستياءهم".