"اتحدوا للقضاء على العنف ضد المرأة"... مؤتمر يبحث سبل إحداث تأثير على أرض الواقع

أكدت المشاركات في مؤتمر "اتحدوا للقضاء على العنف ضد المرأة"، على ضرورة التكاتف النسوي للقضاء على كافة أشكال العنف الممارسة ضدهن.

أسماء فتحي

القاهرة ـ واقع العنف الممارس على النساء خاصةً  بعد صدور المسح السكاني الأخير طرح الكثير من التساؤلات حول أسبابه، رغم العمل الدؤوب عليه وهو الأمر الذي أرجعته العديد من مؤسسات المجتمع المدني لعدم إصدار القوانين التي تمنع الممارسات التي تنال من حقوق النساء.

انطلقت أعمال مؤتمر "اتحدوا للقضاء على العنف ضد المرأة"، أمس الأحد 26 تشرين الثاني/نوفمبر، لبحث أسباب استمرار ظاهرة العنف ضد النساء وعدم إحداث تأثير حقيقي على أرض الواقع.

وافتتحت الجلسة الأولى للمؤتمر الذي نظم من قبل مؤسسة قضايا المرأة المصرية، رئيسة مجلس أمنائها عزة سليمان بكلمة سلطت الضوء خلالها على الأوضاع في فلسطين وما تعانيه النساء من جرائم تندى لها الإنسانية، مشيرةً إلى أن حملة الـ 16 يوم جاءت في ظل ظروف صعبة، لافتةً إلى أنه تم إطلاق حملة "الـ 16 يوم حداد" تزامناً مع حملة مناهضة العنف العالمية، سيتم خلالها عرض فيديوهات تحمل قصص وتجارب النساء والفتيات من الداخل الفلسطيني.

وأشارت إلى أن هناك تحديات كبير أمام المنظمات الأهلية والواقع الذي بات يفرض فتح الحوار للخروج من تلك الأزمة من الجنوب للجنوب أو على المستوى الوطني والإقليمي، مشددةً على أهمية فتح الحوار مع المجتمع الدولي.

رواية من واقع الحرب الأليمة

افتتح المؤتمر المنعقد بالتزامن مع حملة الـ 16 يوم العالمية بتجارب عدد من الذين عاشوا فترة الحرب من بينهم  دينا أبو شهلة التي أوضحت أن منزلها تعرض للقصف في يوم التاسع عشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي،  لتخرج مع عائلتها من تحت الأنقاض ويتم نقلهم إلى المشفى، ولجأوا فيما بعد إلى مكان آمن وعند عودتهم إلى منزلهم الذي تعرض للقصف للحصول على بعض المستلزمات وجدوه مدمراً بشكل كامل، مشيرةً إلى أن "الحياة في الملاجئ والأماكن التي لاذوا بالفرار إليها كانت صعبة للغاية فثلاثة أفراد يأكلون رغيف خبز واحد، ويتم استخدام المياه للضرورة فقط بعد انقطاع المياه عن القطاع وصعوبة الحصول عليها".

ونوهت إلى أن المشهد الغالب هناك كان عبارة عن سيارات تنام فيها العائلات مع أطفالهم، إضافة إلى رؤية أشخاص يحملون فراشاً للنوم وبعض الخبز ويتنقلون من مكان إلى آخر خوفاً من القصف "عشت مع نحو 56 شخصاً في منزل يبلغ 120 متر ولا يوجد فيه ماء ولا طعام، فقط أطفال خائفين من أصوات القصف المستمر، كنا كل يوم نقوم بتوديع بعضنا البعض خاصةً قبل النوم فلا أحد يعلم إن كان هناك غد مقبل أم ستكون هذه لحظاته الأخيرة في الحياة".

مسلسل العنف لا ينتهي

وبدورها قالت نورا محمد أن مسلسل العنف مستمر ولا ينتهي وأن المؤتمر جاء بالتزامن مع اليوم العالمي للعنف ضد المرأة وهو أحد فعاليات مؤسسة قضايا المرأة المصرية التي تعمل من أجل إيجاد آليات تضمن حماية النساء والتعامل مع ما تتعرضن له من انتهاكات تنال من حقوقهن، مشيرةً إلى أن المؤتمر تطرق للنسب والإحصائيات التي أدت لتزايد نسب العنف الممارس ضد النساء والذي وصل لحد القتل وعرض تحليل اجتماعي لتلك الظاهرة والآليات الممكنة في التعامل مع هذا الملف، وأن الجلسة الثانية من المؤتمر تحدث عن فكرة العمل الجماعي وتضافر الجهود من المجتمع المدني لأهمية الشراكات وبناء الخبرات في إحداث التغيير الحقيقي والوصول لنتائج أكبر للحد من تلك الظاهرة.

 

 

 

فيما أشارت الكاتبة والصحفية كريمة كمال إلى أن قصص العنف مستمرة وموجودة بشكل يومي وكأنها جزء من الحياة حيث توالت مؤخراً الكثير من حوادث قتل الفتيات والنساء، لتكشف الجرائم المتجذرة في المجتمع بالإضافة إلى وجود خلل في التعامل مع المرأة، مؤكدةً أن تلك الجرائم تحتاج لتكاتف من أجل الحد منها وحماية النساء والفتيات.

بينما أكدت النائبة البرلمانية نشوى الديب أن هناك فئات خارج اهتمام المجتمع المدني كالمسنين رغم أن عدداً كبيراً منهم  يتعرضون  للعنف أو ممارسات تنال من حقوقهم، مشددةً على ضرورة مناقشة القوانين التي تحميهم  واتخاذ القرارات من أجل القضاء على التمييز خلال الدورة الحالية، لأن الواقع بات يتطلب تكاتف المجتمع المدني خاصةً في مسألة الوعي ورفعه حتى يتم القضاء على مثل هذه الظواهر التي تنال من حقوقهم.

في الاتحاد قوة وتأثير وتغيير

وأوضحت المديرة التنفيذية لمؤسسة تدوين لدراسات النوع الاجتماعي أمل فهمي، أن التشبيك بين المؤسسات لها نتائج كبيرة وتساعد في إحداث التغيير الحقيقي والتأثير في الملفات خاصةً الشائكة منها والمتجذرة، مؤكدة أن  دراسة تلك الملفات تتم على مستويين الأول مع الدولة وهو أمر لم يحدث بشكل فعال سوى في ملف الختان لكون أغلب الجمعيات الأهلية غير ممثلة في الاستراتيجيات والقوانين المعنية بقضايا المرأة وكذلك البرامج الممولة من الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى.

وبينت أن المستوى الثاني من التشبيك يتم على مستوى المجتمع المدني، فهناك تجارب جيدة ومنها المجموعة التي تعمل على القانون الموحدة لمناهضة العنف وبينهم تدوين دراسات النوع الاجتماعي وقضايا المرأة المصرية والمرأة الجديدة والمحاميات المصريات وغيرهم، الذين تكاتفوا من أجل العمل على القانون وتقديمه للبرلمان، لافتةً إلى أن الجميع يعمل من أجل هذا القانون كل بما لديه وبصور مختلفة وهو الأمر الذي جعل هناك مشاركة مجتمعية أكبر حوله.

واعتبرت أن هذا النموذج الناجح من التعاون وغيره له فوائد منها حماية الجمعيات من الملاحقة وتساؤلات الجهات الحكومية والأمنية، فضلاً عن كونه يساهم في توفير كم أكبر من الأفكار والخبرات، كما أنه يوضح الموقف من تلك القضية مما يعطيها ثقل في الطرح ويمنح الجدية في التناول من قبل الجهات المعنية، مضيفةً أن هناك مثال آخر لتعاون وتشبيك المجتمع المدني والذي يتمثل في قوة العمل المعنية بالقضاء على ختان الإناث وهم مجموعة مؤلفة من 8 جمعيات أهلية عملوا على التعديل التشريعي مشددين على ضرورة تجريم المنشأة الطبية والدعاية لهذا الفعل على منصات التواصل الاجتماعي حتى تم تلبية هذين الطلبين من أصل 3 طلبات وهو ما يعد انتصاراً كبير للمجموعة.

وكشفت عن وجود تجربة جديدة تتمثل في برنامج نسيج نسوي الذي يشرف "تدوين" على تنظيمه مكون من 12 مجموعة نسوية يتم العمل فيما لبناء قدرات جديدة، لأن التشبيك ضروري من أجل العمل المثمر والفعال كما أنه موفر من حيث الموارد ويجعل الفئة المستهدفة أوسع و لها تأثيره أكبر.

واقع العنف بات يتطلب اتحاد المجتمع ككل لمواجهاته

ومن جانبها قالت مديرة مؤسسة كيان مصر للتنمية والتدريب سحر شعبان، من الضروري أن يكون هناك اتحاد بين جميع مؤسسات المجتمع المدني من أجل مناهضة العنف الممارس على النساء، والسعي في سبيل التعامل مع هذا الملف الذي يرتفع معدله من حين لآخر، موضحة أن هناك محاولات جادة للتوعية بأشكال العنف لأن الكثيرون لا يعلمون أن هناك ممارسات قد تنتهك حقوقهم، وأن اللقاءات والمؤتمرات تهدف لتسليط الضوء على هذا النوع من القضايا وتحريكها وتساهم في تعريف المجتمع بتفاصيلها من خلال وسائل الإعلام المختلفة.

واعتبرت أن العنف الاقتصادي أحد أهم المحاور التي على النساء إيلائها اهتماماً كبيراً لأنهن خلال السنوات الأخيرة تحملن مسؤوليات أكبر، وبات اضطرارهن للعمل أمر واقع ورغم كل ذلك تتعرضن لممارسات تنال من حقوقهن وتعرقل مسيرتهن وتقوض حركتهن.

 

 

 

بالأرقام النساء الأكثر تعرضاً للعنف ووضع السياسات ضرورة لتفعيل الآليات

وقالت أستاذ العلوم السياسية في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية هويدا عدلى، أن ظاهرة العنف ضد المرأة على مدار سنوات طويلة لم تشهد أي تحسن، حيث أنهن تتعرضن للعنف في المجال العام والخاص وكل ذلك له تكلفة اقتصادية ليست بالقليلة عليهن، موضحةً أن إحدى النتائج التي ترتبت عليه هو انسحاب نسبة ليست بالقليلة من النساء من سوق العمل.

وأضافت أن نسبة النساء اللواتي تتعرضن للعنف المنزلي من قبل الزوج تحديداً في البحث الذي أجراه المركز القومي للبحوث الجنائية عام 2017، بلغت 5000 امرأة وفتاة أي نحو 56%، وأن مظاهر العنف المنزلي كانت متنوعة منها "إهانة وضرب وحرمان من الأولاد ومنع من زيارة الأهل"، موضحة أن 43% منهن تعرضن لإصابات العام الماضي، وأن المسح السكاني الأخير الذي صدر عام 2022، لم يشهد تحسن كبير لكونه أقر بتعرض 3 نساء من كل 10 للعنف المنزلي.

وعن العنف في المجال العام أكدت أن المسح الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء كشف أن نحو 13% من النساء والفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 13 ـ 64 عاماً تتعرضن للعنف في مجال العمل، وقد كشف مسح البحوث الجنائية عن تعرض أكثر من 50% منهن لهذا النوع من العنف.

وأوضحت في تصريح خاص لوكالتنا، أن ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات لا تنتهي فنسبة 30% من النساء في مصر تتعرضن له، مؤكدة أن التفكير في السياسات بات ضرورة لأنها تمكن النساء اجتماعياً واقتصادياً وبالتالي تجعلهن في موقف توازن قوي، لأن البحث عن آليات بدون سياسات حمائية سيجعل الملف يجول بحلقات مفرغة دون نتيجة تذكر، مؤكدةً أن الثقافة المجتمعية تمثل بعداً خطيراً كونها تتراجع في موقفها من المرأة عن فترة الستينات مثلاً، وأن سياسات التعليم والعمل والثقافة وأيضاً الحماية الاجتماعية في حاجة لرؤية واضحة من أجل تغيير واقع النساء.