استهداف طائفي وانتهاكات ممنهجة تقرير يوثق الجرائم في الساحل السوري

في تقرير مشترك كشفت ثلاثة منظمات حقوقية عن انتهاكات جسيمة ارتكبت بحق المدنيين في أغلبية المناطق السورية، كما ركزت بأن الاستهداف كان قائم على أساس طائفي مع ارتكاب جرائم مروعة شملت الإعدامات والتعذيب وتدمير الممتلكات وسط غياب واضح للمساءلة والشفافية.

مركز الأخبار ـ  في آذار/مارس الماضي شهدت مناطق الساحل السوري موجة عنف منسقة بدأت في السادس من الشهر ذاته، إثر هجمات شنها جهاديي هيئة تحرير الشام، وأسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص، وانتهاكات طالت الطائفة العلوية إضافة إلى حملات أمنية واسعة النطاق.

أصدر كل من منظمة "هيومن رايتس ووتش"، و" سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، و " الأرشيف السوري"، أمس الاثنين 22 أيلول/ٍسبتمبر، تقريراً سلطوا فيه الضوء على الاستهداف القائم على طمس الهوية والثقافة منذ سقوط نظام السوري السابق، ووثق خلاله الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها جهاديي هيئة تحرير الشام في ثلاث مدن سورية في آذار/مارس الماضي، شملت إعدامات وتعذيب وتدمير ممتلكات.

 

"التحقيقات لم تكن عادلة وشاملة"

وقالت الباحثة الأولى في شؤون سوريا لدى منظمة هيومن رايتس ووتش هبة زيادين، أن التقارير المتعلقة بالانتهاكات المرتكبة بحق الطائفة العلوية في سوريا لم تسفر عن تحقيقات عادلة وشاملة، خصوصاً تجاه المسؤولين الكبار الذين ساهموا في وقوع هذه الجرائم أو تغاضوا عنها، مؤكدةً  أن غياب المساءلة لهؤلاء القادة الذين نشروا أو وجهوا القوات المنتهكة للجرائم يفتح المجال لتكرار الفظائع وارتكاب أعمال انتقامية جديدة في البلاد.

واستند التقرير إلى أكثر من مئة مقابلة أجريت مع ضحايا وشهود عيان وصحفيين، إلى جانب تحليل مواد سمعية وبصرية وصور أقمار صناعية تم التحقق من صحتها، ووثّق التقرير وقوع انتهاكات جسيمة بحق سكان ما يزيد عن 24 بلدة وقرية وحي، وذلك خلال الفترة الممتدة من السادس وحتى العاشر من آذار/مارس الماضي، وتضمنت الانتهاكات عمليات إعدام تعسفية، واقتحام منازل، ونهب ممتلكات، وإضرام النيران، بالإضافة إلى اعتداءات ممنهجة ارتُكبت على أساس طائفي.

وفي الثاني والعشرين من تموز/يوليو الماضي أعلنت اللجنة الوطنية السورية للتحقيق في أحداث الساحل أن 1.426 شخصاً قتلوا، مؤكدةً على وقوع فظائع جماعية ضد المدنيين، في خطوة تعكس تراجعاً عن سياسة الإنكار السابقة، لكنه تجاهل مسؤولية القيادات العليا في تسهيل الانتهاكات أو عدم منعها.

ووصفت اللجنة الهجمات بأنها "أعمال انتقامية فردية، غير أن نتائجها إلى جانب ما كشفه التحقيق المشترك الوارد في التقرير تشير إلى وجود حملة أوسع من العقاب الجماعي استهدفت الطائفة العلوية، وتُظهر الأدلة التي تحقق منها الباحثون بما في ذلك تسجيلات مصورة، أن الضحايا كانوا يُستجوبون حول هويتهم قبل قتلهم، وأن الجماعات المسلحة استخدمت عبارات مهينة بحق العلويين أثناء تنفيذ المداهمات".

وقالت كل من "هيومن رايتس ووتش"، و"سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، و"الأرشيف السوري" إن "اللجنة الوطنية نفسها أقرت بارتكاب قوات الأمن لانتهاكات قبل آذار/مارس الماضي، وكشف التحقيق المشترك للمنظمات أن أنماطاً من الاحتجاز التعسفي، واقتحام المنازل، والاستهداف القائم على الهوية في الطائفة العلوية بدأت قبل أسابيع في مناطق حمص وريف حماة، واستمرت هذه الانتهاكات لاحقاً لتشمل مدينة السويداء في تموز/يوليو الفائت، حيث أبلغ السكان الدروز عن عمليات إعدام تعسفي ونهب وتدمير ممتلكات خلال حملات أمنية نفذتها وحدات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية".

واعتبرت المنظمات أن انفتاح اللجنة على المجتمع المدني والجهات الدولية، إلى جانب إعلانها السعي لتحقيق العدالة، يمثل خطوة إيجابية، وقد طرحت اللجنة توصيات بنّاءة تشمل إصلاحات مؤسسية، وعدالة انتقالية، وتعويضات، وهي خطوات تستدعي متابعة عاجلة، إلا أن نجاح هذه الجهود يبقى مرهوناً بما ستتخذه اللجنة من إجراءات لاحقة، خصوصاً في ما يتعلق بالشفافية والمساءلة على مختلف المستويات.

 

مناشدات لمحاسبة المجرمين

دعت المنظمات الثلاث الحكومة السورية المؤقتة إلى نشر التقرير الكامل للتحقيق وضمان حماية هويات الشهود وتوفير محاكمات عادلة للمتهمين، مشددين على ضرورة أن تشمل الإجراءات القضائية المسؤولية المؤسسية، وألا تقتصر على الأفراد فقط.

وطالبوا أيضاً بتمكين آليات المساءلة الدولية، بما فيها التابعة للأمم المتحدة وتنفيذ إصلاحات أمنية تتضمن التدقيق في خلفيات المقاتلين وإبعاد المتورطين في الانتهاكات، واعتماد هياكل قيادة ومدونات سلوك واضحة وخاضعة للمساءلة.