انتفاضة Jin Jiyan Azadî ... رمز النضال النسوي المشترك

مقال بقلم الكاتبة والصحفية هيفيدار خالد

في جغرافيةٍ محاطة بأيديولوجيةٍ تمجّد القتل وتقوده، وبيئةٍ مليئةٍ بالعنف تشجّع على الجهل والتخلّف والدمار، وتدعو إلى قتل النساء وجلدهن وملاحقتهن وامتهان كرامتهن، وزجهن في السجون، والحكم عليهن بالإعدام وتعليقهن على أعواد المشانق في الساحات والميادين، إن لم ترضخن للقوانين والتشريعات الجائرة الخاصّة بعالمهم المظلم والغريب والجغرافية التي استباحوا فيها معاداة المرأة على مسمع ومرأى من العالم أجمع؛ انبثقت شرارة الانتفاضة والمقاومة والثورة التي هزت أركان النظام الإيراني برؤيةٍ واضحةٍ وطموحة من عمق الجراح وتحوّلت من ثورة المرأة في إيران إلى انتفاضةٍ شعبيةٍ عالمية، بمقتل الشابة الكردية جينا أميني على يد شرطة الأخلاق في طهران، بحجة أنها لم تلتزم بارتداء الحجاب بشكل صحيح، منذ تلك اللحظة صرخت النساء جميعهن في وجه آلة القمع المتواصلة ضدهن وأشعلن فتيل ثورة "المرأة الحياة الحرية Jin Jiyan Azadî" في البلاد. وكأنهن خرجن من ليل مظلم إلى نهار مشرق حاملات معهن بشائر الأمل والحرية، متألقات بتكاتفهن في مواجه النظام عاكسات إرثاً حضارياً واجتماعياً يزخر بالنضال والمقاومة، في مشهد يجسّد معنى أن يكون المرء حراً، وهو ما يمثل بالتأكيد انطلاقة جديدة بالنسبة للمرأة في إيران.

شعلة الانتفاضة الشعبية الداعمة للديمقراطية التي جعلت الجميع يرددون شعار Jin Jiyan Azadî بجميع لغات العالم ما زالت مشتعلة على الرغم من الضغوطات والإجراءات التعسفية والممارسات العنصرية والقمعية التي تتعرض لها النساء في إيران، الانتفاضة التي أدركت المرأة من خلالها وبكافة مكوناتها الطريق السليم للتغيير طريق النضال السياسي والأيديولوجي المنظم والممنهج، أدركت أن الخروج من الظلام إلى النور يتطلب الكثير من الكفاح والنشاط المتواصل دون توقف لمواجهة أصحاب العقول المتحجرة كالصخر، العقول البالية المروّعة بعنفها وعتمتها. نعم أنه كفاح من أجل الهوية السياسية والثقافية وتحقيق حرية المرأة التي هي أساس لحل كافة قضايا المجتمع.  

المرأة في إيران استطاعت من خلال النضال الذي قادته خلال انتفاضة Jin Jiyan Azadî كسر المفاهيم المسيطرة على البنية الذهنية في المجتمع الإيراني استطاعت طرح مقاربات وأفكار وآراء جديدة تهدم كل ما هو قديم ومتوارث من الأفكار والقناعات والعادات البالية، ليقول لسان حالها "نحن هنا، نحن نريد الحياة، نحن نريد الحرية لا مجال للرضوخ والاستسلام للموت على آلة الإعدام وأعواد المشانق، نعم لا مجال اليوم للاستسلام لسياسات النظام التي تحاول تقليص دور المرأة الحيوي في المجتمع وإبعادها عن المشهد العام في البلاد بحجج وقوانين وتشريعات متخذة من الدين الإسلامي قناعاً لها، لكنها في حقيقتها تستند إلى أيديولوجية نظام يحاول إدامة عمره وسلطته من خلالها، متخذا من استهداف النساء وضربهن طريقاً إلى تحقيق أهدافه التي لم تجلب لشعب الإيراني سوى المزيد من الدمار والحروب والصراعات الدموية والانتكاسات الاقتصادية.

ثورة جينا أميني التي ذاع صيتها وتحولت خلال فترة قصيرة إلى مزيج من التقاء بين ثقافات العالم المختلفة بسواعد النساء، تدخل عامها الثالث تاركة من ورائها قدراً كبيراً من النضال وميراثاً من العنفوان والمقاومة لدى جميع النساء المناضلات والثوريات في جميع بلدان العالم، اللواتي تسعين إلى تحقيق الحرية والحياة الكريمة بعيداً عن العنف والتطرف والكراهية والحقد والترويع والإيذاء.

 نضال النساء الثائرات وصل بطليعة المرأة الكردية إلى القمة، وحقق إنجازات على الأرض رغم الظروف الصعبة والإمكانات الضئيلة، حتى بات نضالاً باسلاً شامخاً لا تكسره الصعاب والمشقات ولا العراقيل أو المخططات، وكل هذا إنما يشكّل إشارة واضحة إلى أن الوقت قد حان لإحياء روح هذه الثورة مرة أخرى بقوة والقول بصوت واحد إن المرأة قادرة على رسم واقع جديد للجميع، قادرة على كبح جماح أركان النظام الذكوري السلطوي الذي يحاول النيل من نضال المرأة الحر بأدوات النظام الرأسمالي الفردي العنصري والمهيمن، الذي حول حياة المرأة إلى كابوس مروّع في دهاليز الموت والندوب.  

على جميع النساء في هذه الجغرافية العريقة والقديمة والغنية بثقافتها وأقوامها وأصالتها الوقوف في وجه آلة الموت وتحطيمها والنضال من أجل الحياة ونبذ كافة أشكال التخلّف والدمار والتشجيع على أهمية النضال المشترك الموحد والمنظم بفكر واحد للتصدي للنهج القائم على الذهنية الذكورية التي لا تعرف سوى العنف والموت ومواجهة كافة القوانين والتشريعات المجحفة والجائرة المطبقة بحق المرأة في إيران والعالم كافة بروح ثورة Jin Jiyan Azadî وذلك إنما يمر عبر مواكبة مسيرة الحياة الحرة ومحاربة كافة الأنظمة الاستبدادية ذات الأيديولوجية الإقصائية التي تمجّد الموت وتشرعن إهانة المرأة والتقليل من شأنها، ولتبقى جينا أميني رمز نضال المرأة العالمي الموحد والجميل دوماً ولتبقى شرارة اندلاعها مشتعلة في قلوب النساء المتعطشات للحرية والكرامة والإنسانية.