عاملات المصانع في تونس تتعرضن لكافة أشكال العنف
تواجه عاملات المصانع في تونس كافة أشكال العنف المسلط على المرأة وتؤدي هشاشة وضعهن المهني إلى مواجهة العنف المضاعف أو الطرد من عملهن عندما يقررن الخروج عن صمتهن والمطالبة بحقوقهن البسيطة جداً.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ تعاني العاملات في المعامل من العمل المتعب بالدرجة الأولى حيث يتم تصنفيهن كأنهن آلات الإنتاج بالمعامل دون الشعور بالتعب، والصمت عن كل التجاوزات والرضا بالأجر الزهيد خوفاً من طردهن من العمل، ويتم تعويض بعاملة جديدة مباشرة بعد انخفاض المردودية المرتبطة بحالتها الصحية.
مجموعة من العاملات بالمصانع تحدثن عن الانتهاكات التي تتعرضن لها في عملهن، مطالبات الحكومة والمجتمع المدني والمسؤولين بالتدخل لوضع حد لتلك الانتهاكات، وحمايتهن من العنف المضاعف على هامش المؤتمر الوطني الخامس للحركات الاجتماعية الذي التأم بالعاصمة تونس على امتداد ثلاثة ايام.
وقالت العاملة بمصنع الأحذية بمعتمدية السبيخة بولاية القيروان ليلى غنام "تعمل عاملات المصانع يومياً من الساعة السابعة صباحاً إلى الساعة الرابعة عصراً، مثلنا مثل الآلات، ونتعرض إلى كل أشكال العنف من سب وشتم وإهانات وضغط نفسي، ونتعرض إلى العنف المضاعف عند المطالبة بالحقوق وتحسين الوضعيات"، مضيفةً "ثم نتقاضى أجراً لا يتجاوز 600 ديناراً في الشهر وإذا خصمنا منها قسط القرض لا نستطيع تغطية ربع مصاريف المعيشة في ظل الغلاء الذي تشهده البلاد".
وأضافت أن العمل لا يستجيب للشروط الصحية حيث يتم استعمال مواد الكيميائية يومياً دون حماية مما سبب لها مرض في مستوى الصدر، وفي الوقت الراهن تخضع للعلاج المتواصل، وهذا لا يقع عليها فقط فالكثير من زميلاتها تعرضن للإصابة بأمراض خطيرة أخرى على غرار السرطان ومنهن من غادرن الحياة بسبب الأمراض التي تتعرضن لهافي العمل.
وأشارت إلى أن العاملات في المصنع تعانين من العنف المضاعف وتواجهن يومياً ضغوطات نفسية، منذ مغادرة المنزل للعمل حيث تتحملن متاعب التنقل ثم تتعرضن لكافة أشكال الضغوطات والتعب وسوء المعاملة داخل المصنع، وتعدن في المساء إلى المنزل وهن منهكات ولا تجدن القوة الكافية، أو الطاقة النفسية او الجسدية المطلوبة للعناية بعائلتهن وأطفالهن، لأن العمل استنزف كل طاقتهن، لافتةً إلى أنها تعود في اليوم الموالي إلى العمل وهي متثاقلة الخطى ولا تشعر برغبة في العمل إلا أن الوضع المادي للعائلة لا يسمح بالاستغناء عن العمل "يفرض التنازل والتغاضي أحياناً عن بعض الانتهاكات مقابل التفاني في العمل حصلت على جائزة العاملة المثالية لسنة 2024".
وأوضحت أن الوضعية السيئة للعمل بالمصنع دفعت إحدى زميلاتها الى المجازفة بحياتها وحياة زوجها وأطفالها والأقدام على الهجرة السرية بأحد مراكب الموت هرباً من كل أشكال الاضطهاد وعن نفسها قالت إنها فكرت كثيراً في هذه المسالة رغم مخاطرها.
وتابعت "لكن للأسف رغم كل ما سلف ذكره لم تقف المعاناة عند حد التعب وانتهاك الحقوق بل وصلت حد الطرد التعسفي والملاحقة القضائية بمجرد أن قرر مجموعة من العمال والعاملات المطالبة بوضع حد للانتهاكات المرتكبة في حقهن وتم ايقافهن والتحقيق معهن حتى أن أطفال إحدى زميلاتها لم يغادروا الروضة إلا في حدود التاسعة ليلاً بعد أن أمكن لها إعلام الأب بعملية الايقاف.
وأكدت على أنه مهما حدث لن تتوقف عن المطالبة بالحقوق التي يكفلها الدستور وأنها لن تصمت عن الانتهاكات المرتكبة يومياً بحق العاملات.
أما عاملة بمصنع منذ 17 عاماً زهيرة همادي أم لأطفال يدرسون أحدهم خريج جامعة عاطل عن العمل، قالت إنها تحملت كل المتاعب والمصاعب المرافقة للعمل من عدم احترام المصنع لشروط الصحة والسلامة المهنية إلى توقيت طويل دون راحة وحتى إلى اعتماد مواد كيمياوية في العمل تسببت في أمراض خطيرة عديدة إضافة إلى تكليف أشخاص لهرسلتنا وتعنيفنا ومن يرد الفعل ويطالب بوضع حد للعنف يتم طرده مباشرة.
وأشارت إلى أن العاملة بالمصانع تقضي حياتها بين الحافلة ذهاباً وإياباً وبين جدران المعمل في ظروف سيئة جداً خاصة خلال فصل الصيف حيث ترتفع الحرارة، وعندما تعود إلى منزلها تعود مرهقة لا تقوى على الاهتمام بأطفالها وتعويضهم حنان الأم ولكن رغم كل شيء هي لا تستطيع ترك العمل لأنه ضروري لتغطية مصاريف الحياة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وارتفاع الأسعار بنسق تصاعدي.
وأفادت أنها أصبحت تعاني من أمراض في الدم والتهاب المفاصل وتعاني من ضغوطات نفسية أدت بها إلى الشعور بالألم في صدرها وعندما ذهبت إلى الطبيبة أخبرتها أن قلبها سليم لكن الضغط النفسي والقلق المتواصل وراء الشعور بهذه الالام.
وأضافت أن زميلتها في العمل تدعى زهرة غنام تعاني من مرض مزمن وزوجها عاطل عن العمل فلم تعد قادرة على تحمل أعباء تكاليف دراسة ابنها الذي سيجتاز هذه السنة امتحان البكالوريا، مشيرةً إلى الأجر الذي يتقاضاه العمال والعاملات لا يسمح بتغطية مصاريف العائلات كما أنه يتم العمل بعقود طيلة أربعة سنوات وعندما تنتهي المدة يتم تخيير العامل أو العاملة بين عدم العودة إلى العمل أو بداية عقد جديد عوض الترسيم وهو ما دفعها إلى مساعدة ابنها خريج جامعة ورياضي لأن كل الآفاق سُدت أمامهما كما أنه أصبح يفكر في وضعها الصحي دوماً والرغبة في إنقاذها من ظروف العمل السيئة.
ورغم كل المعاناة تواصل العاملات العمل وتقديم مردودية جيدة ولكن في كل مرة يتم التعدي على حقوق عاملة قد تدفعها الظروف الى المجيء متأخرة أو مريضة بالخصم من الراتب وعدم تمكينهن من منح الخطر كمنحة الحرارة، وهذا ما دفعهن بحسب زهيرة همادي "لاتخاذ قرار المطالبة بالحقوق وخروج جميع العمال للاحتجاج بالشارع مما أدى بنا إلى التعرض للعنف والتهديد والطرد التعسفي من العمل والإيقاف والتحقيق وتشويه سمعتنا فلجأنا إلى الاعلام لإيصال صوتنا وإلى الاتحاد العام التونسي للشغل للدفاع عن حقوقنا لأن نقابتنا الأساسية لم تدافع عنا يوماً ومن يختارها هو صاحب المصنع وليس العمال".
وختمت حديثها قائلةً إن دخولها في بطالة بعد الطرد التعسفي جعلها تنضم إلى العاملات الفلاحيات لجمع الزيتون حتى تتمكن من تغطية مصاريف العائلة.