الوضع في سوريا إلى أين يتجه؟

.

مقال بقلم خلات هيفي

العديد من التساؤلات تتبادر إلى الذهن عن الوضع في سوريا مثلاً هل سيتم تمثيل الشعوب والديانات المختلفة؟ ماهي مكانة المرأة والمنظمات النسائية؟ هل ستكون سياستها ديمقراطية تعددية لا مركزية أم إنه سوف يستمر نظام البعث ذو الصوت الواحد الشوفيني؟

إن منطقة الشرق الأوسط أصبحت مركزاً للحرب العالمية الثالثة. وما يميز الأخيرة عن سابقتيها أولاً إنها على مدى طويل من الزمن وثانياً وجود علاقات متعددة الأطراف أكثر من وجود قطبين اثنين، أي ليس من الواضح ما هي الجهات التي تشكل تحالفات أو التي تتحارب، فالأشخاص التي تتم تسميتهم بالإرهاب من قبل جهة معينة يشكلون تحالفات سياسية مع الجهة ذاتها، فالشرق الأوسط تتم إعادة تصميمه من قبل القوى العالمية، ولأجل هدفهم بتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد يتم حالياً التخلص من الدول القومية واحدة تلو الأخرى بدءاً من العراق واليوم سوريا وغداً ستكون إيران وتركيا.

إن ما يحدث اليوم في سوريا هو أيضاً جزء من هذه الحرب العالمية الثالثة، نظام الأسد لم يسقط اليوم بل سقط منذ بداية ثورات ربيع الشعوب كان هذا النظام ينهار ويتدمر شيئاً فشيئاً، واليوم القوى المتسلطة قد سحبت يدها عنه، كان لدى نظام الأسد فرصة وحيدة للنجاة وهو أن يمد يده للإدارة الذاتية التي تمثل الشعب السوري أو لو إنه اتحد مع قوة شعبه لكان بإمكانه أن يعيد بناء نفسه وأن يكون مثالاً يحتذى به للدول المجاورة، ولكن بما إنه لم يقم بهذا فاليوم فشهد على سقوطه.

قد ذكر القائد عبد الله أوجلان في مانيفستو الحضارة الديمقراطية بأنه إن لم تقم الدول القوموية بإحداث تغيير جذري في نفسها فستكون نهايتها في مزبلة التاريخ، والآن نجد إن هذا التقييم يتحقق، وإن لم تتحد تركيا وإيران مع القوى الشعبية الديمقراطية داخلياً فستواجه نهاية مشابهة لنظام الأسد.

منذ بداية ثورة ربيع الشعوب فإن شعوب إقليم شمال وشرق سوريا بدأوا ببناء نظام خاص فيهم، بدءاً من الكومينات والمجالس ونظموا أنفسهم ضمن مؤسسات مجتمعية، وبطليعة المرأة قاموا بإنشاء وحدات حماية المرأة والشعب وكل مكون نظم نفسه بما يتماشى مع طبيعته وإرادته واجتمعوا تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية وقاموا بحماية إرادتهم بالوقوف في وجه جميع الهجمات الاحتلالية.

ومع تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية قاموا بإدارة مناطقهم التي تضم جميع المكونات وكل مكون اتخذ مكاناً في هذه الإدارة مع ثقافته ومعتقداته الخاصة به، ونستطيع القول بأن نظام الأسد لم يكن له تأثير على مناطق إقليم شمال وشرق سوريا في السنوات الأخيرة وإن الشعب كان يدير نفسه بنفسه.

ومع سقوط نظام بشار الأسد فإن سوريا بشكل عام قد انتقلت إلى مرحلة جديدة، مهما حاولت الحكومة الجديدة المؤقتة في دمشق أن تظهر نفسها على إنها قوة محررة ولكن هي مجرد تغييرات في السلطة، وبشكل طبيعي هذا يطرح العديد من التساؤلات عن هذه الإدارة الجديدة من قبل شعوب المنطقة ومن قبل المرأة والمنظمات النسوية، مثل كيف سيتم تمثيل الشعوب والديانات المختلفة ضمن هذه الحكومة المؤقتة؟ ما هي مكانة المرأة ودور المنظمات النسائية ضمن هذه الحكومة؟ هل ستكون سياستها ديمقراطية تعددية لا مركزية أم إنه سوف يستمر نظام البعث المركزي ذو الصوت الواحد الشوفيني؟ هل سيستمر تقدم السلطة الذكورية أم سيكون للمرأة إرادة حرة ومكانة مثل التي قد وصلت إليها في مناطقنا.

منذ الآن هناك بعض التصرفات والتصريحات الصادرة عن الحكومة المؤقتة في دمشق تسبب بعض التخوفات والتساؤلات من قبل المنظمات المهتمة بحقوق المرأة، كمثال عندما طلبت امرأة التصوير مع أحمد الشرع لكنه طلب منها تغطية شعرها، في الواقع هذه التصرفات تذكرنا بالنظام الإيراني المحافظ وسياسة اردوغان المعادية للمرأة، ومن جهة أخرى ما صرح به عبيدة ارناؤوط المتحدث باسم الحكومة المؤقتة، إن المرأة لا تستطيع أن تأخذ مكاناً ودوراً في جميع المجالات وعلى وجه الخصوص إنها لا تستطيع أن تكون مسؤولة عن وزارة الدفاع والتي يفسرها على إنها شيء خارج عن طبيعة وحقيقة المرأة، هذه الأقوال لا أساس لها ، لأن المرأة إذا أوكلت مهمة الدفاع عنها لشخص أخر فسوف تكون محكومة بجميع أنواع العبودية والتجاوزات وتدنيس لكرامتها مثلما نجد في الكثير من البلدان التي تمر بحالة الحرب فالمرأة تواجه القتل، الاغتصاب، التهجير، وجميع أنواع تدنيس الكرامة مثل ما يحدث في فلسطين، أفغانستان، الهند، أوكرانيا…إلى أخره. لذا فموضوع الحماية والدفاع عن المرأة هو موضوع مصيري.

وتتسأل هل هذه الحكومة المؤقتة يا ترى لم تقرأ عن تاريخ سوريا! فسوريا تملك تاريخ قديم ومجتمع غني، تاريخياً كانت المرأة السورية تلعب دوراً رائداً في إدارة البلاد بجميع مجالاته السياسية والعسكرية والمجتمعية مثل زنوبيا. اليوم في إقليم شمال وشرق سوريا وصلت المرأة إلى القمة خاصة في مجال الدفاع.

إن كان مستوى التقدم والديمقراطية في بلدٍ ما يقاس بمستوى تحرر المرأة فنستطيع القول بأن خطوات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا في هذا المجال تستطيع أن تكون مثالاً يحتذى به في سوريا الجديدة، لأننا كنساء نؤمن بأنه ومن منطلق ثورة المرأة نستطيع الوصول للنصر في ثورة الشعوب أجمع.

إن ما يلفت انتباه العالم في ثورة روج آفا هو وجود المرأة ودورها القيادي في جميع مجالات الثورة، وحدات حماية المرأة بقوتها العسكرية والفكرية والتنظيمية أصبحت الأمل لنساء شمال وشرق سوريا ومصدر إلهام لجميع نساء المنطقة والعالم.

ومن جهة أخرى فإن المرأة وبخصائص الطبيعية أصبحت قدوة في كافة المجالات المجتمعية إن كانت عسكرياً، سياسياً، اجتماعيا، فنياً، اقتصادياً، تعليمياً، ودفاعياً فقد أصبحت العمود الرئيسي الذي تستند عليه الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، وإلى جانب وجود المرأة في كافة المؤسسات الاجتماعية والإدارية العامة فإنها قد افتتحت مؤسسات خاصة بها وبنت الأساس لحياة حرة من كافة الجوانب.

 إن نظام الرئاسة المشتركة التي تم تطبيقه منذ بداية تأسيس الإدارة الذاتية في إقليم شمال شرق سوريا أصبحت الدرع الذي يحمي حقوق المرأة وهو ايضاً إحدى أكثر الأنظمة الديمقراطية تقدماً وتطوراً، فهذا النظام فتح الطريق أمام فرص كبيرة للمرأة بحيث تكون جنباً إلى جنب في نفس المستوى مع الرجل ليتحملوا مسؤولية هذا المجتمع سوياً، والمرأة في جميع هذه الساحات انضمت إلى هذه الحياة بألوانها الخاصة بها، وفي الوقت ذاته فتحت المجال أمام الثورة الفكرية للمجتمع، وحققت تغيير كبير وتطوراً ضمن صفوف المرأة، فالمرأة وصلت إلى قناعة تامة بقوتها الجوهرية وذلك بتحقيق الانتصارات الكبيرة في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية.

العمل المشترك للمرأة والرجل أصبح سبباً بأن يرى الرجل قوة المرأة عن قرب وأن يبدي لهذه القوة الاحترام والقيمة، وبإجراء الدورات التدريبية الفكرية الخاصة للرجال أصبحت هناك فرصة لتغيير الرجل لنفسه، وزرعت بذور الديمقراطية ضمن العائلة وقد وصلت إلى مستوى عالي في دمقرطة العائلة.

قوانين المرأة التي صدرت عن هيئة المرأة في الإدارة الذاتية قد خطت خطوات كبيرة فيما يخص المجال القانوني، وفي الوقت ذاته وضمن العقد الاجتماعي لها دور كبير كنواة للدستور الديمقراطي التي تمثل إرادة المرأة الحرة، والتي ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار عند صياغة الدستور السوري الجديد، فالمرأة المناضلة قد أضاءت طريقها ضمن مقاييس جمال وأخلاق علم المرأة، وعن طريق إحساسها وفكرها يتطور علم المرأة إلى جانب تطوير علم الحياة المشتركة، علم الأمة الديمقراطية والمجتمع الحر.

الكثير من النساء الأمميات قد لعبن دوراً في ثورة روج آفا ونالوا مرتبة الشهادة، قد ضحينا بآلاف الشهداء من كافة مكونات سوريا كضريبة غالية جداً علينا وما زلنا نضحي، زينب ساروخان، هفرين خلف، مالدا كوسا، آلينا سانشز، آنا كامبيل، إيفانا هوفمان، آيلم اتيش، هند سعدي، جيان تولهلدان، سورخوين روجهلات…. وغيرهن الكثير ، والأخيرات العضوات الثلاثة في تجمع زنوبيا للنساء في منبج قمر الإبراهيم، إيمان الأحمد وعائشة عبد القادر اللواتي تم قتلهن بأسلوب وحشي من قبل مرتزقة الاحتلال التركي، فبهذه التضحيات الغالية وصلت ثورتنا إلى هذا المستوى وجمعت النساء حول قيم ثورتنا وارتبطن فيها.

إن الانتصارات التي حققتها المرأة والنضال التي لا زالت مرتبطة به في ثورة روج آفا قد أصبح مصدراً إلهام لجميع نساء المنطقة والعالم، بهتافات "Jin Jiyan Azadî" نجد اليوم المرأة الكردية والعربية والأرمنية والتركمانية والسورية في إقليم شمال وشرق سوريا أصبحن قدوة للثورات النسوية العالمية، انتصارات المرأة هي محل فخر لكافة مكونات المجتمع السوري وعلى هذا الأساس ينبغي على الجميع حماية قيم هذه الثورة.

في البداية يجب على الحكومة المؤقتة في سوريا أن تبدي تقربات مختلفة، إن كانت محاولات سحب المرأة للقاع مثلما كان واضحاً في تصريحات عبيدة ارناؤوط تصريحات فردية ولا تمثل الحكومة المؤقتة فعليها أن تتلافى وتتراجع عن هذا الخطأ والتصريحات الفردية والشخصية، يجب عليه الاعتذار من النساء، أما إذا كانت هذه التصريحات هي وجهة نظر الحكومة المؤقتة بشكل عام فعليها أن تدرك منذ الآن أنها إدارة فاشلة، فلن يتم القبول والاعتراف بهم من قبل شعوب إقليم شمال وشرق سوريا وبمقدمتهم النساء وسيبدون نضالهم ضد هذه الذهنية، لأن شعبنا قد وصل إلى مستوى من الوعي ليدرك ما يريده ولن يتراجعوا أبداً عن ثورتهم الفكرية والشعبية التي أسست على مبادئ الحرية والمساواة.