الثامن من آذار... متى نحتفل حقاً؟

تحتاج النساء في جميع أنحاء العالم إلى إرادة سياسية جادة، إلى قوانين تحمي النساء العاملات وتضمن لهن حقوقهن، إلى دعم الحركات النسائية التي تناضل يومياً من أجل تحسين أوضاعهن،، لإحداث تغيير حقيقي والاحتفال حقاً بالثامن من آذار.

مقال بقلم الصحفية حنان حارت

 

أفتح عيني على صوت ابنتي أميرة التي تزحف نحوي في السرير، شعرها مبعثر وعيناها نصف مغمضتين، تتمدد بجانبي وتهمس بصوت ناعس "أمي، هل سنبقى في المنزل اليوم؟ لا توجد مدرسة، أليس كذلك؟".

أضمها بحنان وأبتسم "نعم، اليوم السبت، لديك عطلة".

تنظر إلي بجدية طفولية وتقول "إذا، يجب أن ترتاحي أنت أيضاً!"

أضحك وأنا أزيح الغطاء، بينما يمر في ذهني سريعاً جدول يومي المعتاد، تحضير الفطور، محاولة إقناعها بتمشيط شعرها قبل أن تذهب للعب، ثم الجلوس أمام الحاسوب لأباشر عملي عن بعد.

يومي موزع بين التقارير التي أكتبها، وواجباتي المنزلية، وطلبات أميرة التي لا تنتهي، إنه صباح مثل أي صباح آخر، رغم أنه ليس كذلك.

إنه الثامن من مارس، اليوم العالمي للمرأة، اليوم الذي وجد ليكون رمزاً للنضال، حين خرجت النساء العاملات في مصانع النسيج بنيويورك عام 1908 يطالبن بحقوقهن.

لم يكن يوماً للورود والهدايا، بل لحظة احتجاج وصوتاً ضد الظلم، واليوم، بعد أكثر من قرن، ما زالت نساء كثيرات تعشن في ظروف لا تختلف كثيراً عن تلك التي خرجت النساء للاحتجاج ضدها.

تصلني التهاني والعبارات المعتادة عن "قوة النساء" و"أهميتهن في بناء المجتمع". أبتسم بسخرية، وأتساءل: هل ستمنحني هذه العبارات بضع ساعات من الراحة؟ هل ستغير واقع النساء اللواتي التقيتهن في تقاريري؟

أتذكر عائشة، المرأة الأربعينية التي التقيتها أثناء إعداد تقرير عن النساء العاملات في الفلاحة، تستيقظ قبل الفجر، تذهب إلى الحقول لتعمل لساعات طويلة مقابل أجر لا يتعدى 50 درهما في اليوم، عندما سألتها إن كانت تحتفل بيوم المرأة، ردت بدهشة "هل هناك عيد؟ أنا أعمل فقط لأطعم أطفالي، العيد هو اليوم الذي يمكنني أن أرتاح فيه".

عائشة ليست حالة استثنائية؛ فعدد كبير من النساء العاملات في الفلاحة ما زلن تواجهن تحديات هائلة في ما يتعلق بالأجور وظروف العمل.

ثم هناك فوزية، عاملة النظافة التي تقطع مسافات طويلة يومياً في وسائل نقل مزدحمة، لتصل إلى عملها حيث تقضي ساعات في تنظيف مكاتب الآخرين، حين سألتها عن الثامن من مارس، ضحكت قائلةً "ليس لدي وقت لأفكر فيه، إنه يوم مثل أي يوم آخر، علي أن أعمل لأعيش".

صحيح أنه لا توجد أرقام رسمية حول عدد العاملات في قطاع النظافة في المغرب، لكن فوزية هي واحدة من بين العديد من النساء اللواتي يعملن في مهن تحتاج إلى المزيد من الاعتراف والاحترام.

ولا أنسى فتيحة، الأرملة التي التقيتها أثناء إعداد أحد التقارير، والتي طردت من المصنع الذي عملت فيه لسنوات دون أي تعويض، اضطرت لبيع الخبز في الأزقة، خوفاً من أن ينتهي بها الأمر بلا مأوى. كانت تقول لي بغصة "كل ما أتمناه هو ألا يسقط السقف فوق رأسي، لأنني لا أملك مكاناً آخر أذهب إليه". فتيحة تمثل العديد من النساء المغربيات اللواتي يعانين في القطاع غير المهيكل، حيث يعملن في ظروف صعبة وغير مستقرة.

تمر هذه القصص في ذهني وأنا أكتب تقريري، وأفكر: ماذا يعني الاحتفال بيوم المرأة إذا كانت عائشة وفوزية وفتيحة وغيرهن لا يشعرن بأي تغيير؟ هل يكفي أن نملأ هذا اليوم بالخطب والندوات والورود، بينما يستمر التهميش والاستغلال في حياتهن اليومية؟

الاحتفال الحقيقي بيوم المرأة لا يكون بالكلمات الرنانة، بل بتحقيق تغيير ملموس، نحن بحاجة إلى سياسات تحمي العاملات في القطاع غير المهيكل، إلى قوانين تضمن العدالة لهن، إلى اعتراف حقيقي بدور النساء في بناء المجتمع، ليس فقط بالكلام، ولكن بالأفعال.

وفي خضم هذه الأفكار، يعيدني صوت أميرة إلى الواقع، حيث أسمعها من جديد، وهي تهمس، "أمي، هل سنبقى في المنزل اليوم؟ لا توجد مدرسة، أليس كذلك؟".

هذه اللحظة البسيطة تعيد لي التوازن وسط التفكير في كل ما يمكن أن يتغير، وتمنحني إشارة واضحة، رغم كل التحديات، لا يزال هناك أمل في الأجيال المقبلة.

وبينما أتأمل في أميرة وهي جالسة على الأرض، ومنشغلة بتلوين قلب صغير على ورقة بيضاء، ترفع رأسها وتبتسم لي، تمد يدها ًوهي تقول بفخر "هذه لك، لأنك أم رائعة!"

أتأمل الخطوط البريئة التي رسمتها، وأشعر للحظة بالدفء وهي تقبل خدي، ربما لا أملك القوة لتغيير كل شيء، لكنني أريد أن أترك لها عالماً أفضل، عالماً لا تحتاج فيه طفلاتنا وفتياتنا ونساؤنا إلى يوم خاص كي يعترف بحقوقهن.

الوقت ليس في صالحنا، لا يكفي أن ننتظر عاماً بعد عام لنطرح الأسئلة ذاتها، نحن بحاجة إلى إرادة سياسية جادة، إلى قوانين تحمي النساء العاملات وتضمن لهن حقوقهن، إلى دعم الحركات النسائية التي تناضل يومياً من أجل تحسين أوضاعهن، إن كان هناك ما يجب أن نحتفل به، فهو قدرتنا على إحداث التغيير، عندها فقط، يمكننا القول إننا نحتفل حقاً.