"القتيلة 232"... رواية حول كارثة انفجار مرفأ بيروت تصور حياة نساء مهمشات

مع اقتراب ذكرى انفجار مرفأ بيروت الكارثي في 4 آب/أغسطس، جسدت الكاتبة اللبنانية جمانة حداد واقع النساء المهمشات وقضايا المجتمع في الساعة الأخيرة قبل الانفجار في روايتها "القتيلة 232".

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ تحت عنوان "دعوة ووداع" نظمت مكتبة أنطوان فرع أسواق بيروت أمس الخميس 28 تموز/يوليو، لقاء ثقافي أدبي شمل حفل توقيع كتابين هما كتاب "البلاد" للكاتب والشاعر عقل العويط وكتاب "القتيلة 232" للناشطة النسوية جمانة حداد.

على الرغم من ابتكار العديد من الفنانين لوسائل بصرية وصوتية من مقاطع فيديو وتسجيلات وأغانٍ وعروض فنية، عن انفجار مرفأ بيروت، إلا أنه لم تصدر أي رواية توثق هذه الذكرى الأليمة، لكن الكاتبة اللبنانية جمانة حداد تجرأت وبادرت لتقدم رواية عرضت فيها حياة أربع نساء مهمشات وقضايا المجتمع وذلك في الساعة الأخيرة قبل هذا الانفجار.

 

الساعة الأخيرة

في الساعة الأخيرة قبيل الانفجار الكارثي، تستذكر الكاتبة جمانة حداد قصص نساء، في حبكة الرواية بلغة جريئة وصادمة، وتمحورت القصة حول البطلتين الرئيسيتين هما هند (عباس) وميشا، ثم الشخصيات الثانوية، السورية ريهام والإثيوبية تيغيست، والأخريات إنعام والدة هند، سهيلة عمة هند، وأخوات هند وفاء والتوءم نبيلة وناديا، بالإضافة إلى ملاحظات الكاتبة التي وضعت في نهاية كل دقيقة من الساعة التي سبقت الانفجار كعصارة فكرية مميزة، شرّحت فيها الأحداث وأعطتها بعد أخلاقي ومجتمعي وثوري.

وبينما تدخل في تفاصيل حياة وشخصية ومعاناة كل من ميشا وهند، تتطرق إلى حياة البطلتين ريهام اللاجئة والعاملة المنزلية المهمشة تيغيست على الهامش، لتكتمل أواصر صداقة أربع نساء في تسلسل تاريخي منذ ثورة 17 تشرين الأول/نوفمبر 2019 وحتى لحظة الانفجار في الساعة السادسة وثماني دقيقة و18 ثانية والذي تنتهي فيه القصة، واشتركت هذه النساء بالعديد من الأشياء التي تعاني منها النساء في العالم العربي ولا سيما لبنان، ومنها المعاناة والتمييز الجندري والتنمر والظلم والعنف المبني على النوع الاجتماعي، وغيرها.

ويعود اسم الرواية "القتيلة 232" إلى تقارير أكدت أن عدد الضحايا في الانفجار الكارثي هو 231، كانت آخرهن "القتيلة 232" العشرينية ريتا أنطوان حرديني في 26 آذار/مارس 2022، بعد معاناتها فترة طويلة من جروح وآلام مبرحة ناتجة عن الانفجار وبقائها لمدة سنة وثمانية أشهر تقريباً على أجهزة التنفس الاصطناعي.

وكانت جمانة حداد بداية قد اختارت اسماً آخر للرواية هو "المسلخ"، في إشارة لاسم الحي (وهو حي حقيقي في منطقة الكرنتينا المواجهة للمرفأ، واحد أكثر الأحياء تضرراً من الانفجار) ولهذا الحي قصة رمزية مع الكاتبة من الطفولة، حيث اقتحم أحد القناصين منزلهم وهي لا تزال طفلة في السادسة من عمرها، وبدأ بإطلاق النار على الحي الذي كان يقطنه الفلسطينيون وفقاً لما سمعته صدفة من والديها.

وعن انفجار 4 آب، الذي شهدته الكاتبة وظنته قصفاً ليتبين أنه انفجار تسبب بهدم وتخريب ودمار أكثر من 50 بالمئة من العاصمة بيروت، ووصلت أصداء الانفجار إلى ضواحٍ بعيدة عن العاصمة والقرى المجاورة، توضح الكاتبة قيامها بالتركيز على فعل "الكنس" إثر الانفجار والذي وصفته بأنها "لا تعرف ما إذا كانت تكنس الزجاج أم غبار روحها أم طعم الموت على لسانها، لكنها كانت طريقتها لتحتمل هول ما حدث، كيلا ينفجر شيء ما داخلها، ويرديها، ولاحقاً عندما أمسك الجميع مكانسهم ونزلوا إلى الشوارع، فاكتشفت أن الكنس كان لها ولأهل المدينة غريزة بقاء، الفعل في مواجهة الشعور، بل الفعل ضد الشعور".

وتشرح جمانة حداد كيف استكملت الرواية التي وصفتها بـ "المبتورة" بسبب الانفجار بعد نجاة كمبيوترها المحمول، لتحاول استكمال حكاية هند، وبعد ساعات وأيام طويلة في "طقس يومي" كما وصفته ولفترة حوالي السنتين، أمضتهما تحدق وتنظر في الفقرة الأخيرة التي كتبتها وتنتظر، ولا تعرف ماذا تنتظر، ربما إشارة من البطلة الرئيسية هند التي شبهتها بالجزء الذي مات فيها ومنها ساعة الانفجار، والذي لن يعود للحياة بعد الآن، لا إعادة الإعمار، ولا أسطورة طائر الفينيق الممجوجة ولا كليشيه اللبناني الصامد.

وبعد سنة وثمانية شهور من الانفجار، أعادت الكاتبة توزيع المقاطع بتصور جديد، دقيقة بدقيقة وفقاً لسياق الساعة الأخيرة قبل الانفجار، وكتبت "ليكملها كل من القراء على مزاج خيالهم"، لتخلص إلى أن "جميعنا نولد مبتورات ومبتورين، وأن جوهر الحياة، جوهرنا نحن، جميعنا نولد وموتنا فينا، يدق، يدق، كمثل قنبلة موقوتة، كمثل نيترات الأمونيوم (التي تسببت بالانفجار الكارثي في 4 آب)".

 

 

معاناة غير ظاهرة

وقالت كاتبة الرواية جمانة حداد لوكالتنا "كنت أكتب هذه الرواية وحصل الانفجار الكارثي، والذي تسبب بوفاة بطلة الرواية هند، واكتشفت أن هذه الشخصية وإن كانت غير حقيقية، ترمز لي وإلى جزء داخلي وداخل الكثير من الناس الذين مات داخلهم جزءاً يوم الانفجار، فمثلما توقفت حياة الكثير من اللبنانيين بسبب انفجار 4 آب توقفت الكثير من الأمور ومنها الروايات وهذه المكتبة التي ستقفل هذا الفرع، فهناك معاناة غير ظاهرة أحببت أن أنقلها، وعلى الرغم من أن هذه الشخصية خيالية إلا أنها ترتبط بالواقع".

وأوضحت أن "هناك أكثر من رسالة أرادت جمانة حداد إيصالها للمجتمع، منها الظلم الذي تتعرض له المرأة بسبب بطش الرجل، عدم قبول الاختلاف في المجتمع وكيفية قبوله، وقصص حزينة تتعلق بالمجتمع، ولا يقوم المجتمع بمناقشتها أو التطرق إليها".

 

الحركة الثقافية في لبنان

أما الممثلة جوليا قصّار فقالت "بسبب الجائحة، كنا ولا زلنا لا نشارك وننفتح على العالم والمجتمع، ونأمل أن تستمر الحركة الثقافية في لبنان من مسارح ومعارض وسينما ومهرجانات، فهناك عطش كبير لمثل هذه النشاطات، والناس أصبحت تحب اللقاء حول كتاب ودواوين شعر ومسرح وغيرها، وبيروت لن تموت".