سد تشرين... أحد أهم السدود في الشرق الأوسط يتعرض لهجمات الاحتلال التركي

سد تشرين الذي يعد من أهم السدود في الشرق الأوسط والذي كان بإمكانه تغيير موازين القوى المقاتلة على الأرض، أصبح الآن مهدداً بالتدمير وإخراجه عن الخدمة في ظل هجمات الاحتلال التركي.

سوركل شيخو

سد تشرين ـ سد تشرين ليس مجرد بنية تحتية حيوية فحسب، بل أداة سياسية واقتصادية يمكنها تغيير موازين القوى في المنطقة، وفي الوقت نفسه، يمكن أن يكون له جانب استراتيجي في نزاعات الموارد المائية مع الدول المجاورة والتأثير على إدارة الموارد المائية في سوريا.

يقع سد تشرين على نهر الفرات، على بعد نحو 115 كيلومتراً شرق مدينة حلب، ويبعد 80 كيلومتراً عن الحدود التركية، و30 كيلومتراً عن مدينة منبج، وهو محطة كهرومائية تنتج حوالي 630 ميغاواط من الكهرباء وتزود مقاطعات الجزيرة والرقة والطبقة وحلب، بالإضافة إلى أنه يساعد على ري الحقول الزراعية المحيطة به.

كما أنه يزيد من الإنتاج الزراعي ويساهم في تنظيم تدفق المياه، بما يقلل من مخاطر الفيضانات، ويقع السد في منطقة مهمة تسيطر على الممرات المائية الاستراتيجية.

توفر المحطة الكهرومائية كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية سنوياً، وهذا يساعد على تلبية احتياجات المنطقة ويعطي السد دوراً مهماً في زيادة استقلال سوريا في مجال الطاقة، كما أن مساهمته في مساعدة التنمية الاقتصادية الإقليمية والوطنية مهمة أيضاً.

 

أهم سد في الشرق الأوسط!

ويعد سد الفرات أكبر وأهم سد في الشرق الأوسط، يليه سد تشرين، وكلاهما يشكلان موارد ومصادر عظيمة لتوفير كافة احتياجات إقليم شمال وشرق سوريا، فقد بدأت الأبحاث لتحديد موقع سد تشرين للمرة الثانية عام 1985 بالتعاون بين الشركة العامة لسد الفرات ومعهد المشاريع المائية السوفييتية، وتم اختيار الموقع الحالي للسد.

ويوجد خلف هذه المنشأة بحيرة كبيرة تبلغ سعتها التخزينية حوالي ملياري متر مكعب، وهي من أكبر البحيرات الصناعية، مساحتها 160 كيلومتر مربعاً، وبفضل سد تشرين تعتبر هذه البحيرة أكبر محطة كهرومائية في سوريا، بالإضافة إلى توفير مياه الري للحقول الزراعية المحيطة بها وتعتبر مصدر مهم للسياحة، ويُعتبر سد تشرين مركز اقتصادي للشعب السوري، كما يوجد حوله أكثر من 100 قرية يعيش فيها الكرد والعرب.

 

سد تشرين والأزمة السورية

شهد سد تشرين أصعب مراحله مع بداية الثورة السورية، أي بداية الصراع والأزمة في سوريا، وما زال يمر بها، وقد تركت هذه الحرب آثارها على جدرانه ولم يعد مجرد مشروع هندسي فحسب، بل تحول إلى ميدان للصراع العسكري والتفاهم السياسي.

وبعد حصار دام 5 أيام، تمكن مرتزقة الجيش الحر من السيطرة على المنازل الواقعة بجوار سد تشرين ومكتب الاتصالات والبريد ودائرة الخدمات ومراكز الشرطة في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، ثم قاموا بالسيطرة على سد تشرين الاستراتيجي في تلك المنطقة، وبعد عامين، وهذه المرة في 15 أيار/مايو 2014، سيطرت داعش على السد، وتعرضت حينها 7 قرى بريف حلب الشرقي للفيضانات جراء المعارك الدامية.

يومها ارتفعت أصوات التحذير من انهيار سد تشرين، المصدر الحيوي للطاقة والمياه والمتحكم الرئيسي في الأمن الغذائي في المنطقة الشرقية برمتها، لكن في 26 كانون الأول/ديسمبر 2015، حررت قوات سوريا الديمقراطية سد تشرين من مرتزقة داعش.

 

هجوم جديد لفتح باب احتلال واسع

وفي نفس الشهر، وبعد 9 سنوات، حاولت الدولة التركية مرة أخرى احتلال سد تشرين براً وجواً منذ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، ومن هناك فتح الباب لاحتلال كوباني والرقة والجزيرة، إلا أنها تواجه مقاومة لا مثيل لها من قبل مقاتلين وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة والأهالي الذين يقاومون بروح حرب الشعب الثورية على السد منذ أكثر من شهرين.

 

توجه الأهالي إلى السد لمواجهة المخاطر الكبيرة

يوفر سد تشرين المياه لخمسة ملايين شخص، وأيضا لـ 200 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، وقد حذرت هيئة الطاقة من أن انهيار السد سيحرم المناطق المجاورة له من المياه ويفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة بسبب هجمات الدولة التركية.

ومن أجل حماية سد تشرين من الانهيار ومنع تعرضه للقصف التركي، قررت مختلف مكونات إقليم شمال وشرق سوريا التوجه إلى سد تشرين على شكل قوافل، ففي 8 من كانون الثاني/يناير الماضي توجهت أول قافلة مدنية من مدينة كوباني، ضمت آلاف المواطنين من إقليم شمال وشرق سوريا، نحو سد تشرين، وقد أكملت المقاومة التي بدأت في الثامن من كانون الثاني/يناير شهرها الثاني.

 

المجازر وجرائم الحرب

ارتكبت الاحتلال التركي خلال الشهر الأول العديد من المجازر بحق قوافل المدنيين، وكان أولها في لحظة وصول قافلة المدنيين باستخدام الطائرات الحربية ومسيراتها أثناء توجههم إلى السد، حيث فقد ستة أشخاص حياتهم من بينهم امرأتين هم زوزان حمو، إدارية بتجمع نساء زنوبيا في الرقة كرم أحمد الشهاب، آزاد فرحان، مصطفى عبدي، عثمان إبراهيم، علي عباس شاشو.

وفي 15 كانون الثاني/يناير الماضي، وقعت المجزرة الثانية التي راح ضحيتها الطالبة في جامعة روج آفا رونيزا محمد علي، ومن عمال القطاع الصحي عمر حسن، وعثمان إبراهيم، بالإضافة إلى الزوجين هيزا محمد وأدهم مصطفى، وفي اليوم التالي نتيجة استهداف القافلة المدنية، فقد محمد قاسمو حياته، كما فقد كل من ماهر جعفر ومحمد حسو حياتهما في 17 كانون الثاني/يناير.

وفي اليوم التالي وإثر قصف المدنيين المناوبين على سد تشرين فقد كل من الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) في مدينة قامشلو منيجة حيدر، وأكرم شيخموس، والرياضي كيفو عثمان، وعضو مجلس مدينة قامشلو مظفر رمضان، والفنان المسرحي الكردستاني جمعة إبراهيم خليل (بافي طيار) حياتهم.

وفي 21 كانون الثاني/يناير، فقدت خزنة عبدي ومحيي الدين حسين عمر حياتهما، وفي اليوم التالي، فقد محمد شفيق إسماعيل حياته في الهجمات على السد، وفي الـ 25 من الشهر ذاته فقد محمد خليل حمو حياته، وبتاريخ 26 كانون الثاني/يناير، قصفت طائرات الاستطلاع التابعة للاحتلال التركي المدنيين الذين كانوا يحتجون على سد تشرين، وأصيب على إثرها أكثر من 34 مدنياً بجروح خطيرة.

وفي غضون شهر واحد فقط، فقد 24 شخصاً حياتهم، وأصيب أكثر من 270 شخصاً على سد تشرين، ومن بين هؤلاء المصابين 8 صحفيين، وفي الشهر الماضي أيضاً، واصلت هجمات الاحتلال التركي استهداف قافلة المدنيين، بتاريخ 15 شباط/فبراير، تم استهداف الصحفي عكيد روج من قبل طائرة مسيّرة تابعة للاحتلال التركي وفقد حياته على إثر ذلك.

وبالعودة إلى العام الماضي وتحديداً في 19 كانون الأول/ديسمبر 2024، قامت الاحتلال التركي باستهداف الصحفيين جيهان بلكين وناظم دشتان عبر مسيّرات حربية تابعها لها بين سد تشرين وجسر قرقوزاق ما أدى إلى استشهادهما.

لذلك، وبسبب تقديم الأهالي الكثير من التضحيات في سبيل حماية سد تشرين، أطلقوا عليه اسم سد الشهداء، وقد ارتكبت الاحتلال التركي على هذا السد العديد من المجازر وجرائم الحرب التي تحرمها القوانين الدولية، وقد وثقت هذه المجازر ونشرتها عبر صفحاتها.