المرأة السورية في الساحل... نزيف الجراح في معركة لم تخترها
الدم السوري ليس سلعةً في أسواق السياسة، والمرأة السورية ليست رقماً في سجل الضحايا، بل هي شعلة لا تنطفئ، تنير درب العدل مهما طال ظلام الظلم.

بقلم أفيندار مصطفى
على امتداد الساحل السوري، حيث تلتقي أمواج البحر بزفرات الألم، تدفع النساء ثمناً فادحاً لمعركة لم تكن طرفاً في إشعالها. هناك، بين البيوت المكدسة على التلال والطرقات الضيقة، تسير النساء بخطى مثقلة بعبء الحزن، يحملن فوق أكتافهن ذكريات الفقد وأعباء الحياة التي ازدادت قسوة.
إنهن أمهات دفنّ أبناءهن تحت التراب قبل الأوان، زوجات ودّعن أزواجهن الذين لم يعودوا، وبنات تربين في ظل الخوف والرعب. كثيرات منهن كنّ ضحايا العنف المباشر؛ تعرضن للتنكيل، للقتل بدم بارد، للسبي كأنهن متاع يُتداول بين أيدي تجّار الموت، ولم يكن ذلك سوى استكمالٍ لسلسلة من الانتهاكات استترت خلف ستار الطائفية، تلك الحجة التي لطالما كانت سلاحاً في يد من لا يتقن سوى إشعال الحرائق في أرواح الأبرياء.
في هذه المعمعة، تُعامل المرأة وكأنها مسؤولة عن هوية لم تخترها، عن انتماء وُلدت فيه دون إرادتها. فتدفع حياتها ثمن صراعات يحركها آخرون يجلسون خلف مكاتبهم في عواصم بعيدة، يتقاسمون النفوذ على رقعة شطرنجٍ من لحم ودم. هذه الأيادي الخارجية، التي تتلاعب بمصير البلاد، تجعل من سوريا ساحةً مفتوحة لتصفية الحسابات، حيث تصبح الأرواح مجرد أرقام، وتُختزل معاناة النساء في خبرٍ عابر على نشرات الأخبار.
المرأة السورية على الساحل ليست فقط ضحية، بل هي أيضاً رمزٌ للصمود. وسط هذا النزيف المستمر، تنهض من بين الركام لتعيد بناء ما تهدّم، تُنبت الأمل في أرضٍ ظنّها البعض قد صارت بوراً. تُربّي أبناءها على رفض العنف رغم أنها ذاقت مرارته، وتتمسك بإنسانيتها في وجه محاولات مسخ الهوية وتدمير الروح.
إن ما يحدث على الساحل السوري ليس مجرد حرب بالأسلحة، بل معركة شرسة على القيم الإنسانية ذاتها. والنساء هناك، وهن يواصلن الحياة رغم كل ما فُرض عليهن، يحملن رسالة بليغة: أن الدم السوري ليس سلعةً في أسواق السياسة، وأن المرأة السورية ليست رقماً في سجل الضحايا، بل هي شعلة لا تنطفئ، تنير درب العدل مهما طال ظلام الظلم.