النساء المنكوبات بالزلزال تكافحن في ظل فقر مدقع

في الوقت الذي تنعى فيه النساء في منطقة الزلزال مفقوديهن وخسائرهن، فإنهن تكافحن في فقر مدقع، حيث تعشن كابوساً لا ينتهي منذ 6 شباط/فبراير 2023، مشيرات إلى أن المساعدات انقطعت عنهن.

مدينة مامد أوغلو

سمسور/مرعش ـ جلبت الزلازل التي ضربت تركيا واحداً تلو الآخر، إلى جانب تأثير جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية، البطالة والفقر المدقع، كما أن الناس الذين اضطروا للعيش في مبانٍ غير آمنة واجهوا الدمار وفقدوا أحباءهم بين عشية وضحاها ودّعوا منازلهم وعملهم ووظائفهم، والحياة التي بنوها لأنفسهم.

كان على النساء اللواتي أجبرن أصلاً على تحمل أعباء الحياة، أن يتكيفن مع الفقر الذي تفاقم بعد الزلزال، وأكثر ما عانت منه النساء ارتفاع معدل البطالة في صفوفهن بسرعة في منطقة الزلزال، كما أظهرت الدراسات أن النساء تعملن بشكل غير رسمي وغير مستقر، فوفقاً لبيانات إدارة أبحاث العمل التابعة لاتحاد DİSK Genel-İş؛ فإن 8 من كل 10 نساء عاطلات عن العمل في تركيا هن من ضحايا الزلزال ويعشن في منطقته.

 

كانت تفكر لأشهر في الخبز الذي ستطعمه لأطفالها

وعن تجارب ضحايا الزلزال من مدينتي سمسور ومرعش، لم تتمكن سونغول فرات، التي عملت خياطة في سمسور لسنوات، من العمل لفترة طويلة بعد الزلزال، حيث بات جُلّ تفكيرها بعد أن فقدت منزلها واضطرت إلى الهجرة لأنها لم تستطع كسب لقمة العيش، في الخبز الذي ستطعمه لأطفالها لأشهر.

 سونغول فرات، التي حوّلت جزءاً من منزلها إلى متجر وعملت بعد عودتها من خارج المدينة، كونها واحدة من النساء العاملات في التجارة، تحاول البقاء على قيد الحياة رغم كل التحديات والعقبات، مشيرةً إلى أنها تعاني من الفقر منذ عامين، لافتةً إلى أن هناك الآلاف من النساء اللواتي حالتهن أسوأ بكثير من حالتها، موضحةً أن النساء هن الأكثر معاناة من الناحية المادية في العامين الماضيين، مطالبةً بتكثيف الجهود المبذولة في مجال توظيف النساء في منطقة الزلزال.

 

"النساء تعملن في وظائف مؤقتة"

وذكرت سونغول فرات أنهم كانوا يمرون بأوقات عصيبة "كنا نعمل في ظل ظروف صعبة للغاية قبل الزلزال، فلم تكن أديامان مدينة ذات اقتصاد جيد للغاية، لقد أرهقتنا كارثة الزلزال كثيراً في هذه العملية، خلال هذه الفترة، كان من الصعب جداً بالنسبة لنا الوصول إلى الخيمة، فنصبنا خيمة بإمكانياتنا الخاصة، وبقي 20 شخصاً منا في تلك الخيمة، وكانت كل منطقة تعاني مشكلة مختلفة في ذلك الوقت".

وأضافت "كنت أعمل في الخياطة قبل الزلزال واضطررت إلى إغلاق متجري في ذلك الوقت، والآن ما زلنا في وضع سيء، وبعد الزلزال، للأسف يواجه الناس صعوبة في العثور على عمل، على النساء أن يعملن في كل المجالات لرعاية أنفسهن وأطفالهن، ومن الناحية الاقتصادية، تواجهنّ جميع أنواع الصعوبات، لا تستطيع النساء العثور على وظائف، والوظائف التي يجدنها مؤقتة للأسف".

 

"أحاول البقاء على قيد الحياة"

ولفتت سونغول فرات إلى أن النساء مضطرات للعمل أكثر في مناطق الزلزال بسبب الأزمة الاقتصادية، "نحن نعلم أن الوضع سيكون أسوأ إذا لم نعمل، في الوقت الحالي، متجري ومنزلي في ذات المكان، نحاول ألا نكون عالة على أحد، فارتفاع الأسعار يجعل حياتنا الصعبة أكثر صعوبة، لم نتلقَ أي دعم كصاحبات متاجر منذ وقوع الزلزال، وفي هذه المرحلة، يجب أن تتلقى صاحبات المتاجر المزيد من الدعم، يجب أن أعمل لكسب لقمة العيش في الوقت الحالي، أحاول البقاء على قيد الحياة بوسائلي الخاصة". 

 

"نحن في وضع سيء للغاية في الغراف"

في ظل هذا الفقر، تنتظر النساء أيضاً الانتقال إلى منازلهن التي لم يتم تسليمها بعد، وقد تم تحويل غرف مسبقة الصنع، التي كانت مراكز إقامة مؤقتة للنساء، إلى مساكن دائمة، وتعيش النساء مع عائلاتهن منذ عامين في مساحة 20 متراً مربعاً مكونة من غرفة ومطبخ وحمام، ولا يوجد أي نظام في هذه المساكن.

حليمة ميرك وعائشة أكبينار، من ضحايا زلزال مرعش، من بين أولئك الذين ينتظرون الانتقال إلى منازلهم، حيث قالت حليمة ميرك إن الغراف التي مكثت فيها لم تكن جيدة لها أو لأطفالها، "مكثنا في خيمة لمدة أسبوع خلال تلك الفترة، مرضت أنا وطفلي بسبب البرد، كما أصبحت مضطرة لغسيل الكلى، لم يتم بناء منزلنا بعد، دخلنا في مرحلة التحويل في الموقع، لن يتم بناؤه إلا بعد عام، نحن في وضع سيئ للغاية في تلك الغراف، يتأزم مرضي أكثر هنا، نحن هنا منذ عام تقريباً، لسوء الحظ، لم تلتئم جراحنا، نشعر باستمرار بالحزن، أتمنى أن يتم بناء منازلنا في أقرب وقت ممكن".

 

"لقد تعمق هذا الجرح أكثر خلال عامين"

بدورها قالت عائشة أكبينار، التي فقدت أطفالها الثلاثة في الزلزال، إنه من الصعب عليها العودة إلى منزلها مرة أخرى، لذا فهي مضطرة للبقاء في مدينة غرف مسبقة الصنع، كما أنه من الصعب عليهم الوصول إلى النظافة والصحة في مدينة الحاويات وأن الجو بارد في أشهر الشتاء، مشيرةً إلى أنه لا توجد حتى مساحة لأطفالهم للعب، لافتةً إلى أنها تريد الانتقال إلى منزل في منطقة أخرى غير المنطقة التي فقد فيها أطفالها حياتهم "هذا المكان ليس كالمنزل، لا نعرف ماذا وكيف نعيش منذ عامين، يسمونه جرحاً، لكن هذا الجرح ازداد عمقاً خلال عامين، لا يوجد مكان للطبخ أو الراحة، منطقة التجمع مزدحمة دائماً، هناك نساء هنا، نتبادل أطراف الحديث، وهذا هو الشيء الوحيد الجيد بالنسبة لي، لكننا لا نملك القوة للبقاء هنا لعام آخر، كان على أطفالنا أن يكبروا في هذه المنطقة، لقد تأثرنا جميعاً بهذه العملية".

 

من الصعب جداً الوصول إلى احتياجاتهم

إن وضع النساء اللاجئات أكثر سوءاً مما يُعتقد، فاللاجئات اللواتي لم تحصلن على مواد إغاثية أو خيام بسبب العنصرية المتزايدة في المنطقة، تعشن في أكواخ بنينها بإمكانياتهن الخاصة لفترة طويلة، وتفسر اللاجئات المقيمات في مدينة الغراف منذ فترة طويلة كغيرهن من ضحايا الزلزال حياتهن بعد الزلزال بعبارة "نحن في مساحة ضيقة".

تعيش ميساء شيخ مصطفى في البستان بشمال كردستان منذ 9 سنوات، وتروي أنها بقيت في العراء بجوار النار في طقس بارد لأيام مع زوجها وطفليها بعد أن علقوا في الزلزال، مشيرةً إلى أن الحياة في مدينة الغراف صعبة عليها وعلى أطفالها، حيث أنهم بالكاد يستطيعون الحصول على احتياجاتهم الأساسية.

 

"المشكلة الأكثر تحدياً هي الفقر"

وقالت ميساء شيخ مصطفى "بطريقة ما نجونا من الزلزال، كان الأمر صعباً للغاية، لا يوجد منزل ولا سيارة ولا مكان نذهب إليه "لا يمكننا القول إننا نجونا من تلك الكارثة، لكننا أفضل من اليوم الأول، نعاني صعوبات اقتصادية هنا، لا يمكنني الوصول لا إلى مرافق النظافة ولا المرافق الصحية، أطفالي يحصلون على القليل من الحفاضات".

وأضافت "مرة أخرى، انخفضت المساعدات كثيراً، بعد أن كانت تعطى مرة كل شهرين، الآن لا توجد مساعدات، لم ننسَ ذلك الزلزال أبداً، فكلما تساقطت الثلوج أتذكر السادس من شباط، ليس لدينا أي شيء هنا، والمشكلة الأصعب هي الفقر وعدم القدرة على كسب الرزق".

وأوضحت "يجب أن أربي أطفالي في منطقة صغيرة، لا يمكنهم الخروج أو رؤية أحد، إنهم يكبرون في هذه الملاجئ منذ عامين، وأنا في هذه الدائرة منذ 9 سنوات، إن التشرد في ظل هذه الصعوبات يزيد من مشاكلنا أكثر، لقد كان هذا المكان بمثابة منزلي، لكنه لم يكن منزلاً أبداً، إنه منزل اضطراري".