النساء الكرديات والتغيرات المناخية... ضحايا صامتات أم صانعات للتغيير؟

رغم الضغوط المتزايدة الناجمة عن تغير المناخ، أثبتت النساء الكرديات شجاعتهن في التصدي لها، بفضل مهاراتهن وإبداعهن، ومبادراتهن التي تساهم في الحد من آثار التغيرات المناخية وإعادة تأهيل البيئة.

أورمية ـ تؤثر التغيرات المناخية بشكل غير متكافئ على النساء، خاصةً في المناطق الريفية والنامية، حيث تعتمد حياتهن اليومية بشكل أساسي على الموارد الطبيعية، ويؤدي الجفاف، والطقس غير المنتظم إلى زيادة العبء عليهن لتجدن أنفسهن في مواجهة تحديات تهدد معيشتهن وصحتهن الجسدية والنفسية.

يُعد تغير المناخ أزمة عالمية تؤثر على حياة البشر في جميع أنحاء العالم، ولكن النساء خاصة في المجتمعات المحلية وغير المتطورة مثل كردستان، تتحملن عبئاً غير متناسب لهذه الأزمة، ومع ذلك فإن هؤلاء النساء لسن مجرد ضحايا صامتات، بل يتم الاعتراف بهن كمحركات للتغيير ورواد في حماية البيئة، وذلك من خلال معرفتهن التقليدية وابتكاراتهن، يركز هذا التقرير على مجتمعات كردستان، ويستكشف تأثيرات تغير المناخ على حياة النساء ودورهن في مواجهة هذا التحدي.

 

التاريخ... النساء والطبيعة ارتباط قديم

ولعبت النساء في مجتمعات كردستان منذ القدم دوراً محورياً في إدارة الموارد الطبيعية، حيث كن جامعات للمياه، ومزارعات، وحارسات للماشية، واعتمدن على معارفهن التقليدية للحفاظ على توازن النظم البيئية المحلية، في الثقافة الكردية، ولم يكن دورهن مقتصراً على توفير الاحتياجات الأساسية للأسرة فحسب، بل أستخدمن أساليب مستدامة لمنع تدهور الموارد الطبيعية، على سبيل المثال في المناطق الريفية من كردستان، كانت النساء تعتمدن تقنيات الري والزراعة التقليدية للحفاظ على خصوبة الأراضي.

 

تأثيرات تغير المناخ على النساء

ويترك تغير المناخ تأثيرات غير متكافئة على النساء، خاصةً في المناطق غير المتطورة حيث الوصول إلى الموارد محدود، نظراً لدورهن التقليدي في توفير المياه والطعام والوقود، تجدن أنفسهن في الصف الأول لمواجهة تداعيات هذه الأزمة.

ومن أبرز التأثيرات، ندرة المياه وزيادة الأعباء اليومية في القرى، حيث تتولى النساء عادة مسؤولية جمع المياه ومع تفاقم الجفاف، ازدادت المسافات التي يجب قطعها للحصول على المياه، وفي كردستان، ارتفعت ساعات الحصول على المياه بشكل كبير خلال العقد الأخير نتيجة لتراجع الموارد المائية مقارنة بالماضي، عندما كان الوصول إلى المياه أكثر سهولة.

تهديد سبل العيش، تعتمد العديد من النساء في كردستان على الزراعة كمصدر للرزق، إلا أن تغير المناخ بما في ذلك تآكل التربة وعدم انتظام أنماط الطقس، أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي، مما أضر بمعيشة الأسر التي تعتمد بشكل كبير على عمل النساء في هذا القطاع. هذه التأثيرات لا تهدد فقط الصحة الجسدية والعقلية للنساء، بل تحد أيضاً من قدرتهن على دعم أسرهن ومجتمعاتهن، مما يجعلهن عالقات في دائرة من الفقر والهشاشة الاجتماعية.

 

دور النساء في حماية البيئة

رغم التحديات الكبيرة، أثبتت النساء في كردستان قدرتهن على التحول من ضحايا سلبيات إلى فاعلات في التغيير، من خلال الجمع بين المعرفة التقليدية والابتكارات الحديثة، وقدمن حلولاً مستدامة لمواجهة التغيرات المناخية، ومن أبرز جهودهن حملات التشجير، خاصة التي تقام في روج آفا بإقليم شمال شرق سوريا، حيث تتولى النساء قيادة حملة "لنجعل روج آفا خضراء مجدداً"، وقمن بزراعة أكثر من 100 ألف شجرة لإعادة إحياء الأراضي المتدهورة، هذا المشروع لم يساهم فقط في إعادة تأهيل النظم البيئية، بل مكّن النساء من المشاركة الفعلية في القرارات البيئية، ليصبح نموذجاً يحتذى به في كردستان والمنطقة والعالم.

التعليم والتوعية، في مدن  شرق كردستان، مثل سنه، مريوان، ومهاباد، تعمل النساء على تثقيف الأجيال الناشئة والمجتمعات المحلية حول أهمية حماية البيئة، حيث تنظم النساء ورش عمل في المدارس لتعليم الأطفال كيفية إعادة التدوير وتقليل استهلاك البلاستيك، ما يعزز ثقافة الاستدامة.

إطفاء حرائق الغابات،  في السنوات الأخيرة، انضمت النساء الكرديات إلى فرق إطفاء حرائق الغابات في جبال زاغروس، هذه الفرق التي تعمل تطوعاً وبأدوات بسيطة، تخوض ظروفاً خطيرة لإنقاذ الغابات من الحرائق الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

حملات تنظيف البيئة، في مدن مثل سنه، مهاباد، وأورمية، تقود مجموعات نسائية حملات تنظيف المناطق الطبيعية، حيث تجمعن النفايات البلاستيكية والمخلفات الأخرى من الجبال والأنهار، مساهمات بذلك في الحفاظ على نقاء البيئة. هذه المبادرات تؤكد أن النساء، بفضل مهاراتهن وإبداعهن، يمكنهن لعب دور محوري في الحد من آثار تغير المناخ وإعادة تأهيل البيئة.

 

التحديات والعقبات التي يجب إزالتها

وعلى الرغم من الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها المرأة، إلا أن هناك العديد من العوائق التي تحد من مشاركتها  مثل عدم المساواة بين الجنسين في كردستان، والذي أدى عدم تكافؤ فرص حصول المرأة على الموارد المالية والأراضي والتعليم إلى الحد من قدرتها على تنفيذ مشاريع أكبر، ونادراً ما تعمل النساء في كردستان في وظائف رسمية، وهو قيد يحد من تأثيرهن.

انعدام الأمن السياسي، حيث شكّل الوضع الأمني ​​في إيران، وخاصةً بالنسبة للنساء، خطراً على نشاط المرأة البيئي نظراً لدورها الرائد في الانتفاضة الشعبية في السنوات الأخيرة، حيث أقدمت قوات الأمن في الجمهورية الإسلامية  على اعتقال العديد من الناشطات، إضافة إلى الفقر الاقتصادي  حيث يعيش عدد كبير من سكان شرق كردستان الآن تحت خط الفقر، وغالباً ما تفتقر النساء إلى التمويل الكافي لتطوير مشاريعهن، هذا الوضع يُصعّب تنفيذ مشاريع أكبر وأكثر استدامة .

 

الحلول

ولتعزيز دور النساء في مواجهة تغير المناخ، يتم اقتراح الإجراءات العملية من بينها إضفاء الطابع الديمقراطي، لكي تلعب النساء دوراً أكثر فاعلية في مكافحة تغير المناخ، لذلك من الضروري توفير بيئة سياسية واجتماعية ديمقراطية في دول مثل إيران، حيث القيود السياسية وانعدام الأمن الاجتماعي تحد من أنشطة النساء،  لذلك تعتبر الإصلاحات الهيكلية ضرورية لضمان أمنهن ومشاركتهن المتساوية في المشاريع البيئية.

الدعم المالي الدولي، يمكن للمنظمات العالمية تعزيز تأثير النساء من خلال تقديم تمويل مخصص للمشاريع التي تقودها النساء، على سبيل المثال يمكن أن يخصص صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة موارد مالية لهذه مبادرات التعليم والتمكين، وعقد ورش عمل تدريبية حول الزراعة المستدامة، وإدارة المياه والطاقة المتجددة والذي سيؤهل النساء لمشاركة أكثر فعالية في الحلول البيئية.

إن النساء في المجتمعات مثل كردستان لسن مجرد ضحايا صامتات لتغير المناخ، بل عوامل تغيير محتملات، ومن خلال المعرفة التقليدية والخبرة والابتكار، تقدمن حلولًا مستدامة لمواجهة هذه الأزمة، ومع ذلك فإن استغلال هذه الإمكانيات يتطلب التغلب على تحديات مثل عدم المساواة بين الجنسين انعدام الأمن والفقر، إن الدعم الموجه للنساء من خلال التمويل، التعليم، والسياسات المناسبة لا يساعد فقط في حماية البيئة، بل يعزز أيضاً العدالة بين الجنسين والاستدامة الاجتماعية.