النساء الديمقراطيات تنظمن محكمة صورية للتنديد بقتل النساء
مع انطلاق حملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، نظمت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات محكمة صورية للتنديد بجرائم قتل النساء بحضور عدد كبير من الناشطات والحقوقيات.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ تحولت جرائم قتل النساء في تونس خلال السنوات الأخيرة إلى ظاهرة افزعت المجتمع ودفعت الحقوقيات والناشطات النسويات إلى إطلاق "صيحة فزع" لوضع حد لهذه الجرائم التي تترك انعكاسات كارثية على أبناء الضحية.
اختارت جمعية النساء الديمقراطيات أن تواكب الأيام الأممية الـ 16 هذا العام بتنظيم المحكمة الصورية الثالثة لجرائم قتل النساء والتي تتزامن مع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، والتي تستهدف النساء والرضع، وهي جريمة ضد الإنسانية تضاف إلى سلسلة الجرائم التي ارتكبتها.
من لبنان، قالت الناشطة النسوية وعضو في جمعية "كفى" زويا نجيب إنه "منذ بداية عملنا على إقرار قانون يحمي النساء من العنف الأسري عمدنا إلى توثيق جرائم قتل النساء وعملنا على رفع الصوت ضد هذه الجرائم على أصعدة مختلفة من حملات إعلامية إلى وقفات ومظاهرات رفعنا فيها صور القتلى ووثقنا صورهن على مجسمات عرضناها في أماكن مختلفة".
وأضافت "كما قمنا بإنتاج فيلم "لطيفة وأخريات" وثقنا فيه جريمة قتل امرأة على يد زوجها السابق بعد أن تهجم عليها واغتصبها قبل قتلها وكان لتعاملنا مع وسائل إعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أثر كبير على الجرائم المرتكبة ضد النساء، وأدت الحملات إلى زيادة الوعي حيث تعاون جيران وأقرباء القتلى على فضح هذه الجرائم بعدما كان يتم التستر عليها وفتحت جمعيتنا عدداً من ملفات القتل كي نتمكن من تحقيق العدالة".
وأشارت إلى أن تراكم هذه الحملات أدت إلى تنظيم إحدى أكبر المظاهرات التي نظمها المجتمع المدني في لبنان وكان ذلك يوم 8 آذار عام 2014 شارك فيها 5 آلاف شخص وقادتها أمهات القتلى مطالبات بالعدالة لبناتهن وكانت النتيجة إقرار قانون لحماية النساء من العنف الأسري في نيسان/أبريل من العام ذاته، وكان لهذا القانون أهمية لحماية النساء والتدخل لوقف العنف.
المحكمة الصورية
وانتصبت المحكمة الصورية وانطلقت الجلسة لتنظر في قضية سنية العجيلي التي فارقت الحياة على يد زوجها بعد أن عمد قطعها إلى أجزاء ودفنها تحت شجرة.
ومنحت هيئة المحكمة الكلمة إلى الاستاذة حياة الجزار محامية الضحية للمرافعة فلم تتمالك زهرة العجيلي والدة الضحية نفسها وانطلقت في البكاء بصوت عال أسفاً على فقدان فلذة كبدها ودعتها هيئة المحكمة إلى التقدم والحديث أمام الحضور الكبير والتعبير عما تشعر به، فقالت إنها خسرت ابنتها التي كانت تشكو من عنف زوجها المتكرر لكنها طالبتها بالاستمرار في العلاقة من أجل ابنها.
وسردت تفاصيل تمكن الجاني من إخفاء جريمته وتبريرها على أنها جريمة "شرف"، وبينما هي مدفونة بحديقة المنزل كان يروج بأنها غادرت البلاد مع عشيقها، وانتقدت زهرة العجيلي تواطؤ الأمن معه والسخرية من والدها الذي ذهب إليهم طالباً دعمهم في العثور على ابنته.
وأفادت المحامية حياة الجزار أن المجتمع المدني هو القوة الدافعة للأمام لتطوير حقوق الإنسان وأنه في هذه الجريمة كان لجمعية النساء الديمقراطيات الفضل في اكتشاف القاتل بعد مساعدة والدة الضحية استجابة لطلبها، بينما لم تقم الأجهزة الأمنية والقضائية بالدور المنوط بعهدتها مما أدى إلى تغيير الأبحاث من محافظة سليانة إلى العاصمة بأمر من رئيس الجمهورية الأسبق زين العابدين بن علي.
مكافحة الظاهرة
وحول كيفية مكافحة ظاهرة قتل النساء من خلال العمل الثقافي بمختلف أنواعه، قالت الممثلة المسرحية فاطمة سعيدان لوكالتنا "الثقافة باختلاف تفرعاتها مسرح، سينما، موسيقى الفنون التشكيلية تساهم في إنارة الرأي العام، لذلك نحن في المسرح والسينما قمنا بأعمال تندد بالعنف ضد المرأة والعنف بصفة عامة عندما تفاقم بعد الثورة وعرضنا مسرحية تحدثنا فيها عن العنف داخل المدارس وكيف أن التلاميذ قتلوا استاذهم وتساءل كثيرون حينها كيف يمكن ما تناولناه في مدرسة فحدث ذلك وحاول تلميذ قتل استاذه إذا على العكس الفن يجعل الظاهرة مدعاة للتفكير".
وذكرت بأن الفن فقط لا يكفي لمكافحة الظاهرة بل يجب أن تكون المؤسسة التربوية هي الأساس ويتعلم الطفل احترام الآخر وفي ظل تفكك الأسرة يجب أن تساعد المدرسة على نشر الوعي وتعليم الطفل أنه ملك نفسه ولا أحد يمتلك أحداً، ويجب أن تكون مؤسسة الزواج رابطاً للاحترام والمسؤولية.
وخلصت القول إلى أنه مع تقليل مراكز إيواء المعنفات، يجب تقديم بديلاً آخر ألا وهو الوعي وعلى الإعلام أن يتحمل المسؤولية في القيام بحلقات نقاش والاستعانة بأطباء وأخصائيين في علم النفس والاجتماع لمناقشة الظاهرة ووضع قوانين صارمة لأنه لا يوجد قانون خاص يجرم قتل النساء.
وأفادت الناشطة النسوية ومختصة في علم الاجتماع خديجة الشريف، أن قتل النساء أصبحت ظاهرة اجتماعية خطيرة يجب أخذها بعين الاعتبار والإشكال يتعلق بتطبيق القانون إذ أنه يوجد في تونس قانون منذ خمس سنوات لكن لا يطبق.
وأضافت أنه يوجد مشكلة ثقافية تتعلق بالمبادئ والقيم وكيفية توعية المجتمع بهذه المشاكل وخاصة كيفية التخلي عن الفكر الذكوري الراسخ والعمل على تغيير الذهنية، مؤكدة أن من يحكم البلاد غير مهتم بهذه الظاهرة والنساء تموت والمجتمع المدني يقوم بدوره لكن هذا غير كاف لذلك يجب أن يتعاون الجميع على إيجاد حلول.
وأشارت الأخصائية النفسية سندس قربوج، إلى أن ظاهرة العنف المسلط على النساء ظاهرة كونية لكن كل مكان له خصوصيات فمثلاً في تونس ظاهرة قتل النساء في تزايد، فهي ليست أحداث قتل النساء بل ظاهرة والسبب أنها تقع في مكان وظرف وعلاقات معينة بين هذه الأطراف الأمر الذي جعلهم يعملون عليها بطريقة علمية.
ومن وجهة نظر نفسية، قالت إن هناك خصوصية نفسية في المعتدي وضحيته التي تؤدي إلى القتل وهي الهيمنة التي تجعل المعتدي يعتقد أن الضحية غرض خاص به وفي صورة ما إذا افصحت عن إرادتها في المغادرة يمكن حدوث تصاعد قوي للعنف الذي يمكن أن يؤدي إلى القتل.
الحق في الحياة
وجاء في بيان هيئة المحكمة الصورية المنتصبة، أمس السبت 25 تشرين الثاني/نوفمبر، بقصر المؤتمرات بالعاصمة، أن تونس شهدت هذا العام تضاعف جرائم قتل النساء حيث تجاوز عدد النساء اللواتي قتلن 27 امرأة، فضلاً عن العاملات الفلاحات اللواتي قتلن في شاحنات الموت أو اللواتي تتكبدن في كل لحظة شتى أشكال العنف والتنكيل الذكوري في مختلف الفضاءات.
وأشار البيان إلى أن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات تطالب تونس بالانكباب بكل جدية للقضاء على العنف ضد النساء والتصدي لظاهرة قتلهن وذلك عبر إدراج قضايا حقوق النساء والمساواة ضمن السياسات العامة للحكومة ووضع الميزانيات اللازمة لتحقيقها، إضافة إلى تفعيل القانون الأساسي 2017ـ 58 في كل مقتضياته الوقائية والحمائية والتعهد بالنساء ضحايا العنف وتوفير مراكز إيواء آمنة لهن وإشراك منظمات المجتمع العاملة في هذا المجال وإشراك المنظمات النسوية في مناقشة مشاريع إصلاح التعليم.
وختمت المحكمة الصورية بيانها بالقول إن الحق في الحياة يضاهي حق تقرير المصير فمن أجل النساء ومن أجل فلسطين "نعاهد كل النساء اللواتي فقدن حياتهن على تحقيق الحلم رغم المأساة في محكمة عادلة وسلام دائم ومن أجل بناء عالم آخر ممكن وإن بدا اليوم مستحيلاً".