النساء الديمقراطيات: الدستور المقترح يهدّد الحريات ومكاسب النساء التونسيات

اعتبرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن الدستور المقترح يهدّد المكاسب التي حققتها النساء منذ عقود من الزمن، مشيرةً إلى أنه يشرّع لدولة تحتكم للشريعة بعيدة عن الدولة المدنية التي ناضل من أجلها الشعب التونسي.

تونس ـ شددت النساء الديمقراطيات على الالتزام بالدفاع عن حقّ جميع النساء في التحرّر والمساواة الكاملة والفعلية بدون استثناء لأي من حقوقهن المشروعة التي ناضلت من أجلها أجيال من النسويات.

قدمت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات قراءة نسوية وحقوقية سوسيولوجية لمشروع الدستور المقترح من قبل الرئيس قيس سعيّد، والذي سيعرض على الاستفتاء يوم الخامس والعشرين من تموز/يوليو الجاري، تضمنت ملاحظات واقتراحات وأبرز النقائص في فصوله.

واعتبرت النساء الديمقراطيات أن تاريخ 25 تموز/يوليو مثّل منعرجاً في تاريخ تونس الحديث بعد خطوة الرئيس استناداً إلى فهم خاص به للفصل 80 من دستور 2014، الذي أقرّ من خلاله إجراءات استثنائية، وهي إجراءات لا يمكن فهمها من زاوية قانونية ودستورية فقط بل هي متّصلة بواقع سوسيو- سياسي عاشته البلاد بلغ مرحلة من التأزم كنتيجة مباشرة لغياب السياسات العمومية الناجعة لحكومات تعاقبت على الحكم منذ عام 2011، وعرفت تجاذبات سياسية كبرى بفعل الصراع على السلطة ونتيجة لسياسة التمكين التي مارستها حركة "النهضة" وحلفاؤها والتي انتهت بمشهد كاريكاتوري في البرلمان وتوسيع الهوة بين الحاكم والمحكوم.

وأفادت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي في لقاء مع وكالتنا، بأنّ الجمعية انكبت على إعداد هذه القراءة في القانون والسوسيولوجيا في ضوء المرجعيات الكونية والكلية لحقوق الإنسان والنساء، ومقارنة بما جاء به دستور 2014 من مكتسبات لم تكن لتتحقق إلا بنضال الحركة الديمقراطية والنسوية، لافتةً إلى أنه يجب فحص مشروع الدستور الجديد بتأنٍّ حتى لا تستثنى حقوق النساء ولا يقع الالتفاف على مكاسبهن.

وحول تهديد المكاسب النسوية في الدستور المقترح، تقول أن التهديد طال مبدأ المساواة أمام القانون والذي لم يعد يظهر إلا باحتشام لتُعوض المساواة ضمنياً بالعدل بما يذكر بمحاولات تعويضها سابقاً بالتكامل بين الجنسين في تناسق مع قناعات الرئيس المعادية للمساواة والتحرر كما عبّر عنها في العديد من المرات، فضلاً عن نسف حق التناصف وتعويضه بتمثيلية موهومة تظل منّة من الحاكم بأمره في إطار ما يترصّد المجتمع السياسي.

وشدّدت على التزام النساء الديمقراطيات بالدفاع عن حقّ جميع النساء في التحرّر والمساواة الكاملة والفعلية بدون استثناء لأي من حقوقهن المشروعة التي ناضلت من أجلها أجيال من النسويات.

من جانبها أفادت معدّة القراءة من الناحية السوسيولوجية، الناشطة النسوية والأستاذة في علم الاجتماع، فتحية السعيدي، بأن مقترح الدستور الجديد يمثّل في جوهره تجاهلاً للمبادئ الأساسية التي تؤسَّس عليها الدساتير في العالم وفي تونس والتي أكدها القرار 117 لعام 2021 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسّلطات العمومية الذي استند إليه في توطئة القرار عدد 607 لعام 2022، وذكره في الباب الحادي عشر الخاص بالأحكام الانتقالية والختامية في الفصل 139.

وأشارت إلى أنّ مشروع الدستور المقترح نسف تاريخ 14 كانون الثاني/يناير، واعترف فقط بـ 17 كانون الأول/ديسمبر، معتبرةً أن ذلك أمر غير مقبول، ومن ناحية أخرى تجاهل ذكر الدساتير التي صدرت بعد الاستقلال وخاصة دستور 1959 ودستور 2014، والتي تبنّى العديد من أحكامها في هذا المشروع.

وانتقدت الفصل الثالث من الدستور المقترح الذي وصفته بالحالات الانتقائية من التراث الدستوري التونسي وهو بمثابة التذكير بإعلان حقوق الراعي والرعية الذي تنتفي معه المواطنة كجوهر للديمقراطية، لافتةً إلى غياب مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية من ضوابط الحريات وغياب الهيئات الدستورية المستقلة الضامنة لحقوق الإنسان.

وأكدت فتحية السعيدي أن الفصلين الرابع والخامس حملا مصطلح "ميزان" وهو شعار حملة الاستفتاء لأنصار قيس سعيد، في إشارة إلى العدل، وهي رسالة اتصالية تدخل ضمن نفس الاستراتيجية الاتصالية الشعبوية المعتمدة، منتقدة استعمال مصطلح "مجتمع القانون" بدل "دولة القانون" وهو مصطلح قانوني غريب عن اللغة القانونية والدستورية مبنيّ على تصور شعبوي لإدارة الشأن العام بحيث يصبح الكل ضد الكل تحت مسمى الحفاظ على القانون.

وتطرقت إلى تعويض السلطات بالوظائف في الفصل السابع متسائلةً "هل يمكن لوظيفة أن تسهر على ضمان الحقوق والحريات؟".

وانتقدت الفصل العاشر الذي يقول "طغراء الجمهورية التونسية يحددها القانون"، حيث يعتبر هذا الفصل تمثّلا اجتماعياً للسلطة يعود إلى استخدامات في العصر العثماني وهو تمثّل مرتبط بعصر البايات في تونس وهي عبارة تطلق على شارة تحمل اسم سلطان عثماني، مشيرةً إلى أن مختلف الفصول تتنافى ومبادئ حقوق الإنسان وتضرب مدنية الدولة وديمقراطيتها وتنسف مختلف الانجازات التي بلغتها تونس منذ عقود.

وأكدت الباحثة في علم الاجتماع أنّ الدستور المقترح كُتب بتفكير شعبوي ومحافظ يعكس روحاً يتداخل فيها البعد الديني بالبعد الهوياتي وينتفي فيه الالتزام بمنظومة حقوق الانسان وعالمتيها، مشيرة إلى أن المقترح توطئة إنشائية تتضمن عناصر الاستراتيجية الاتصالية الخطابية التي يستند إليها كل الشعبويين وفيها إيهام بأن السلطة للشعب، وفي واقع الأمر هي توجيه للانفعالات بغية تبني ما جاء في فصول الدستور.

وذكّرت بأن الدستور المقترح هو نسف للتاريخ وإلغاء تام لتاريخ 14 كانون الثاني/يناير واقتصر على تاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر الذي ربطه بشعار الحملة الانتخابية الرئاسية 2019 وهو "الشعب يريد"، للإعلان عن "التأسيس الجديد" وعن البناء القاعدي والتوجه إلى مرحلة جديدة أو جمهورية جديدة متّصلة بتصورات والتمثّلات للسلطة السياسية الشمولية المحافظة.

ولفتت إلى حذف العدالة الاجتماعية والتمييز الايجابي بين الجهات واستبدال العدالة الاجتماعية بالعدل الاجتماعي (الفصل17) وهو مفهوم مختلف تماماً عن مفهوم العدالة الاجتماعية، فضلاً عن تضييق صفة المواطنة لتغليب التونسي والتونسية أو الفرد باستثناء الأحكام المتعلقة بالمساواة والحريات في الفصول (23-24-59-47-31-30-)، إضافة إلى حذف الهيئات الدستورية المستقلة التي أنشأت لحماية الحقوق والحريات أو لأداء وظيفة تعديلية وذلك باستثناء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وعلقت فتحية السعيدي أيضا على فصل تطبيق الاتفاقيات الدولية بشرط تطبيقها من الطرف المقابل، معتبرةً أن هذا يمكن أن يخول التراجع عن الاتفاقيات الدولية ويفتح الباب للانسحاب منها وهو تراجع كبير في مجال الانخراط في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان.

 

 

من جانبها أكدت الناشطة بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نعيمة الرقيق على أن أوّل سبب لمعارضة هذا الاستفتاء كونه كُتب بطريقة انفرادية إقصائية حيث انتهج الرئيس سعيّد نهجاً أحادياً مقدماً خارطة طريق تكونت من ثلاث محطات أولها إجراء استشارة إلكترونية وإقرار استفتاء على تعديل الدستور تحوّل فيما بعد إلى استفتاء على دستور جديد ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية لانتخاب أعضاء مجلس النواب تحّول إلى انتخاب لمجلسين بعد صدور نسختي الدستور في 30 تموز/يوليو الماضي (النسخة الأولى)، و8 تموز/يوليو الجاري (النسخة المعدلة).

وأوضحت إنه لم يتم أخذ المجتمع المدني بعين الاعتبار من قبل الرئيس وكأنه عدم اعتراف به برغم دوره منذ عقود في إرساء الدولة المدنية والديمقراطية، مذكرةً بأن الدستور المقترح فيه العديد من التراجعات مقارنة بدستور 2014 والتي كان من المفروض تطويره أكثر بما يتماشى والتغيرات التي عاشها الشعب التونسي.

وأفادت بأنه برغم وجود بعض المآخذ في دستور 2014، بخصوص النظام السياسي وغيرها إلا أنه قد ضمّ العديد من المكاسب التي جاءت بعد نضالات عسيرة للمجتمع المدني والديمقراطي، مذكرة بأنّ دستور 2014 حقّقت به تونس التناصف بين الجنسين وهو مكسب نسوي.

وأكدت على أن الدستور المقترح فيه تهديد مباشر للحريات ولحقوق النساء، حيث يعطي الدستور الجديد تغوّلاً للسلطة التنفيذية ويجعل النظام أكثر من رئاسي، برئيس فوق المساءلة ويعين المحكمة الدستورية التي تعتبر أكبر ضامن لدستورية القوانين.

وعبّرت عن مخاوف النساء الديمقراطيات من التراجع عن الحقوق والحريات العامة والفردية وعمّا تحقّق في مجال المساواة بين الجنسين وعن حقوق النساء المكتسبة وخاصة منها تلك الحقوق التي ناضلت من أجلها وطالبت بدسترتها في دستور 2014.

وذكّرت بأن النساء الديمقراطيات يشددن دائماً على أن الأولوية القصوى للمسار الذي انطلق مباشرة بعد 25 تموز/يوليو 2021، والتي تتمثل في التوجه لإيجاد الحلول العاجلة الاقتصادية والاجتماعية التي عمّقت الفقر والبطالة والتهميش خاصة في صفوف النساء.