"العنقاء"... قصة ثلاث نساء محتجزات بين أربعة جدران
يروي فيلم "العنقاء" قصة ثلاث نساء أردنيات مسجونات بين أربعة جدران واجهن العنف والاغتصاب والأسر والضغط، للمخرجة الكردية هيلين جيليك.
![](https://jinhaagency.com/uploads/ar/articles/2025/02/20250205-ajans-kalip-jpge1699b-image.jpg)
بيريفان إيناتجي
مركز الأخبار ـ "هؤلاء الناس أغبياء، لا أعرف ماذا يقولون، إنهم يتصرفون وكأنهم يستحقون الاستماع إليهم، وكأنهم يعرفون من أنا، إنهم أناس أغبياء، إنهم يتصرفون وكأنهم يعرفون ذلك، أنا لست بقايا، أنا موجودة، كيف يمكن أن أكون بقايا؟ أنا موجودة" هذه بعض الكلمات التي قالتها إحدى النساء في فيلم العنقاء.
تدور أحداث فيلم العنقاء لمخرجته هيلين جيليك من مدينة جولميرك في شمال كردستان، التي كتبت السيناريو أيضاً، عن العنف والاعتداء والاحتجاز والضغوط التي تواجهها المرأة الأردنية والعديد من النساء، تناشد إحدى بطلات الفيلم جميع النساء بقولها "أنا موجودة".
عزلة الجدران الأربعة مخصصة للنساء
يسلط الفيلم الوثائقي الضوء على حياة ثلاث نساء أردنيات تعرضن للعنف والاعتداء من قبل الرجال من جهة، والتعذيب من قبل الدولة من جهة أخرى، النساء كشفن عن العنف الذي تعرضن له من قبل آبائهن وأشقائهن وأزواجهن، وبعد أن كسرن حاجز الخوف، لم يبق أمامهن سوى العزلة والسجن بين أربعة جدران بحجة حمايتهن من التعرض للخطر.
دراسة سوسيولوجية
قصص النساء تحكي حقيقة النساء المضطهدات والمستعبدات في مثلث الدين والتمييز الجنسي والقومي في الشرق الأوسط، في الفيلم الوثائقي العنقاء، يمكن للمرء أن يقرأ قصص وتجارب النساء الثلاث، والألم الذي تواجهه النساء يومياً بسبب اضطهاد إيدلوجيات الدولة الذكورية للنساء الثلاث، كما يمكن للمرء تحليل سوسيولوجية المجتمع الذي يهاجم كالسيف حياة وهوية ووجود المرأة بهذه الإيديولوجيات الثلاثة.
"أنا موجودة" هي مناشدة
بقدر ما نفهم صعوبة الوضع الذي عاشته المرأة، هناك شيء يلفت انتباهنا، وهو الإخلاص الحقيقي للحياة، والانتقام من الواقع المفروض على المرأة. ولذلك فإن المرأة التي تقول عن بناتها "أحياناً أعتقد أنه من الأفضل لهن ألا تعشن"، في الوقت نفسه، وفي مواجهة ما يقال لها، تقول بعينين مليئتين بالكلمات غير المنطوقة "أنا موجودة" في الواقع.
"العنقاء" على الرغم من الجدران الأربعة المتبقية للنساء، يسلط الضوء على غضب النساء ضد "إنكار الوجود" الذي يفرضه الرجال عليهن، وقصص النساء وتجاربهن وأحاديثهن في فيلم العنقاء تجذب المرء من خلال المشاهد المتناغمة، ليضيع المرء بين أحداث القصص.
كي لا تواجه المرأة جرائم العنف مرة أخرى!
وفي لقاء مع مخرجة الفيلم الوثائقي العنقاء هيلين جيليك قالت "في منطقة مثل الشرق الأوسط التي تتسم بالعنف والمليئة ليس فقط من حيث سياسات الدولة والحياة اليومية، ولكن أيضاً من حيث السينما".
وأضافت "في السينما الحالية وفي الوضع التاريخي الحالي يجب ألا يتكرر العنف، وفي الأفلام الوثائقية بشكل خاص، يجب ألا تواجه الشخصيات التي أصبحت ضحية للعنف الجرائم، وهذا ذو أهمية أخلاقية كبيرة".
وقالت هيلين جيليك "للأسف، لا تزال الأفلام الوثائقية تُستخدم في الوسط الأساسي وفي المقام الأول كمستودع للمعلومات، أتجنب هذا التصور والمفهوم وأتجه أكثر نحو العمل على العدالة السينمائية، وأرى السينما كنهج أكثر حسياً، أي كأسلوب يحاكي الفيلم من خلاله الحواس بشكل أكبر وأن تكون المشاهد قريبة وملموسة، وهذا هدفي".
ولفتت إلى أن "السينما التي تتجنب العنف وتمثيل زيادة جرائم العنف، تعطي شخصياتها "الحق في التمثيل الكريم" على حد التعبير المجتمعي، لقد كان هذا هو المنظور الذي أثر فيّ أثناء كتابة السيناريو، لذلك، أثناء تصوير فيلم "العنقاء"، بدلاً من تناول جرائم العنف التي عاشتها شخصيات الفيلم في الماضي بطريقة عادلة ومدروسة، قررت تصوير مشهد سينمائي يتتبع حياة الشخصيات المأساوية ويتحدث فقط بشكل غير مباشر عن السياسة على الرغم من أن هذا مستحيل في ظل الوضع الذي نعيشه".
المراجعة السينمائية والسرد اللحظي
وعن النهج الذي اتبعته، قالت هيلين جيليك "بمعنى آخر، كان نهجي هو إنشاء وخلق لغة، وأن أستخدم المشاهد الصامتة أو الصمت الجزئي، أردت استخدام هذه اللغة الصامتة التي نصنعها معاً، فالصمت هو إحدى أدوات التعبير في الفيلم، كأداة للتحول والتغيير والصمت والجهل يجعل الناس يرون ويفسرون الأماكن والأشخاص بشكل مختلف".
وأوضحت أنه "مواضيع الصمت والجهل تسمح لنا برؤية الناس بشكل مختلف، لذلك أعتقد أن التحليل السينمائي وسرد اللحظات والمساحات التي تثريها الفجوات السمعية في الواقع يتم تفسيرها من قبل الجمهور وإعادة تشكيلها سياسياً. أنا أسمي هذه off moment û off space. وهذا يجعل التحول أو التغيير ممكناً".
"فلم العنقاء يريد إنشاء سينما فعالة وعادلة"
وعن هدفها من الفيلم، قالت هيلين جيليك "عندما أتحدث عن المشاهدة في صمت، فأنا لا أتحدث عن المشاهدة السلبية، أعتقد أن عدالة السينما ليست في الأساس سينما تعرض أو توثق أو تؤسس موقفاً بشكل سلبي، على العكس من ذلك، فإنها تحاول إجراء ولمس المزيد من التصحيحات، وبعبارة أخرى، فإنها توفر العدالة من خلال التغيير والتحول، أي أن، ما يريد العنقاء أن يخلقه ليس سينما سريعة وقسرية، بل سينما نشطة وفعالة وعادلة".
لماذا العنقاء؟
من قصص النساء نستطيع أن نفهم سبب اختيار اسم "العنقاء". طائر العنقاء، المعروف أيضاً باسم سيمورغ أو الفينيق، معروف بأنه رمز للتجدد والبعث والخلود، وفي العديد من القصص الأسطورية، العنقاء هو الطائر الذي يدمر ويحرق نفسه بالنار ويحيي نفسه من جديد وينبعث من الرماد، وهذا يعني التجديد المستمر واستمرارية الحياة، يمثل العنقاء أيضاً البدايات الجديدة بعد الصعوبات لذلك فهو يعتبر كرمز للقوة والأمل، وقصص نساء العنقاء وآمالهن للمستقبل تذكر بالانبعاث وإحياء العنقاء.
حاز على العديد من الجوائز
حاز فيلم العنقاء على جوائز مختلفة في العديد من المهرجانات الدولية منها جائزة أفضل مخرج في مهرجان Oslo Mirage للأفلام الوثائقية، وجائزة ARTE للأفلام الوثائقية في Duisburger Filmwoche 2023. كما حاز الفيلم الوثائقي أيضاً على جائزة Awistirya ADA الوثائقية في مهرجان Ethnocineca الدولي للأفلام والأفلام الوثائقية في فيينا، بالإضافة لجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان Graz Diagonale السينمائي النمساوي.
وقد عُرض فيلم "العنقاء" في مهرجانات شهيرة مثل مهرجان برلين السينمائي الدولي، ومهرجان فيينا السينمائي الدولي، ومهرجان Gijón السينمائي الدولي، ومهرجان إسطنبول السينمائي الدولي، ومهرجان An Arbor السينمائي والعديد من المهرجانات الأخرى.
من هي هيلين جيليك؟
ولدت عام 1991 في ديار بكر "آمد"، درست العلاج بالفن والمسرح والوسائط الرقمية، تعيش حالياً في فيينا وتعمل هناك كفنانة ومعالجة بالفن، بعد فيلم "Çi Bayê Çê Dike" الذي أنتج عام 2017، يعد "العنقاء" هو فيلمها الطويل الثاني. كما قامت المخرجة هيلين جيليك بتصوير الفيلم الوثائقي HABA في عام 2024.