العنف السيبراني يحاصر التونسيات : أي دور للقانون ؟

دعت المحكمة الصورية إلى أهمية التبليغ عن العنف السيبراني وكسر حاجز الخوف والصمت ودحض الأفكار الذكورية التي تحصر المعنفات رقمياً في خانة الأخلاق.

زهور المشرقي

تونس ـ في اطار الحملة الدولية 16 يوماً من النشاط لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، نظمت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات محكمة صوريةً حول العنف السيبراني القائم على النوع الاجتماعي اليوم الأحد الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024.

قدمت المحكمة قراءة لسياق عام يتميز باحتدام النزعة الذكورية بالإضافة إلى تنامي مختلف أشكال العنف والتمييز المبني على الجندر والعنصر والسن الأمر الذي أدى إلى تكريس خطاب كاره للنساء على اختلاف هوياتهن الجندرية.

وأكّدت المحكمة الصورية أن العنف السيبراني يشكل خطراً على حيوات النساء مما يستدعي الاهتمام والمتابعة والتفكير للكشف عن هوية مرتكبيه وتداعيات ممارساتهم العنيفة على النساء وعلى صحتهن النفسية.

ووفقاً للمسح الوطني حول العنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي نشره المعهد الوطني للإحصاء في عام 2022 تبين أن 84،7% من النساء اللواتي تمت مقابلتهن أنهن عانين من شكل عنف واحد على الأقل منذ سن الخامسة عشر، وقد تم في هذا الصدد ارتكاب 14،4% منها بالفضاء الافتراضي، وهذا ينبه إلى الحجم المتزايد للعنف السيراني والحاجة إلى آليات مقاومة متلائمة للتعامل معه.

وقالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، رجاء الدهماني إن المحكمة الصورية التي تنظمها الجمعية ليست الأولى بل سبقتها محاكم صورية خلال السنوات السابقة حول قتل النساء والمساواة في الإرث، "يطرح اليوم موضوع العنف الرقمي هذه الظاهرة الناعمة التي تعتبر خطيرة ومخفية، حيث تتعرض 38% من النساء لهذا الشكل من العنف ويهدد حياتهن، تدفعهن آلة الهرسلة والتنكيل  أحياناً إلى التفكير في الانتحار"،  لافتةً إلى أن تونس كانت سباقة في سن قانون لمحاربة العنف ضد النساء عام 2017، لكنه لم يتعرض إلى العنف السيبراني، موجهةً دعوة إلى السلطة التنفيذية والبرلمان ومختلف المتدخلين والمؤسسات لفتح الملف مجدداً وإضافة قوانين حامية للنساء.

وأفادت أن هذا الشكل من العنف يٌحرج النساء لأنه يتم في فضاءات ودية وحميمية وتجهل الضحايا أنه من أخطر أشكال العنف الذي قد يسلط ضدهن، "هو عنف لا مرئي يتم في فضاءات خاصة ومغلقة ويغيب على الضحايا مدى خطورته، حان الوقت للتوعية وكشف الحقائق وكسر حاجز الخوف من المجتمع ومحاكمة مرتكبيه للتصدي له، إن نجتمع في فضاء افتراضي لا يعطي الفرص لأي طرف بأن ينهش النساء وينكل بهن ويستغل المحادثات والصور لتهديد الضحية وتعنيفها".

 

 

وترى المحامية والكاتبة العامة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، هالة بن سالم، أن القانون 58 الصادر 2017 وعلى عكس ما يشاع هو قانون شامل وتطرق إلى كافة أشكال العنف ضد النساء وكانت تعريفاته في الفصل الثاني واضحة كونه يُجرم كل أشكال العنف السياسي والجنسي والمادي والمعنوي والاقتصادي، وعدم ذكر العنف الرقمي كعنف مُجرم لا يعني عدم وجود نصوص تحاسب عليه.

واعتبرت أنه شكل من أشكال العنف وهو أيضاً انعكاس لما يحدث في الفضاء الواقعي من الاعتداءات والتنكيل وقد توسع القانون 58 في مجال المعتدين ويجرم العنف سواءً في الفضاء الخاص أو العام والأخير بقراءة موسعة يشمل مواقع التواصل العمومية بالتالي بات مهماً توعية النساء وتمكينهن من المعلومات وتسهيل طرق التشكي وكسر حاجز الصمت سيما وأن أشكال العنف السيبراني اليوم تتنوع وتختلف منها اللفظية ومنها تلفيق التهم ونسب أمور غير حقيقية والتشهير  ونشر صور  ومحادثات خاصة وحتى  تركيب صور إباحية  وهي ظواهر ليست حكراً على تونس بل عالمية.

وأشارت إلى تحول الفضاء الرقمي إلى أداة للتحريض ضد الناشطات والسياسيات والصحفيات والحقوقيات وبات انعكاساً لما يطلبه الجمهور "هدفنا خلق فضاء رقمي آمن للنساء يكون للمرأة المساحة والامتياز للتعبير عن رأيها بحرية وعن ذاتها ويكون هناك حماية لمعطياتها الشخصية حتى لا تكون مستغلة".

وعن الإجراءات التي يجب أن تتخذها النساء لحماية أنفسهن من العنف السيبراني، أوردت المحامية أن التوثيق هو أول خطوة والقيام بالمعاينات اللازمة عن طريق عدل منفذ وحتى عند الفرق المختصة الموزعة والتي تبحث في جرائم المعلوماتية والتي بإمكانها معاينة الحساب الخاص داخل أو خارج تونس وبمقتضى ذلك تودع الضحية شكاية لدى وكيل الجمهورية المختص وهناك إجراءات أيضاً تنص عليها مجلة الاتصالات، لافتةً إلى أن المنظومة القانونية التونسية بها العديد من الفصول بإمكانها اللجوء إليها على غرار القانون 58 لمكافحة العنف ضد النساء.

 

 

بدورها أكدت الناشطة النسوية والرئيسة السابقة للنساء الديمقراطيات، نايلة الزغلامي أن وتيرة العنف تضاعفت خلال السنوات الأخيرة في تونس بما فيها الرقمي الممارس خلف الشاشات ويكتسي خطورة كمختلف أشكال العنف، متطرقةً إلى وجود تقصير قضائي وضعف للإرادة السياسية حول محاربة العنف وحماية النساء وقد لوحظ عدم الجدية في التعامل مع قضايا العنف من الدولة ومع مطالب الضحايا التي أحياناً لا تأخذ بالأهمية المطلوبة.

وأبرزت وجود نقص في تكوين إطارات وكوادر وزارة الداخلية والعدل والمرأة من ناحية مكافحة العنف ضد النساء، موضحةً أن النساء الديمقراطيات لديها ما يكفي من الخبرة مايفوق30 عاماً في محاربة العنف ما يتطلب إيجاد شراكات معها وتنسيق بين المجتمع المدني والدولة لحماية الناجيات من الموت.

وتابعت "مخلفات العنف خطيرة، والأصعب مواجهة المجتمع بنفسيات أطفال ونساء محطمة، لذلك يجب على جميع الأطراف تحمل مسؤولياتها كاملة برسم استراتيجيا وميزانية لمناهضة العنف وحماية الضحايا".

ودعت المحكمة الصورية إلى التوعية بخطورة العنف السيبراني وعواقبه على الضحايا، وصياغة توصيات لاعتماد قوانين أكثر ملائكة لمحاربته، فضلاً عن أهمية توحيد الجهود بين الجهات الفاعلة وخاصة المجتمع المدني والإعلام لاتباع استراتيجية واتخاذ إجراءات مشتركة تهدف إلى القضاء على العنف الرقمي بشكل فاعل.

وخلال المحكمة تحدثت ضحايا عن معاناتهن مع العنف السيبراني وطالبن بتوفير مساحة للبوح والتضامن مع ضحايا هذا العنف الخطير.