المعرض الجهوي للكتاب بمراكش يناقش مؤلفات نسائية

تحتضن مدينة مراكش فعاليات الدورة الـ 12 للمعرض الجهوي للكتاب، والتي انطلقت في السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بمشاركة 30 ناشراً، ومجموعة من المؤسسات العمومية، تحت شعار "القراءة العمومية ورهان التنمية".

رجاء خيرات

مراكش ـ ناقش المعرض الجهوي للكتاب بمراكش، مؤلفات نسائية لكاتبات أردن أن تحفظن ذاكرة مراكش من الاندثار، نظراً لما تزخر به المدينة من تراث غني وتقاليد وطقوس وفنون عيش تمتد لما يناهز عشرة قرون، يجمع بين الثقافة العربية والأمازيغية والأندلسية والأفريقية.

نظم المعرض الجهوي للكتاب بمراكش في دورته الـ 12 أمس الخميس 12 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، لقاءً للاحتفاء بثلاثة اصدارات بأقلام نسائية، من بينها "نساء مراكش... تقاليد مدنية وفنون عيش" للكاتبة فوزية الكنسوسي، و"الطنجية المراكشية ومحيطها من الأدبيات الشعبية" للطيفة العاصي، و"تقاليد وعادات مراكش" للطيفة الطبايلي.

وحضر اللقاء ثلة من الباحثين والمتهمين بالتراث الشفهي واللامادي، معبرين عن أهمية تدوين هذه التقاليد والطقوس التي تزخر بها مدينة مراكش وضواحيها، وذلك لحفظها من الاندثار، كما اعتبروا أن هذه المؤلفات هي بمثابة مراجع مهمة يمكن أن يعتمد عليها الباحثون، سواء في اللغة أو السوسيولوجيا أو الأنثربولوجيا أو حتى الفن التشكيلي كمصادر إلهام ومادة أساسية لإنجاز بحوثهم الأكاديمية.

وعلى هامش المعرض الجهوي للكتاب، قالت الكاتبة فوزية الكنسوسي لوكالتنا، أنها بهذا الإصدار أحيت ذاكرة العمل النسوي الحضاري لمدينة مراكش، مؤكدةً أن إسهام المرأة في بناء الموروث الحضاري كثير ومتنوع ودائم ومتواصل، كما لا يمكن اختزاله، حيث يعتبر عطاؤها متفرداً وبلا حدود.

واستعرضت محطات من تاريخ مراكش لعبت فيها النساء أدواراً طلائعية حتى في مجال السياسة، كزينب النفزاوية مستشارة ووزيرة وزوجة السلطان يوسف بن تاشفين مؤسس الدولة المرابطية التي حكمت المغرب قبل 1000 سنة.

وأوضحت أن دور المرأة تم تبخيسه منذ القدم، واعتُبِر من المسكوت عنه حيث غيبه المؤرخون والفقهاء، مكتفين بإشارات طفيفة لبعض النساء المتألقات، في حين أن واقع المرأة المغربية كان قاتماً، مشيرةً إلى أن بعض النساء فقط هن من حظين بنصيب من التعليم كبنات العلماء والأعيان والأميرات والجواري قديماً، إلا أن غالبية النساء اللواتي لم يحالفهن الحظ للتعلم، وبفضل ذكائهن وقدرتهن على الخلق والإبداع، فقد كن تعملن في الأعمال اليدوية من صنائع تقليدية كالخياطة والتطريز وتقطير ماء الزهر والورد، مستغلات فضاءات حميمية كسطوح المنازل والرياضات للقاءات مع الجارات من أجل الدردشة والاشغال اليدوية، والاتفاق على إحياء طقوس احتفالية تقليدية مثل "عاشوراء" و"شعبانة" وغيرهما من الطقوس.

وعن إصدارها الجديد والذي جاء تحت عنوان "نساء مراكش... تقاليد مدنية وفنون عيش" تقول أنه توثيق للذاكرة النسوية لمراكش وأحوازها و"رد الاعتبار للأعمال النسوية وتخليدها وتمريرها للأجيال اللاحقة، حتى لا نفقد هويتنا وتُطمس معالمها، أمام هذا التيار والطوفان من الوسائل التكنولوجية الحديثة".

ولفتت إلى أنها ومنذ عقود وهي تجمع وتخزن التقاليد الأصيلة لمراكش، لكونها وريثة الحضارة الأندلسية بامتياز، والتي تعود للعصر المرابطي والموحدي والسعدي والعلوي حيث يعد الموروث الثقافي والحضاري للمدينة غني، وتنطلق من طفولتها التي اتكأت عليها لجمع المعطيات، إضافةً إلى شهادات نساء متقدمات في السن، لعبن دوراً في حفظ التراث الأمازيغي الممزوج بالموروث العربي، وكل ما يتعلق بالديكور وطقوس الأعياد والمناسبات المختلفة وطبيعة العلاقة بين نساء الأسرة والحي، وهو ما دفعها لكي تُضَمِن كتابها مواضيع شتى كانت فيها المرأة هي المحور.

واختتمت حديثها بأن هذه الطقوس وفنون العيش هي ممتدة في تاريخ المدينة لم تخلق من العدم، ولولا النساء اللواتي حافظن عليها لما وجدت وظلت صامدة في وجه المد الثقافي.

من جانبها قالت الكاتبة لطيفة العاصمي أن مؤلفها "الطنجية المراكشية ومحيطها من الأدبيات الشعبية"، يتضمن كل ما يتعلق بالطنجية وهو طبق تقليدي تشتهر به مراكش والتي تكون حاضرة في المناسبات بكثرة، كما أنها تتطرق لأنواعها ومن يقوم بإعدادها والتعليقات التي تصدر عن متناوليها.

وأوضحت أن الكتاب يحتوي على قصيدتين زجليتين تصفان طريقة إعداد صنفين من "الطنجية"، بالإضافة إلى الطقوس المصاحبة لإعداد الشاي، ثم الطقوس التي كانت ترافق الطفل منذ ولادته والتي لم يعد لها وجود اليوم، كما دونت بعض النصوص التي ترددها النساء في المناسبات كـ "التعياع" أي المواويل، و"النوي" و"السلامات" و"الأحاجي" وغيرها، وكلها معززة بالصور، فضلاً عن الأمثال الشعبية التي قامت بتصنيفها وتدوينها حسب المناسبات التي تُرَدد فيها.

وعن مؤلفها "تقاليد وعادات مراكش" ذكرت الباحثة في مجال التراث المحلي لمراكش لطيفة الطبايلي أن ما يشغلها هو حفظ التراث والذاكرة خاصة فيما يتعلق بالتقاليد والعادات خلال المناسبات المراكشية.

وتأسفت لكون هذه العادات اختفت واندثرت في الوقت الحالي، وهو ما دفعها لإصدار كتابها الذي تضمن كذلك وصفات لبعض الأطباق التقليدية التي يزخر بها المطبخ المغربي الأصيل.

ولفتت إلى أنها أصدرت أربع كتب في هذا الشأن، آخرها الإصدار الذي قدم خلال هذا المعرض، والذي صدر باللغة الفرنسية "Coutumes et traditions de Marrakech"، وهو المؤلف الذي كتبته تحت طلب بعض الأشخاص من الجالية المغربية المقيمة بالخارج الذين يحبون كل ما يربطهم بوطنهم ويرغبون في ترسيخه في أذهان أبنائهم الذي ولدوا في بلدان المهجر، حيث أن الزيارات الخاطفة لبلادهم لا تكفي لكي تزرع فيهم القيم والموروثات الثقافية التي يفتقدونها.

وستتضمن الدورة الـ 12 للمعرض الجهوي للكتاب الذي يستمر حتى الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، توقيع إصدارات جديدة لكتاب ومؤلفين حيث تمت التحضير لمحاضرة وأربع ندوات علمية تتطرق لعدة مؤلفات منها "الإعلام والحقوق الثقافية"، و"الكتاب المخطوط وتحقيقه"، و"الثقافة المغربية واللغات الشرقية"، و"الترجمة وسؤال الهوية"، و"الكتب والمكتبات بمراكش العالمة"، يشارك فيها مجموعة من الأساتذة والباحثين المتخصصين.

وترسيخاً للأبعاد التكوينية والتعلمية سيتم تنظيم 13 ورشة تعليمية تهدف إلى ترسيخ جوانب مرتبطة بثقافة الكتاب، وجعل القراءة سلوكاً مكتسباً، لاسيما في صفوف الشباب/ات والناشئة، بالإضافة إلى عقد معارض للفنون التشكيلية، منهما معرضان يستقيان تيمتهما من "إبداعات حروفية"، و"يهود المغرب والأندلس والرافد العبري في التشكيل المغربي المعاصر"، بالإضافة إلى أربعة معارض للصور الفوتوغرافية هي "الله يعمرك أ مراكش"، و"نبش في ثنايا الحميمية بين الذاكرة والمتخيل"، ومعرض للرحلة المتحركة بعنوان "فرانش إيموشن"، ومعرض حول "أدوات ومواد صناعة الحبر".

ومن بين فقرات المعرض تنظيم ورشات لفائدة الأطفال في الخط العربي والمسرح والفن التشكيلي وطي الورق يؤطرها فنانون ومتخصصون في هذه المجالات، وهي الورشات التي لاقت إقبالاً كبيراً من قبل الأطفال.

كما تحتضن مجموعة من الفضاءات التاريخية والأثرية التي تزخر بها مدينة مراكش كقصر الباهية، ودار بلارج ومتعبة بن يوسف، وفضاء ساحة الكتبية العائد لعصر المرابطين، والذي كان يعج بدكاكين صغيرة تحوي مئات النساخ ممن كانوا ينسخون المخطوطات والكتب.