المرأة والدين والسياسة في رؤية برّين سونماز

أكدت الباحثة والمؤرخة التركية برّين سونماز، أن خلعها للحجاب كان احتجاجاً على توظيف الدين سياسياً، داعيةً إلى تعزيز النسوية الإسلامية، وحماية العلمانية، ومواجهة النظام الأبوي، وتوحيد نضال النساء من أجل الحرية، العدالة، والمساواة في مجتمع ديمقراطي.

بنفش ستيرك

آمد ـ ألقت رئاسة الشؤون الدينية في تركيا في الآونة الأخيرة خطبة في 90 ألف مسجد، تضمنت هجوماً على حقوق النساء في الميراث واللباس والمساواة، وهو ما قوبل بانتفاضة من منظمات نسائية ضد هذه الخطبة، معربةً عن رفضها لها من خلال فعاليات واحتجاجات، رافعات أصواتهن بالاعتراض من بينهن الباحثة والمؤرخة برّين سونماز، التي خلعت حجابها على الهواء مباشرة في بث تلفزيوني، مما أثار صدى واسعاً في تركيا والعالم.

برّين سونماز، الباحثة والمؤرخة التي خلعت الحجاب على الهواء مباشرة عندما استضافتها إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة، تقول "لم تستطع إكمال الدكتوره بسبب ظروف صحية، فواصلت عمليّ كمحاضرة، تم فصلها من الجامعة خلال حملة 28 شباط/فبراير، ثم تقاعدت وانخرطت في المجتمع المدني، حيث نشطت في الدفاع عن حقوق النساء والأطفال، تعاونت مع مبادرات السلام والديمقراطية، وبعد التقاعد خلعت الحجاب احتجاجاً على سياسات حزب العدالة والتنمية".

 

النسوية الإسلامية بين الحرية والعلمانية

وعن قرار خلع حجابها بعد تقاعدها، خاصة مع صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، أشارت برّين سونماز "شعرت أن هناك احتمالاً لتحول البلاد نحو نموذج مشابه لإيران ولو بنسبة ضئيلة، وأن الوقت المناسب لاتخاذ هذه الخطوة جاء مع خطبة رئاسة الشؤون الدينية في آب الماضي، بدأت التفكير بجدية متسائلةً إن كان عليّ فعلاً أن أخلع الحجاب".

وقالت إن خطبة المساجد التركية في الأول من آب/أغسطس الماضي ركزت على مفاهيم الحياء والطهارة، لكنها في الواقع اختزلت كل ذلك في جسد المرأة، مشيرةً إلى أن "رئاسة الشؤون الدينية قرأت آيات من سورة النور تدعو للحشمة، ثم انتقلت للحديث عن الملابس القصيرة والشفافة"، موضحةً أن "هذه المفاهيم تُستخدم بمعانٍ واسعة، لكن تم توظيفها فقط لتقييد النساء دون الرجال، وأن الخطبة تجاهلت المبادئ الأخلاقية في البُنى التنظيمية وركزت على جسد المرأة وحده".

وأوضحت أن لديها معلومات مسبقة عن الضغوط التي تتعرض لها النساء في المؤسسات، وكانت هذه المعلومات تُتداول بينهن، متطرقةً لحالة موظفة في بنك فُصلت بسبب عدم ارتدائها الحجاب خارج العمل، مشيرةً إلى واقعة في أنقرة حيث قيل لإحدى الموظفات إنها ستُرقّى إذا ارتدت الحجاب، وأن هذه الضغوط تتسلل تدريجياً داخل البُنى التنظيمية، وأن خطاب رئاسة الشؤون الدينية يعكس سياسة دينية ممنهجة للسلطة الحاكمة.

ولفتت إلى أن رئاسة الشؤون الدينية التركية تعمل منذ سنوات كأداة دعائية تخدم السلطة الحاكمة، خاصة حين توجه خطابها إلى 90 ألف مسجد في مجتمع يسيطر عليه الرجال "هذا الخطاب يخدم البيروقراطيين والرأسماليين والقطاع الخاص بطرق مختلفة، ويُستخدم للضغط على النساء داخل البُنى التنظيمية، وهذه الضغوط تتسلل تدريجياً عبر الإعلام والمؤسسات، دون أن تكون هناك تعليمات رسمية واضحة".

ورأت أن "احتمال فرض الحجاب داخل المؤسسات بات قريباً، حتى لو لم يكن كما في إيران، فكيف كان الحجاب ممنوعاً سابقاً على العاملات وطالبات الجامعات، لكنه لم يُمنع في الشوارع، واليوم، قد يُفرض الحجاب داخل المؤسسات بأساليب غير مباشرة، لذلك يجب الحذر من قرارات محتملة تمس حياة النساء وأجسادهن".

 

رفضٌ لتسييس الدين ومواجهةٌ خطاب السلطة

أرادت برّين سونماز التعبير عن رفضها رغم صعوبة الموقف، وكان هدفها إيقاف هذا التوجه السياسي، مؤكدةً أنها لا تفرض هذا الخيار على أحد، لكنها شعرت بأن بعض أصدقائها كانوا عاجزين عن اتخاذ موقف مشابه.

وأشارت إلى دعم تلقته من شخصيات مثل هادية يولجو التي قالت "أنا أساند برين بطريقتي الخاصة"، معتبرةً ذلك موقفاً نبيلاً، كما تلقت دعماً من أشخاص قريبين منها، ولم تواجه مشاكل داخل عائلتها، ورغم بطء ردود الفعل، رأت أن السلطة تتقدم تدريجياً، ذاكرةً أن إيمان يوجيل اتخذت خطوة مشابهة، عبّرت فيها عن رفضها لسياسات القمع.

وقالت إنها تؤمن بضرورة حماية الإيمان من التوظيف السياسي، مشيرةً إلى أن اختزال المفاهيم الدينية العميقة إلى مجرد مظاهر جسدية أفسد وعي الناس "هذا التفسير الأحادي للدين يروّج لنمط ديني موحد يخدم السلطة، كما حدث سابقاً حين تم حظر عشرات الترجمات للقرآن، قبل أن يُسن قانون يسهل السيطرة على المحتوى الديني".

ورأت أن هذا النهج قد يتكرر في مجالات أخرى، معتبرةً أن انتهاء فترة علي أرباش فرصة لإعادة النظر "رئاسة الشؤون الدينية لا تنفصل عن السياسات العامة، لكن خطابها يمكن أن يوجّه الرأي العام ويمنحه شعوراً زائفاً بالطمأنينة، ورغم أنني لا أعرف الرئيس الجديد جيداً، آمل ألا يكون قريباً من التوجهات الدينية الجماعية، لأن الخطبة الأخيرة تمثل هجوماً واضحاً على العلمانية".

وأكدت برّين سونماز أن رئاسة الشؤون الدينية ملزمة بتقديم فهم ديني صحيح للرأي العام، لكنها بدلاً من ذلك تروّج لتفسيرات سلفية تُركّز على الجسد وتُهمّش العمق الروحي "المؤسسة توسّع تداول الأحاديث ذات المنظور السلفي، وتُدرج مصادرها علناً، مما يُظهر ابتعادها عن مبدأ العلمانية، والخطاب الديني لا يتناول قضايا مثل الفساد أو العدالة، بل يروّج فقط لفكرة الصبر، ورغم ذلك، تُعرف المؤسسة بإنفاقها المفرط على نفسها وعائلات مسؤوليها".

ولفتت الانتباه إلى أن "منح التصاريح الدينية في أماكن يُفترض أن تُدار بالقانون يُظهر تخلياً واضحاً عن العلمانية، وأن هذا النهج لا يواكب التحولات الاجتماعية، بل يُكرّس سلطة دينية على حساب القانون، والسلطة كثيراً ما تستخدم الدين لتوسيع نفوذها".

 

العلمانية كضمانة لحرية المتدينين والنساء

وبيّنت برّين سونماز أن تجاهل السلطة لمبدأ العلمانية يفتح الباب لسلوكيات غير أخلاقية "التخلي عن القانون العلماني يمنع تعدد التفسيرات الإسلامية ويُضيّق على حقوق النساء، وهناك فتوى صدرت بعد نشاطي، استخدمت فيها رئاسة الشؤون الدينية عبارة "الملابس الفاضحة" رغم أنها تعقد فعالياتها في فنادق فاخرة على الشاطئ، والهدف من هذه العبارة هو الاعتراض على اختلاط الجنسين في الأماكن العامة، لذلك، هذا التناقض يكشف نوايا سياسية خلف الخطاب الديني".

وأكدت على أن "تدخل رئاسة الشؤون الدينية في قضية الإرث يُظهر محاولة لتقييد حق النساء في المساواة تحت القانون العلماني، وأن الآيات القرآنية حول الإرث لا تحدد نسباً دقيقة، بل تشير إلى أن للنساء والرجال نصيب، ما يفتح المجال لتفسيرات متنوعة".

وأضافت أن نسب التوزيع تم تحديدها تاريخياً وفقاً لظروف المجتمع، وليست أمراً إلهياً ثابتاً "هذه النسب يمكن أن تتماشى مع قوانين اليوم العلمانية. ومع ذلك، أصدرت رئاسة الشؤون الدينية فتوى تُجبر المرأة على التنازل عن حقوقها إذا لم تقبل بنصف نصيب الرجل، وهذا القضية تُضعف التعددية في فهم الإسلام ويُضيّق على حقوق النساء".

وأشارت برّين سونماز إلى أن الاعتماد على قواعد الإسلام في القرن السابع لفهم وضع النساء اليوم أمر مقلق "وضع المرأة قبل الإسلام كان قاسياً، حيث أن لوح سومري يعود لعام 2450 قبل الميلاد يُظهر أن الزنا كان يُعاقب بالرمي في النهر، وأن العقوبات كانت تُنفذ بإلقاء الناس في الأنهار، ويُعتقد أن ذلك كان نهر الفرات، لذلك، فإن فهم تطور مكانة المرأة يتطلب نظرة أوسع لتاريخ المجتمعات قبل الإسلام".

وأضافت أن "ذات اللوح يذكر أن المرأة التي تقوم بالزنا تلقى في نهر الفرات، بينما يُعفى الرجل، هذا يكشف عن نظام أبوي قاسٍ تأسس منذ آلاف السنين، هذا التمييز ظل قائماً من قبل زمن النبي إبراهيم، حيث كانت النساء تُعامل كجواري وهدايا تُباع وتُشترى".

واستشهدت بقصة هاجر، الجارية المصرية التي قُدمت للنبي إبراهيم كهدية، لتوضح كيف كانت المرأة تُختزل إلى ملكية، مشيرةً إلى أن "هذا النمط سبق ظهور الديانات التوحيدية، وأن الأنبياء مثل موسى وعيسى منحوا النساء من حولهم صلاحيات عامة، وسعوا إلى إنهاء الظلم الواقع عليهن، وأن التغيير الحقيقي بدأ مع رسالات تهدف إلى تحسين وضع المرأة ومواجهة القهر الاجتماعي".

 

العنف الأبوي تاريخ من القهر

ولفتت برّين سونماز إلى أن النظام الأبوي ظل مهيمناً حتى في الإسلام، مشيرةً إلى أن النساء في مكة قبل الإسلام كن يحصلن على الإرث، لكن ذلك كان يقتصر على العائلات القوية والكبيرة، مستشهدةً بخديجة، زوجة النبي، التي ورثت مالاً ومارست التجارة، مما يدل على أن المساواة لم تكن متاحة للجميع.

وأضافت أن المجتمع آنذاك كان غير متوازن، حيث كانت بعض النساء يتمتعن بحقوق، بينما كانت أخريات يُحرمن منها، فالفتاة لم تكن تُعامل كإنسانة إلا بعد بلوغها سن التاسعة، إذ كان يُعتبر قتلها قبل هذا العمر حقاً للأب، وكان هناك قانوناً في مكة قبل الإسلام يُجرّم قتل الفتاة بعد سن التاسعة، ورغم وجود نساء قويات، فإن التفاوت كان كبيراً، حتى أن آيات الإرث في القرآن جاءت لتُقر بحق المرأة، لكنها لم تكن كافية لتغيير النظام الأبوي الراسخ.

وقالت الباحثة والمؤرخة برّين سونماز إن "العنف ظل أحد ركائز النظام الأبوي، والنساء تعرضن للقمع منذ العصور القديمة، وفكرة أن الطفل ينتمي للأب ساهمت في تقييد النساء داخل المنزل، والعنف لم يختفِ، بل تنوّع ليشمل الاقتصادي والجسدي والإنجابي، إلى جانب أنواع أخرى لا تُسمى"، منتقدةً ما يُعرف بـ "العنف بزي رسمي" حين يرتكبه رجال في مواقع السلطة دون محاسبة، فإن غياب العقاب يجعل هذا النوع من العنف أكثر خطورة، وأوامر التحقيق غالباً ما تبقى معلّقة في المحاكم دون تنفيذ.

وقالت إن "النساء الكرديات عانين من العنف العسكري خلال سنوات الحرب، وقد شاهدنا ذلك لعقود، وهذا العنف لا يقتصر على المناطق الكردية، لكن هناك أكثر قسوة واستمرارية، والنساء في القرى يروين قصصاً مؤلمة عن المطاردة والاعتقال، وقد عملنا مع العديد من المنظمات النسائية الكردية منها حركة TJA، وما زلنا نواصل النضال، في التسعينيات اندمجت الحركة النسوية الكردية ضمن التنظيمات النسوية العلمانية والاشتراكية، ونالت قبولاً واسعاً، أما النساء المسلمات، فقد واجهن صعوبات أكبر في تلك المرحلة، واليوم، لا يمكن اعتبارهن جزءاً من النسوية الرئيسية لغياب معيار واضح، فالنسوية ليست حديقة بلا أشواك، ولا يمكننا تجاوز النظام الأبوي دون مواجهته. ولهذا، أحياناً تتقاطع أشواكنا، ويجب ألا نخجل من ذلك. علينا أن نرفض التراجع أمام النقد".

وأكدت أن انتفاضةJin Jiyan Azadî" " تحمل تأثيراً عميقاً على النساء، وتتماشى مع جوهر الحقوق التي يكفلها الإسلام، ولا تتعارض معه إطلاقاً، مشددةً على أن حرية المرأة شرط أساسي لوجود المجتمع، وأن تقييد حقها في الحياة يُعد مخالفة صريحة لتعاليم الإسلام.

وانتقدت الأيديولوجيات السلفية التي تبرر العنف ضد النساء، مشيرةً إلى حالات الاختطاف التي وقعت في الساحل السوري والسويداء، رغم ابتعاد تلك المناطق عن التدين الرسمي، ورأت أن إنقاذ حياة امرأة هو إنقاذ للإنسانية، لكن السلفيين يتصرفون بعقلية سلطوية تسعى للهيمنة المباشرة.

ووصفت استهداف النساء في الحروب بأنه شكل من أشكال الإبادة الجماعية، وربطت ذلك بدعم السلفيين لهيئة تحرير الشام في مساعيها لتأسيس جمهورية إسلامية، ودعت إلى تسمية هذا التوجه بـ "السياسة اللاهوتية"، أي استخدام الدين لبناء سلطة سياسية، وختمت بأن الدين لا يجب أن يُحتكر من قبل رؤية سياسية واحدة، وأن التعبير عن الرفض ضرورة، مما يجعل تعزيز النسوية الإسلامية في تركيا أمراً ملحاً.

 

النسوية الإسلامية والعلمانية

وشددت على أن النسوية الإسلامية يجب أن تكون جريئة في طرح رؤاها "هذا مناسب، هذا غير مناسب، هذه الآية لا تقول ذلك بل تقول هذا"، مؤكدةً على ضرورة امتلاك صوت نقدي داخل الخطاب الديني.

وأوضحت أن النسوية الإسلامية لم تتطور في تركيا كما ينبغي، بسبب طبيعة النظام العلماني الذي يتيح حرية التفسير الديني لكنه لم يدفع النساء إلى تطوير خطابهن الخاص، مضيفةً أن الأدبيات النسوية الإسلامية تُنشر في أوروبا وأمريكا ودول علمانية أخرى، بينما تُقيّد في بلدانها الأصلية، ومع تصاعد التهديدات ضد العلمانية، وجدت النساء أنفسهن يدافعن عنها وعن الدين في آنٍ واحد.

ورأت أن توجه الشباب نحو العلمانية أمر إيجابي، لأن المجتمعات المسلمة ليست مجتمعات رهبانية، بل منفتحة ومتعددة، داعيةً إلى عدم التردد في العمل من أجل العدالة والمساواة، لأن العلمانية تضمن الحرية للجميع، بما فيهم المتدينون، وتُرسّخ نظاماً قانونياً يعامل المواطنين على قدم المساواة وفقاً للمعايير العالمية.

وفي ختام حديثها، أطلقت برّين سونماز دعوة مؤثرة إلى النساء كافة، مؤكدة ضرورة توحيد الصفوف للدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وعلى أهمية بناء نضال مشترك يرتكز على الديمقراطية، وسيادة القانون، والعلمانية، باعتبارها ركائز لا غنى عنها لتحقيق العدالة والمساواة، وأن ترسيخ هذه المبادئ سيمنح أرضية صلبة يتم من خلالها مواصلة المسير نحو الحرية والكرامة الإنسانية.