المرأة في الشرق الأوسط صانعة التغيير في الخفاء والعلن

مقال بقلم العضوة في أكاديمية الجنولوجيا زهيدة معمو

التحولات الجذرية التي مرت بها البشرية ابتداءً من العصر النيولوتي وما شهدته من استقرار في المجتمع آنذاك من الدور الأساسي للمرأة والمحوري لها وكانت الحجر الأساس في بناء الحضارات على مر التاريخ من الاكتشافات التي أبدعت فيها  والأساس الاقتصادي إلى البناء المجتمعي المتوازن, وهذا ماشوهد من خلال الرموز والتماثيل والآثار التي دلت وأثبتت القيمة الدينية والاجتماعية للمرأة.

اعتبرت النساء دائماً في المقام الأول كونهن أسسن القيم الأخلاقية والركائز الأساسية لبناء المجتمع والكومونة أو الكلان بالرؤية التشاركية المتمثلة بالعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين وهذا ما أدى إلى أن وجود المراة والرؤية الابداعية والروحية كملجأ أساسي لمن حولها والطبيبة الشافية سواء بتلك الأدوية التي اكتشفتها من رحم الطبيعة أو بتمتماتها الروحية الشافية.

بتطور الحضارات بصمت النساء على كل الجدران والصخور تاريخها وكأنها ادركت أن يوما ما ستمحى وتطمس, خطت ورسمت واحتضنت ماتبقى من ابداعاتها المسلوبة في ذاكرتها وتراتيلها وأغنياتها في المهد وزينتها بنقوش على جسدها يمكن اعتبارها آنذاك بأنها نهضة علمية, ثقافية, اجتماعية, اقتصادية الخ.. والتي بدأت بإنانا ومن ثم أفروديت هيباتيا, ماري كوري ليز مايتنر روزاليند فرانكلين نوال السعداوي والعديد من النساء اللاتي أنقذن البشرية ووضعن أجوبة أمام الكثير من الأسئلة المتناقضة لكن التاريخ طمس ومحى أثرهن وحاول أن يخفي ماتبقى من نتاجاتهن.

لذا من الضروري اليوم أن نسلط الضوء على واقع تهميش المرأة التاريخي والعصري أيضاً فاستمرار التهميش لنتاج المرأة عبر العصور مازال يتحول بكل الأشكال وينسبون اليه مسميات مختلفة, ونحن النساء مازلنا نكدح بكل قوانا لنبرز ملامح التهميش ونمحي آثاره ومع ذلك مازال الواقع والذكورة يحاولان بشتى الوسائل أن يخفقوا في الحديث عن الدور الأساسي الثنائي للبشرية في التحولات والتطورات الجارية في عصرنا الحالي وللمستقبل أيضاً.

 

تهميش المرأة وفاعليتها

على الرغم من القدرة الهائلة للعطاء وإبراز النجاحات في كافة المجالات الحياتية وعلى مر العصور سواء أكانت قيادية, كومونية أو مجتمعية حيث كان لها الدور الأكبر في تأسيس المجتمعات والحياة المجتمعية إلا أنه بتداخل الصراعات ما بين الذكورة والأنوثة بدأت مرحلة أخرى من تهميش الدور النسوي بنشوء الطبقية والتهجم والاستيلاء على ابداعات النساء عبر التاريخ, وبنشوء الطبقية والذكورة وتولد العادات والتقاليد المجتمعية التي سيطرت على عقول الأفراد بات الدور النسوي مخفياً ومهمشاً فقد حرمن العديد من الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها الكائن البشري كالعيش بحرية الفكر وغياب حق التعليم وعدم مشاركتها في المجال العملي وحصرها في زاوية الجدران الأربع وفرض الحياة الزوجية والخ.

بالتأكيد هذا ما أثر سلباً على المجتمع فكانت خطوات تقدم المجتمعات غير كفيلة بالوصول إلى الأهداف المرجوة, لأن تهميش العنصر الأساسي المبدع أدى لخلل في توازن الحياة الاجتماعية.

 

الدور الثانوي للمرأة في المجتمعات واستمرارها في النضال

لم تكن الحركات النسائية واقفة مكتوفة الأيدي بل كان النضال مستمر على مر العصور والأزمنة على الرغم من استخدام العنف ضد مطالبات النساء الحقوقية وارتكاب الجرائم بحقهن واستخدام جميع أساليب العنف ضدهن من تنكيل وتعذيب واغتصاب وتشهير تحت مسمى الأخلاق وغيرها وهذا ما اثبته علم الآثار مما تعرضت له النساء على يد أدوات التعذيب التي صنعها الإنسان ليقتل بها ويعاقب بها بني جلدته كالمقصلة, الإعدام شنقاً, الاصفاد, السوط، وغيرها كلها أساليب طورت أمام كراهية النساء وحقد الذكورة المدفون على الرغم من رؤيتها وكأنها أداة للمتعة إلا أنها في نفس الوقت اداة للتعذيب والتهميش وجعلها في مرتبة ثانوية وأدنى أيضاً.

أمام كل هذه الممارسات التي شوهدت على مر التاريخ لم تقف المرأة على تلك الحافة وتشاهد بل أقامت جبهات أمام الطغيان في مجال العلم والسياسة والثقافة والفن والرياضة والاقتصاد والخ ...وأثبتت قدرتها على هذه المواجهة وببطولة حققت وجوداً رسم على صفحات التاريخ وحفظت معالمه.

 

الدور التاريخي بالأمثلة

أخفى التاريخ بطولات العديد من النساء في المعارك التي خضنها سواء أكانت في أوروبا أو الشرق الاوسط أو أي مكان على هذه الأرض فكانت جان دارك المراة التي اخفت جسدها  خوفاً من التعصب والتمييز بين الجنسين في مجتمعها حينها، وشاركت في المعركة وانتصرت ولم يكتب التاريخ بقلمها ولا حتى بطولتها وشجاعتها، وسميراميس التي كانت تعرف بجسارتها في الحرب وحثت على بناء حدائق بابل المعلقة وزنوبيا التي رجحت الموت على العيش في الذل والإهانة وكليوباترا التي دافعت عن وطنها.

كانت النساء من كل الأطياف والأعراق لهن دور أساسي في مجتمعاتهن كالأشورية والسريانية والكردية والمرأة العربية والغربية أيضاً التي عملت كصلة تواصل مابين تقارب المجتمعات والذي أدى في يومنا هذا لغنى مجتمعي مختلف فاستلهمت النساء من تجارب بعضهن البعض إلا أن بدأ النظام العالمي القمعي والرأسمالية بإنشاء الشرخ وبناء جدران أدت إلى ظهور الطبقية والعنصرية وتهميش المجتمع إلى جانب تهميش النساء بشكل خاص.

فالانكسارات المتتالية التي بدأت بنشوء الطبقية وحبس النساء وتقييدها ما بين الجدران الأربعة إلى الاتجار بجسد النساء في العلن والخفاء واستهلاكها نفسياً وجسدياً لم يكن بسيطاً إلى هذا الحد وعلى الرغم من ذلك استمرت وقوت عزيمتها.

 

المرأة الشرق الأوسطية وتاريخ صراعاتها ونضالاتها

كان الشرق الاوسط مركزاً للإبداع والعلوم والفنون ومصدر إلهام لكل الشعوب، وكانت المرأة فيه لها ركيزة أساسية وقوية فالتيارات الإنسانية والفلسفية ناهضت آنذاك النظام الأبوي الموجود كزرادشت وماني وبعض الحركات التي كانت تعمل في الخفاء واقتربت في جوهرها من الحقيقة الأنثوية لتفصح القيم المستنبطة من الثورة النيولوتية الباقية في ذاكرة الإنسانية وبقيت منطقة الشرق الأوسط ذات موقع مهم وأرض خير لظهور شخصيات عظيمة من النساء عبر التاريخ.

واستمرارية للتاريخ والكشف عن ما خفي تحركت النساء وكونت الحركات النسائية على مستوى العالم والشرق الأوسط وتكاتفت أمام الهيمنة في سبيل استرداد حقوقها وإثبات ذاتها على أرض الواقع وبالفعل أظهرت القوة النسائية ركيزتها ومبادئها وفرضتها كونها أمر واقع وطبيعي جداً وهذا ما استمرت به النساء على الرغم مما تعرضن له من ممارسات إلا أن المرأة اثبتت بنضالها في الحرب والتهجير والعنف والحرب النفسية بأنها جديرة بإدارة مجتمع باكمله وخير دليل على ذلك المرأة الفلسطينية التي تتحدى اليوم الإبادة بحق الهوية النسوية والقومية والمرأة الدرزية التي أثبتت جدارتها ورفعت السلاح أمام ما يمارس من إبادة بحق مجتمعها والعلوية والسنية وغيرها, ففي كل مجتمع وأرض لا تقف النساء مكتوفات الأيادي بل تناضل المرأة بقوتها الفكرية من الدرجة الأولى وتصل بكل تأكيد إلى ما يتوجب الحصول عليه لتعيش حياة آمنة, حرة, تحافظ على هويتها في المجتمع.

سواء أكان في الخفاء أم في العلن ساهمت النساء في الكثير من التغييرات الحاصلة في تاريخ الإنسانية, ولعبت الدور المحوري الذي من شأنه أن يطورالمجتمع ولعبت دوراً في السياسة وأبرزت القوة الفكرية والإبداعية وطورت من الاقتصاد وأبدعت في الفن في كل مجالاته.