المرأة بين قدسية الحداد وقمع الهوية
لماذا يعدّ موت الزوج بالنسبة للرجل فرصة لبداية جديدة، بينما يتحول بالنسبة للمرأة إلى نهاية الحياة وأسر في حداد أبدي؟

نسيم أحمدي
كرماشان ـ أحدهم يجب أن يتزوج فوراً بعد وفاة زوجته بسبب عدم قدرته على القيام بالأمور الحياتية، والآخر يجب أن يبقى إما أعزباً إلى الأبد أو يكرس حياته لرعاية أبنائه، هذان السردان يعكسان مسارين مختلفين لحياة النساء والرجال الذين فقدوا شركاء حياتهم، وبينما يمرّون بنفس الظروف، فإن المجتمع والمعتقدات السائدة توجههم نحو طريقين متناقضين تماماً.
في ثقافة المجتمع السائدة التي تؤمن بتفوق الرجل على المرأة، تُعدّ راحة الرجل وتلبية احتياجاته أمراً بالغ الأهمية، وغالباً ما تُعتبر هذه المهمة الحيوية من مسؤوليات الزوجة، التي عليها تلبية احتياجات زوجها اليومية والشخصية، وبما أن تعاليم النظام الذكوري في مدرسته المعادية للمرأة تصوّر الرجل كإله يجب على المرأة خدمته، فإن الرجل لا يستطيع حتى القيام بأعماله اليومية، ويجب أن تكون هناك امرأة تقوم بها، وتشمل هذه الأعمال غسل الجوارب، طهي الطعام، تنظيف المنزل، وهي أمور يُعتقد أن الرجال لا ينبغي لهم القيام بها.
دعم المجتمع لزواج الرجل مرة أخرى
في مجتمع يحكمه النظام الذكوري، عندما يفقد الرجل زوجته، يمكنه أن يتزوج فوراً من امرأة أخرى، ويحظى بدعم المجتمع، لأن الاعتقاد السائد هو أن الرجل لا يمكنه الاستمرار في الحياة دون امرأة تطهو له وتدير شؤون المنزل، ولهذا فإن زواج الرجل مرة أخرى بعد وفاة زوجته أمر شائع.
الوفاء الإجباري للنساء
يُمنح هذا الحق في الزواج مرة أخرى للرجل، بينما تُحرم المرأة منه إذا فقدت زوجها، ويُنظر إليها فقط من خلال تعريف واحد وهو يجب أن "تضحي"، وهذه التضحية لا تتحقق إلا إذا لم تفكر في الزواج مرة أخرى، وإذا كان لديها أطفال، فعليها أن تكرّس بقية حياتها لتربيتهم.
المرأة التي يجب أن تبقى جندية وفية إلى الأبد
تقول مهنا. ق، أخصائية اجتماعية في كرماشان بشرق كردستان "في المجتمع الذكوري، تُعتبر خدمة الرجل الوظيفة الوحيدة للمرأة، والرجل يتمسك بهذا الاعتقاد بأن المرأة لا دور لها سوى تلبية احتياجات الزوج وخدمته، وعندما يتوفى، تصبح ملزمة بالبقاء وفية له إلى الأبد، ولا يحق لها الزواج مرة أخرى، لأن وظيفتها كانت خدمة الزوج، والآن بعد وفاته، يجب أن تبقى مثل الجندي المطيع لقائد ميت، وتواصل حياتها بالحزن واللباس الأسود، حتى تنال استحسان المجتمع من حولها".
وأشارت إلى أنه "إذا فقد الرجل زوجته، فيجب أن يحصل على زوجة فوراً، لأن المرأة تؤدي دور الخادمة للرجل الذي بدون زوجة لا يستطيع حتى القيام بأموره الشخصية، وفي الواقع، كثير من هؤلاء الرجال يتزوجون بعد أسبوع واحد فقط من وفاة زوجاتهم، ولا يواجهون أي عائق في ذلك".
وأوضحت أنه "بشكل عام، فإن جرأة الرجال وقمع النساء بعد وفاة الزوج، والاختلاف في مصيرهم، يعود إلى عبادة الذكورة في المجتمع، حيث تُعتبر راحة الرجل أهم حتى من الحزن على وفاة المرأة، ولا يُمنح موتها أي قيمة تُذكر، إذ يُسارعون فوراً بعد وفاتها للبحث عن بديل".
إعادة تعريف حديث لمراسم "ساتي"
المصير الذي تُدان به النساء في اليوم بعد وفاة الزوج، هو في الواقع شكل حديث من طقوس "ساتي" في الهند القديمة.
في تلك الطقوس، كان يجب على المرأة بعد وفاة زوجها أن تلقي بنفسها طوعاً في النار التي يُحرق فيها جثمان الزوج، لتُظهر مدى وفائها له، وأحياناً، إذا لم تحرق المرأة نفسها في نار جنازة زوجها، كان المحيطون بها يحرقونها حيّة بجانب جثمانه، لإثبات مدى إخلاصها له.
بشكل عام، تعني كلمة "ساتي" المرأة الوفية، واليوم، تُستخدم هذه الكلمة لوصف النساء اللواتي لا يتزوجن بعد وفاة أزواجهن، ويُنظر إليهن على أنهن وفيات، وبناءً على هذا التفسير، يمكن القول إن مصير النساء بعد وفاة الزوج هو إعادة تعريف حديث لطقوس "ساتي"، حيث لا ينبغي للمرأة أن تفكر في الحياة بعد أن تصبح أرملة.
في الشكل الحديث من طقوس "ساتي"، لا يُسمح للنساء بالزواج بعد وفاة الزوج، ولا ينبغي لهن حتى بعد سنوات من وفاته أن يشاركن في أي مناسبة غير مراسم الحداد، وبشكل عام، يجب أن تتحول المرأة بعد وفاة زوجها إلى جسد متحرك بلا روح، بعيدة عن الحياة.
الحياة في حداد أبدي
تهمينة آرمي (اسم مستعار)، تبلغ من العمر نحو أربعين عاماً، وقد مضت سنوات على وفاة زوجها، قالت "في مراسم دفن زوجي، كانت نساء العائلة ينتفن شعري لزيادة النحيب، ويخدشن وجهي بأظافرهن حتى تبقى آثار الحزن واضحة عليه، وكانوا يرمون التراب الذي دُفن فيه زوجي على رأسي باستمرار، وكان عليّ أن أرتدي ملابس سوداء لمدة أسبوع كامل".
وأكدت "كل هذا جزء من تقاليد عائلتنا، والآن، بعد مرور نحو عشر سنوات على وفاة زوجي، لم أرتدِ سوى الملابس ذات الألوان الداكنة، وحتى للتسوق لا أذهب إلى السوق، لأنني كامرأة أرملة انتهت حياتي، ويجب أن أبقى في حداد حتى الموت".
وأوضحت "بشكل عام، إذا ترملت المرأة في ثقافتنا، فإن حياتها تنتهي، بينما زوجة شقيق زوجي توفيت قبل عامين، وقبل مرور أربعين يوماً على وفاتها، تزوج".
الترمّل هو البؤس المطلق
"البؤس المطلق" هو المصطلح الذي يُستخدم في المجتمع الذكوري لوصف حال الأرملة، حيث أن أقارب تهمينة آرمي، بدلاً من مواساتها، حاولوا بناءً على تقليد قديم وبالي، أن يُجبروها على المزيد من النحيب والبكاء ليُفهموها أنه لا يوجد بؤس أعظم من أن تكون أرملة، وأن هذا جرح لا شفاء له، ولهذا السبب، قاموا بخدش وجهها ونتف شعرها ليُظهروا لها أن الحزن على فقدان الزوج عظيم لدرجة أن الحداد وإيذاء النفس لا يكفيان، بل يجب على الآخرين أيضاً أن يشاركوها ذلك.
في الواقع، سلوكهم يشبه إلى حد كبير طقوس "ساتي"، حيث كان أقارب المرأة في تلك الطقوس يحرقونها حيّة بجانب جثة زوجها، أما في حياة تهمينة آرمي، فقد بدأ الأقارب بإيذاء جسدها ثم فرضوا عليها قيوداً قاسية ألحقت الضرر بروحها.
بشكل عام، فإن وصف المجتمع الذي يؤمن بتفوق الرجل هو أن فقدان الزوج بالنسبة للمرأة يُعدّ أقصى درجات الألم، وإذا لم تبقَ المرأة في حداد دائم على زوجها، فإنها ستُواجه حكماً سلبياً من الآخرين.
الترمّل هو انعدام وجود المرأة في المجتمع الذكوري
تقول سهیلا. س، ناشطة في مجال حقوق المرأة "الأرملة في مجتمع يؤمن بالذكورية تُعتبر إنسانة ملعونة، وجود الزوج، الذي يُعدّ في مثل هذا المجتمع بمثابة "ظل"، يُعتبر امتيازاً كبيراً، وإذا مات زوجها، فإن حياتها تنتهي، لأن وجود المرأة المتزوجة يُكتسب فقط من خلال زوجها، وبالتالي يُدفع بها من قبل المجتمع نحو العدم، لأنها فقدت الوثيقة الوحيدة التي تُثبت وجودها، وهي الزوج، ولم يعد لها الحق في أن تبني هوية جديدة مستقلة لنفسها".
وأشارت إلى أنه "في مجتمع تحكمه الذكورية، تكتسب المرأة وجودها من الرجل الذي يسيطر عليها لدرجة أنه حتى بعد وفاته، لا يمكن لزوجته أن تواصل حياتها إلا إذا بقيت أرملته، وفي الواقع، في مثل هذا المجتمع، لا تملك النساء هوية مستقلة، ولا يمكنهن الاستمرار في الحياة إلا إذا تم تعريفهن كزوجة أو أرملة لرجل".
الذكورية سلسلة تتجاوز الموت
بشكل عام، استطاعت العقلية الذكورية من خلال ترسيخ قوانينها في المجتمع أن تضع قواعد تمكّن الرجل من السيطرة الكاملة على زوجته بطرق مختلفة طوال حياته، وحتى بعد وفاته تستمر هذه الهيمنة على الزوجة.
في الواقع، يمكن القول إن الذكورية، بما يفوق تصور أي امرأة، هي سلسلة متينة تُقيّد النساء، وتستمر في تحديد نمط حياتهن حتى الموت وما بعده، وقد نجحت بكل وسيلة ممكنة في تغيير أسس الحياة لصالح الرجال، أسس تدفع النساء بعد وفاة أزواجهن نحو العدم، بينما تمنح الرجال حياة جديدة.