المرأة النورستانية صوتٌ ضد التطرف وسندٌ للمقاوم

في قلب جبال شاهقة شرق أفغانستان، حيث الطرق لا تزال بدائية والدولة غائبة، تعيش نساء يُعتَبَرن الركائز الصامتة للمجتمع؛ وعلى الرغم من أن نورستان أرض منسية ارتفع صوت نسائها من أعماق قرونٍ من الصمت والقمع.

بهاران لهيب

نورستان ـ نورستان إحدى الولايات الشرقية في أفغانستان، ويتحدث سكانها باللغة النورستانية، بينما تُستخدم اللغة البشتونية كلغة رسمية ثانية وشائعة في المعاملات الإدارية، يعيش أهالي هذه الولاية بين جبال شاهقة، تتميز بمواردها الطبيعية الغنية، خصوصاً الفواكه البرية مثل الجوز و"الصنوبر البري"، الذي يُعد من أغلى وأهم الفواكه المجففة في أفغانستان ويحظى بطلب واسع داخلياً وخارجياً.

تقع نورستان على الحدود مع باكستان من جهة واحدة، فقبل حكم الأمير عبد الرحمن خان، كان سكان الولاية يعتنقون ديانات غير الإسلام، ومع وصول عبد الرحمن إلى الحكم، وبالتزامن مع عمليات القتل المنهجية بحق الهزارة وقمع المثقفين، تعرّضت نورستان لهجوم عسكري، حيث اضطر سكانها إلى اعتناق الإسلام بالقوة، وقبل هذا التحول القسري، كانت تُعرف المنطقة باسم "كافرستان".

بعض السكان فرّوا إلى ولايات أخرى حفاظاً على حياتهم، فيما بقي البعض الآخر في نورستان، أما في الوقت الراهن، انتشرت المعتقدات الوهابية بين السكان، خصوصاً بين الشباب، حيث ظهرت ميول للتطرف الفكري وتأثر واضح بالفكر الداعشي.

تعاني نورستان، شأنها شأن العديد من الولايات النائية في أفغانستان، من نقص حاد في الخدمات الأساسية، فعلى الرغم من طبيعتها الخلابة، يضطر السكان إلى السير لساعات على الأقدام للوصول إلى أقرب مركز صحي، الذي غالباً ما يكون بلا تجهيزات كافية، وإن لم يكن متوفراً، فيتوجب عليهم السفر إلى الولايات المجاورة، وهو أمر بالغ الصعوبة بسبب نقص وسائل النقل ورداءة الطرق.

لم تشهد هذه الولاية أي مشاريع تنموية حقيقية من قِبل الحكومات المتعاقبة عبر التاريخ، وبعد جهود متكررة من الأهالي، أُنشئت أخيراً طريق بدائية وسط جبال نورستان في العقدين الأخيرين، لكن تنفيذ المشروع شابه فساد واسع في أعلى مستويات الدولة، ورغم الكلفة الباهظة، لا يزال الطريق غير مكتمل وخطر.

لا يزال سكان نورستان يعيشون بأسلوب قبلي، حيث تتخذ القرارات بشكل أساسي من قبل زعماء القبائل، ورغم أن المجتمع تقليدي للغاية وذكوري بطبيعته، فإن النساء يلعبن دوراً جوهرياً في الاقتصاد المحلي، حيث يقوم اقتصاد نورستان، كما هو حال معظم مناطق أفغانستان، على الزراعة وتربية المواشي، وهي مهام تقع في الغالب على عاتق النساء، مما منحهن مكانة ونفوذاً ملحوظين داخل الأسرة والمجتمع.

مع الانقلاب الذي وقع في 27 نيسان/أبريل 1978، وكما أُشير إليه في تقارير أخرى، بدأت مرحلة مظلمة وعاصفة لشعب أفغانستان، خاصة للنساء، فإلى جانب مواجهتهن للهيمنة الذكورية التقليدية، اضطررن أيضاً لتحمل وطأة الفكر الديني المتشدد والنظرة المعادية للمرأة، ولم تكن نساء نورستان مستثنيات من هذه القاعدة، ففقدن الحريات النسبية التي كن يتمتعن بها سابقاً.

ورغم الطبيعة الجبلية والعزلة النسبية لنورستان، فقد شاركت النساء هناك بشكل غير مسبوق في الجبهة الديمقراطية خلال مقاومة الاحتلال الروسي، وساهمن إلى جانب الرجال في نقل الأسلحة، توفير الطعام ودعم جبهات المقاومة، في دور يُعد نادراً ومصدر فخر.

وبعد عودة طالبان إلى السلطة عام 2021، حاول بعض رجال الدين في نورستان منع النساء من العمل خارج المنزل، رغم أنهن كن يتحملن جانباً كبيراً من العبء الاقتصادي للأسرة، وقد قوبلت هذه المحاولات بمعارضة شديدة من النساء، حيث أكدن أنهن لا يرغبن في اقتصار دورهن على رعاية الأطفال والأعمال المنزلية، بل يردن مشاركة فاعلة في الحياة الاجتماعية.

وحتى قبل حكم طالبان، أصدرت بعض الفتاوى التي تمنع النساء من العمل خارج المنزل، لكنها واجهت رفضاً واسعاً وجريئاً من نساء نورستان.

وفي ثقافة نورستان، يُعتبر قيام الرجال بأعمال النساء أمراً مُخجلاً، وتعتبر النساء أنفسهن أكثر قوة وعزيمة واستقلالاً من الرجال، ولا يقبلن أبداً تغيير وضعهن الاجتماعي، فهن بحق رمز الصلابة والصمود والاستقلال في مجتمع غارق في تاريخ من التمييز والقمع.