الجمال الذي ينمو مع الحرية... ناكيهان أكارسال
"كانت فنانة بارعة وشاعرة وأديبة وعاملة ثورية نسجت الحاضر والمستقبل بوعي"، بهذه الكلمات استذكرت أكاديمية جنولوجيا عضوتها الناشطة والصحفية ناكيهان أكارسال التي تم استهدافها في مدينة السليمانية بإقليم كردستان.
أكاديمية جنولوجيا
اليوم هو الذكرى السنوية الأولى لرحيل ناكيهان أكارسال الملقبة بـ "زيلان" عنا. لقد فتح هذا الرحيل الطريق أمامنا لنجتمع معاً، وهو ما يذكرنا دائماً بكل الجمال الذي أرادت أن ينمو في حريتها. علم المعنى والحياة الجنولوجيا يقدم طرقاً ووسائل لفتح أبواب الحرية وفتح الأقفال التي وُضعت على أدمغتنا وأرواحنا منذ الولادة، ويواصل طرق تحرير المعرفة والحكمة.
الناشطة ناكيهان أكارسال التي قالت "أريد أن أعيش حياة ذات معنى ونشاط كبير"، عمقت من مستوى "الانسجام بين الأيديولوجيا وعلم الاجتماع" وحولته إلى قوة حياة من خلال الجنولوجيا. لقد ربطت وجسدت الجنولوجيا، وهو صيغة كيفية بناء نسيج سوسيولوجيا الحرية خطوة بخطوة، في كل مجال وجانب من جوانب الحياة بجهودها وتركيزها المستمر، ومع إدراكها بأن أخلاقيات وفلسفة الحرية وتنمية ثقافة المجتمع الحر والتضحية والجهود في بناء ثورة المرأة ستؤدي إلى نتائج تاريخية واجتماعية، فقد بذلت طاقتها في كل مجال، وجعلت من علم وفلسفة الجنولوجيا الذي يسلط الضوء على طبيعة المرأة والمجتمع وتاريخها ومقاومتها، ويعطى للحياة معنى وقوة، الدرب والركاب لعصر الثورات النسائية. لقد كانت ممن أزالوا بفكر تحرير المرأة، العبودية من كافة أنسجتها، ومن خلال تحويل طريق الثورة إلى مصدر للحرية والجمال، أصبحت أحد الذين خلقوا سوسيولوجيا الحرية.
لقد وضعت رغبتها بالتغيير داخل كفاحها الهادف
الناشطة ناكيهان أكارسال لم تجد حياتها وتفكيرها وطريقة عيشها مناسبة لها ولم تتقبلها، وبينما كانت متحمسة لروح الثورة والحرية، بدأت بالبحث عن السبل الأيديولوجية والسياسية والعلمية والفلسفية للتغلب على التخلف.
باعتبارها واحدة من نسائنا الذين يفكرون أكثر في المعنى والفهم، فقد وضعت رغبة العبور والتجاوز والتغيير والتحويل "كل الحياة التي أصبحت عادية" في قصيدتها ونضالها الهادف. لقد كانت من رواد تطور العلم والحياة والثورة في لغة الشعر، ومن الذين خالفوا القواعد والأنماط، وعبرت في إحدى قصائدها عن المسار السحري لهذا التدفق على النحو التالي:
"الطريق
في كل خطوة كنت أخطوها إليك وأقترب فيها منك
كنت أقترب من نفسي
لقد أسميته وقت الحرية
قلت الحرية"
العثور على الطريقة التي تقرب الناس منها؛ يعني الأمل والتوق للوصول إلى رحلة اكتشاف الذات والدخول في طريق الحرية. إنه يمثل النقاء في المشاعر والأفكار والشخصية والحياة. إنه ينطوي على التغلب على الاغتراب، والالتقاء بطبيعتها، والتوغل في طريقها الخاص، وحل مستوى تدمير ذهنية الرجل ونظامه المهيمن على المرأة، والسير إلى الحل من صميم القلب والروح.
وهذا لا يعني غياب الصراع، ولكنه يعني في الوقت نفسه إيجاد القدرة على تجنب الحياة اليومية والصراعات، ومتابعة الصراعات التاريخية والاجتماعية، وإيجاد القدرة على فض الصراعات وإيجاد حل لها، بينما تسلك ناكيهان أكارسال الطرق التي تبعدها، فإنها تستجمع شجاعتها وتحشدها للسير في الطرق التي تقربها من ذاتها. إن طاقتها المتدفقة، وشخصيتها التي تعتمد على هذه الطاقة، وصداقتها المحتضنة، وحبها للحياة، واحترامها، تحقق ذاتها بهذه الطرق.
كانت فنانة بارعة اكتشف ونسجت الحاضر والمستقبل بوعي
ناكيهان أكارسال، التي اتخذت الخطوات العملية للإتقان الأدبي، ودمجت الجنولوجيا مع الفن، وجعلت الفن والشعر لغة الحياة والعلم، عرفت أن هذه اللغة وهذا الأسلوب هما محور الطبيعة الاجتماعية وحياة المرأة. كانت فنانة بارعة وشاعرة وأديبة وعاملة ثورية نسجت الحاضر والمستقبل بوعي.
لقد كانت عاملة بالحب واستطاعت إعادة نهر الحياة إلى حيويته السابقة وقوته وتدفقه ومصدر خضرته وثروته في نظام دولة ـ الرجل، وبدأت باكتشاف هذه الحيوية والغنى، وفي كل خطوة خطتها استوعبت روح الزمن بالإحساس والشعور به ووصلت إلى سر "إن التاريخ هو الحاضر". كانت من حول سحر هذا السر إلى صيغة نضالية، وشاركته مع صديقاتها والأشخاص الذين ناضلوا على طريق الحرية، وهمست لكل امرأة أن عليها أن تسلك هذا الطريق، وكانت تشبع بعمق الذهنية الوطنية وحيوية الوعي التاريخي، وقوة الجدل المحلي والعالمي، والتصميم والقدرة على احتضان الكون كله.
اهتمام ناكيهان أكارسال بالثقافة الوطنية؛ لقد كانت تحاول الوصول إلى جذر شجرة الحياة، وربطها بطاقة الأرض وإنتاجيتها، وعلى ذلك الجذر مع ارتفاع جذع الشجرة تتشكل الدراسة الأخلاقية الجمالية بأغصانها التي تصل إلى السماء وتلبي القيم الإنسانية العالمية، ومع الوعي بأنه بدون جذر، ولا هوية، ولا مكان، هي أعظم مصيبة وأكبر كارثة جلبتها حضارة الدولة ومنفذوها على الإنسانية، والكرد والنساء اليوم، واتخذت من الوطنية الثورية أساساً لحماية ثقافتهم.
إن مركز الأبحاث في أرشيف مكتبة المرأة الكردية، حيث أكملت ناكيهان أكارسال كافة استعداداتها بثقة وإيمان وأمل قبل مقتلها وبدء العمل الافتتاحي، كانت نتاج مشاعر وأفكار ونضالات، وكان من المهم أن تتم حماية كل معلومات وأعمال ووثائق المرأة التي كانت قائدة هذا الوعي بعناية، وأن تأخذ مكانها في الذاكرة الاجتماعية، وإبقائها حية، وجعلها مرجعاً يساعد على الوحدة وازدهار الأمة الديمقراطية. بعد استشهادها وفي 24 حزيران/يونيو الماضي، بافتتاحية كانت نتاج تفانيها في عملها وقيمها الفاضلة وهدفها، اكتسبت بطريقة ما اسمها وشوقها، وأصبحت تاريخية.
العام الذي تركناه خلفنا يمثل رغبتنا وإصرارنا على إحياء الحياة مع ناكيهان أكارسال، التي تحدد طريق عملنا ومشاعرنا وأفكارنا، ونعيش معاً حب المرأة والإنتاجية والمشاعر والقوة العقلية.
وستكون معنا بتضحياتها التي تُغني وتقوي وتنمي صداقتنا الأكاديمية والثورية والنسائية. سنتقدم معاً على طريق تنوير عقولنا وقلوبنا، وتطوير المعرفة والعقلية والعمل الذي يضمن وجودنا وحريتنا وتعميق وعي الدفاع عن النفس ومقاومة ثورة المرأة.
دقة زيلان، حساسية ناكيهان، حماسة ومعنويات أكارسال
أوردت ناكيهان أكارسال في إحدى مقالاتها في مجلة الجنولوجيا قولاً لـ أولريكه ماينهوف الناشطة الثورية العظيمة في الستينيات "أفضل الغضب على الحزن"، وذكرت أن هذا النهج هو خلاصة عالم عواطف وأفكار ثورة 1968، ونحن كصديقات لها والعاملين في أكاديمية جنولوجيا ومن خلال تنمية غضبنا على مر السنين بدلاً من الحزن، سننفذ عملنا بدقة زيلان، وحساسية ناكيهان، وحماس ومعنويات أكارسال، فهي لم تقلل أو تنقص من صداقتها وطاقتها في التعليم والمخيم والدراسات البحثية والتنويرية والمؤتمرات وورش العمل وعلى وسائل الإعلام والأحاديث بين النساء والناس والمناقشة والبحث عن الحلول، وبحماس والعمل الثوري لجينا أميني، أوصلت روح ووعي ثورة المرأة إلى العالم أجمع وأعطتهم القدرة على إحياء حداثة المرأة.
الثورية تعني تنمية إرادة تجميع الغضب بدلاً من الإحباط والحزن وتفجيره في ذهن النظام الذكوري المسيطر. كمحبين للحرية للحركة التي تحول الألم إلى قوة، وثقافة الوجود والمقاومة، نحاول تحويل غضبنا إلى قوة حياة وعمل ونشاط. نمضي قدماً من خلال تكرار عهودنا والوعد بمواجهة الآلام المتزايدة بقوة العقل والقلب الحر. نسعى لتجاوز وتطوير سبل التغلب على صعوبات الحياة ومزالقها وجوانبنا المضطربة وغير المنظمة التي تضعف غضبنا وحماسنا.
ناكيهان أكارسال، التي شددت في مقالها الأخير بالمجلة على الأهمية الاستراتيجية لـ "فهم الحياة في طريق التحول إلى علم حياة"، ركزت على روح مقاومة المرأة التي تجمع التاريخ والحاضر معاً وتصبح المنظور الأساسي للجنولوجيا. إن الاعتراف بالإنسان الذي يعرفه القائد عبد الله أوجلان بأنه "مجموعة الحقائق التي انتشرت في جميع أنحاء الكون منذ الانفجار الكبير"، ولفتت الانتباه إلى المبدأ الموجه المتمثل في مقولة "معرفة نفسك هي معرفة كل الزمان والكون" هو منهج يعزز العلاقة بين المرأة – الاجتماعية – الإنسانية -العولمة. الشخص الذي يعرف نفسه هو شخص يفهم نفسه. شخص يعطي معنى لنفسه؛ إنه الإنسان الذي يتجاوز حدود العالم والعقلية التي خلقتها الدولة والطبقة ونموذج الحكم. إن تضافر الرجال والنساء لتجاوز هذه الحدود يكفي لتسليط الضوء على جميع مجالات الحياة وإحياء جوهرها الأخلاقي والجمالي والمعنوي والسياسي. إن الطابع العالمي للجنولوجيا، الذي يجمع بين الطرق والوسائل لإيجاد هذه الحدود والتغلب عليها، يعتمد على هذه المشاركة والاعتماد على الذات من الجذور، وهذا الجذر هو جوهر خمسين عاماً من نضالنا من أجل الحرية والقيم التي خلقها وقيم الحرية الاجتماعية التي تعود إلى آلاف السنين.
يستمر البحث واكتشاف الذات والسعي نحو الحرية بنفس الحماس
الناشطة ناكيهان أكارسال، التي تتمتع بقدرة قوية وواضحة على التفكير والعيش والتنبؤ والشعور، عرفت أن الضغينة التاريخية لآلاف السنين ستكون الهدف الخاص للنظام الظالم، وعندما تذكرت الصعوبات التي واجهتها في أوقات وأماكن وطرق معينة، ابتسمت وقالت "أنا متأكدة من أننا سننتصر"، وواجهت الصعوبات وحولتها إلى فلسفة حياة. في مجتمع منظم، وفي عالم مشاعرها وأفكارها الواسعة والشاملة، كانت تؤمن بدوام وسمو وجودها وحريتها. كانت تعلم أن التوغلات الداخلية تستغل ضعف هذه الأراضي وتكون دائماً خطيرة.
يبدو من أبيات قصيدتها التي تقول فيها إنها في بداية الخريف ترحب بالربيع أنها تنقل شعور إبحار السفينة في المياه الضحلة، وتصف شوقها للربيع وإحساس فصول الربيع البعيدة في قصيدتها السابقة على النحو التالي:
"شهر تشرين الثاني
أول صباح يبشر بالربيع
سرعان ما سقط على جسدي
ربما كان سقوط آخر ورقة صفراء
التي تحيا في قلبي...
مثل سقوط آخر ورقة صفراء، احتضنت القوة الخضراء للأرض التي ولدت فيها... جانب منها يتحرك مع ريح الحرية، كورقة تسافر في بلدها... جانب عشق الهجرة، الجانب الآخر ابنة التمرد التي تحب جذورها... ولهذا هي تحب اللون الأحمر... شغفها بتمرد أمها الذي لا يعرف حدوداً ودولاً وإصرارها على ثقافة الأم ـ المرأة ينبع من هذا... ويستمر البحث ومعرفة الذات والسعي نحو الحرية بنفس الحماس.