الحزام العربي وتأثيره على الكرد

مقال بقلم الصحفية شيرين محمد

مشروع الحزام العربي هو واحد من أكثر السياسات التمييزية الممنهجة في تاريخ سوريا المعاصر. ففي 24 حزيران 1974 وخلال اجتماع القيادة القطرية لحزب البعث، تم إصدار القرار رقم /521/ والمتضمن إعطاء الأوامر بتنفيذ مشروع الحزام العربي أي البدء به، استهدف المشروع القرى الكردية القريبة من الخط الواصل بين سوريا تركيا والعراق، والذي كان يعرف آنذاك بمحافظة الحسكة، وعمل على تغيير التركيبة الديمغرافية للمناطق هنالك.

جاء هذا المشروع تتويجاً لسلسلة من السياسات والممارسات الهادفة لقمع وإلغاء الوجود الكردي وتحريمه من حقوقه في سوريا، واثر هذا عليهم كثيراً، إذ تم تجريد آلاف الكرد من الجنسية والقومية ليتم تهجيرهم خارج أراضيهم، وبموجب قوانين، أو بحجة الإصلاح الزراعي، بنيت قرى نموذجية على الأراضي التي تم الاستيلاء عليها، ولم يقتصر هدف المشروع فقط لتهجير السكان الكرد من قراهم بل لتوطين آلاف العوائل العربية في القرى الكردية، واطلق عليهم اسم (العرب الغمر)، نتيجة غمر مياه بحيرة الأسد لأراضيهم.

وذكرت عدة منصات عبر تقارير، أنه عقب بناء سد الطبقة وتشكيل بحيرة الأسد، غمرت المياه مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والتي كان يقطنها مزارعون عرب في ريف الرقة، فبدلاً من معاجلة أوضاع هؤلاء المزارعين اتجهت الحكومة السورية لممارسة مصالحها بهذه الحجج، لتنفذ خطة هندسة ديمغرافية تعود جذورها إلى عام 1965، عندما اقترحت السلطات آنذاك خلق شريط عربي بعمق 10-15 كم، يمتد بطول الحدود السورية - التركية، ويمر بالمناطق الكردية في الجزيرة السورية، من المالكية/ديريك حتى رأس العين/سري كانيه.

وفي عام 1975، جرى توطين ما يناهز 4 ألاف عائلة عربية في 41 قرية نموذجية، بينما منع الكرد من العودة إلى أراضيهم، ما وصفها البعض أنها خرق واضح لحقوق الملكية للكرد، وإذا أردنا أن ننظر لهذه السياسية سنرى بأن العرب الذين تم تهجيرهم سلبت حقوقهم وهجروا من موطنهم الأصلي، كما أن الحكومة آنذاك تسببت بخلق فتن ومشاكل بين مكونات المنطقة، كما كانت تعمل على مدار عقود لحكمها، كانت تسعى دائماً للتفرقة وخلق الفتن بين المكونات من أجل استخدامها في سياستها ومصالحها.

 

مشروع لديه نفس الهدف ولكن الحكومة تختلف

بتاريخ التاسع من تشرين الأول/أكتوبر من عام 2019، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن بدء عملية عسكرية تحت مسمى (نبع السلام). في منطقتي رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي، بشمال وشرق سوريا، قائلاً حينها "إن عملية نبع السلام من شأنها أن تحيد التهديدات الإرهابية ضد تركيا وتفضي إلى إنشاء منطقة آمنة، مما يسهل عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم". قاصداً بالتهديدات الإرهابية وحدات حماية الشعب والتي تعتبر من المكونات الرئيسة في قوات سوريا الديمقراطية، والتي تدعي تركيا بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني في سوريا، إلا أن هذه القوات هي خليط من أبناء وبنات المنطقة الذين نظموا أنفسهم مع بداية الثورة السورية، لحماية مناطقهم وتنظيمها.

وجاء تنفيذ العملية بعد أن أعطته الإدارة الأمريكية آنذاك الضوء الأخضر، بإعلانها عن انسحاب قواتها خارج المنطقة، بعد أن دامت الهجمات لأكثر من 10 أيام، إذ بدأت الاتفاقيات التي أبرمت بين روسيا وتركيا، وأمريكا وتركيا، تحت مسمى (اتفاق تاريخي)، ونتج عن الاتفاقيات انسحاب قوات سوريا الديمقراطية، على بعد مسافة تبلغ 30 كيلومتراً من شريط على طول الشريط الحدودي مع تركيا، وبطول 120 كليو متراً ممتدة بين المدينتين والعديد من أريافهما.

وبدأت القوات التركية بالتوغل في منطقتي رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي بشمال وشرق سوريا، بمشاركة فصائل مختلفة منضوية تحت لواء (الجيش الوطني السوري)، التابع حالياً للحكومة السورية المؤقتة، التي تعود جذورها للائتلاف السوري المعارض، وكلاهما مدعوم من تركيا، لتقع المنطقة بعدها تحت سيطرة الدولة التركية ومرتزقتها، أي فصائل الجيش الوطني، لتصل تركيا بهذا إلى تحقيق هدفها ألا وهو أضعاف الوجود الكردي على طول الحدود معها، والتغيير الديمغرافي، ووصف الكثير من السياسيين والكتاب انسحاب القوات الأمريكية بخيانة حلفائها في مواجهة مرتزقة داعش.

شهدت المنطقة المستهدفة خلال وبعد العمليات العسكرية الفعلية انتهاكات ترقى إلى (جرائم حرب)، شملت عمليات قصف عشوائية وانتهاكات واسعة لحقوق ملكية السكان الأصليين، الذين كانوا من الكرد، الايزيددين، العرب، ونسبة قليلة من التركمان والأرمن. بالإضافة إلى تغييرات ديموغرافية كبيرة، أثرت على تنوعها الأثني، الديني واللغوي، وساهمت في ترسيخ التغيرات السكانية، واستمرار ظاهرة التشرد القسري نتيجة عدم قدرة النازحين على العودة إلى مناطقهم الأصلية بسبب انتشار الفوضى الأمنية واستمرار انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الصراعات الداخلية بين فصائل ما يسمى "الجيش الوطني" المنتشرة في المنطقة، والتي تؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين، بالإضافة إلى غياب دور القانون وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب.

كما أن العملية أدت إلى تهجير أكثر من 200 ألف من سكان المنطقة، إلى جانب توزع أعداد كبيرة من النازحين في مدن إقليم شمال وشرق سوريا، لا سيما الرقة والحسكة وقامشلو، فضلاً عن لجوء الآلاف إلى إقليم كردستان، ودول أوروبية، ويعيش قسم كبير من مهجري المنطقتين في أربعة مخيمات غير رسمية ولم يتمّ الاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة، ويعاني قاطنوها من سوء الخدمات وشح مياه الشرب وضعف الرعاية الصحية، والإهمال من المنظمات المحلية والدولية.

ففي عام 2022، أجرى سليمان صويلو وزير الداخلية التركي السابق، زيارة إلى مدينة كري سبي/تل أبيض، لتفقد مشروع بناء الوحدات السكنية، الذي تشرف عليه (آفاد) كجزء من مشروع ما يسمى المنطقة الآمنة، والتي كان إنشاؤها ضمن أهداف العملية العسكرية، بغرض إعادة توطين لاجئين سوريين في تركيا وبالفعل، في العام 2023 جعلت تركيا من تل أبيض/كري سبي وجهة رئيسية لعدد أكبر من اللاجئين السوريين المرحلين قسراً من أراضيها، تحت مسمى (العودة الطوعية).

ويواصل الاحتلال التركي ومرتزقة "الجيش الوطني" ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق السكان في المنطقة، شملت اعتقالات تعسفية، احتجاز مقابل فدية وتعذيب، إضافة إلى انتهاكات جنسية لتخويف السكان ودفعهم للفرار، خاصة الكرد منهم، بالإضافة إلى عمليات اختفاء قسري للسكان الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً.

يشكل استمرار انتهاكات حقوق السكن والأراضي والممتلكات، التي تنخرط فيها كلاً من الاحتلال التركي ومرتزقة الجيش الوطني، عاملاً أساسياً في تغيير التركيبة السكانية في المنطقة، ودوام حالة التهجير القسري في غياب أي جهود جادة وشفافة لإعادة الحقوق لأصحابها أو حمايتهم من الممارسات الانتقامية حال مطالبتهم بها.