الحجاب... قضية لا تزال تثير الجدل في تركيا
لا تزال النساء تناضلن من أجل حريتهن وحسم قضية الحجاب التي مرت بعدة مراحل ما بين المنع والإلزام وتعد من القضايا النسوية والحقوقية البارزة في تركيا.
ساريا دنيز
مركز الأخبار ـ كان ولا يزال الحجاب من القضايا المثيرة للجدل في تركيا، فلما لها من آثار اجتماعية وسياسية اختلفت الآراء حولها، فهناك ما يعتبر أنه تجاوز البعد الديني والبعض الآخر يعتبر أن رفع الحظر عنه مناهضة للعلمانية.
عادت قضية الحجاب في تركيا إلى الواجهة من جديد بعد نشر فيديو لرئيس حزب الشعب الجمهوري CHP كمال كليجدار أوغلو على وسائل الإعلام مؤخراً، يقول فيه "ليس هناك أي إكراه على المرأة في نطاق ممارسة مهنة إلا في مظهرها الخارجي وهندامها من حيث الزي واللباس"، وأعلن أنهم قدموا اقتراح قانون من ثلاث مواد إلى رئاسة البرلمان التركي TBMM في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2022، وتم إرسال مشروع القانون إلى الهيئة بعد ٦ أيام من قبل رئاسة البرلمان التركي، أن الاقتراح الذي وقعه ١٣٢ نائباً، كان يهدف إلى إزالة قضية الحجاب تماماً من قائمة الجدل في تركيا.
"لقد كانت أداة للانتفاع السياسي"
وورد في الحجة التبريرية للقانون الذي يتكون من ثلاث مواد، أن "الترجيحات الفردية في الأمور الدينية وأسلوب حياة الأفراد خارجة عن تدخل الدولة بموجب المادة ١٩ من البيان العالمي لحقوق الإنسان الذي يضمن حرية التعبير والرأي وتشمل أيضاً حرية اختيار الثياب"، وجاء في الحجة التبريرية أنه وبدأً من لباس وأسلوب حياة المرأة ومعتقدها وانتمائها العرقي، لا يجب أن تكون موضوعا للسياسة.
وجاء في الحجة التبريرية "إن بعض الممارسات القمعية التي وقعت في الماضي تركت آثاراً سلبية في ذاكرتنا الاجتماعية، وكانت أيضاً أداة للانتفاع السياسي، وفي ماضينا القريب، حرم طلاب الجامعات من حقهم في التعليم وهم محجبات، كما ولم يسمح للنساء بالعمل في الأماكن العامة مرتديات الحجاب، إن مهمة البرلمان والإدارة العامة هي اتخاذ كافة أنواع التدابير لمنع حدوث عوائق وحظر مماثل ثانية، وتم إعداد هذا الاقتراح من أجل وضع حد للإكراه على ما ينبغي أو لا ينبغي للمرأة أن ترتديه مع التعميم أو التعليمات أو اللوائح أو اللوائح الإدارية الأخرى وأوامر رؤسائها الهرمية، ولضمان حرية المرأة قانوناً من حيث اختيار ما سترتدينه".
وتنص المادة الأولى من الاقتراح القانوني على أنه "يتوجب على النساء العاملات ارتداء العباءات والمآزر والزي الرسمي…الخ، في نطاق أدائهن مهنتهن في المؤسسات والهيئات العامة واللواتي تمارسن مهنة تابعة للمؤسسات العامة والمنظمات العليا، ولا يجوز إخضاعها لأي إكراه بطريقة يتم فيها انتهاك الحقوق والحريات الأساسية، مثل ارتداء أو عدم ارتداء ملابس وما إلى ذلك"، ووفقاً للمادة الثانية منه سيدخل القانون حيز التنفيذ بدءً من تاريخ إعلانه، وسيتم تنفيذ أحكامه من قبل الرئيس.
تقديم الاقتراح القانوني للبرلمان
بعد تقديم حزب الشعب الجمهوري الاقتراح القانوني، أزالت حكومة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، اقتراح التعديل الدستوري المتعلق بالحجاب، ويتم التخطيط لعرض الاقتراح الذي لم يتمكنوا من مناقشته في المجلس العام على البرلمان مرة أخرى بعد تشرين الأول/أكتوبر المقبل، حيث ستبدأ السنة التشريعية الجديدة، ويتعين على الحكومة التي تهدف إلى تمرير اللائحة قبل موعد الانتخابات المحلية، إقناع المعارضة فيما يتعلق بالترتيب الدستوري الجديد.
ووفقاً لما أفادت به وسائل الإعلام، فإن حزب العدالة والتنمية يعمل على وضع خطة من مرحلتين من أجل التغيير الدستوري، الخطوة الأولى ستكون عبارة عن طرح التعديل على قائمة أعمال البرلمان بعد تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وفي المرحلة الثانية، سيتم اتخاذ الترتيبات الدستورية في فترة زمنية أوسع.
بدأت المناقشات منذ الستينات
وتعود قضية الحجاب في تركيا إلى عام 1968، حيث بدأ الجدل في مؤسسات التعليم العالي، فالدستور كان يضم مادتين حول لباس المواطنين في البلاد، لم تكن تتعارض أي من هذه المواد مع حقوق وحريات المرأة التي ترتدي الحجاب، حيث كان يلزم القانون رقم ٦٧١ لعام 1925 الرجال بارتداء القبعات، ومن جهة أخرى يذكر قانون عام ١٩٣٤، ارتداء العمائم والعباءات كالتي يرتديها رجال الدين، واشترط على ارتداء الملابس الدينية فقط أثناء أداء الطقوس الدينية، ودار الجدل حول النساء بخصوص دخولهن الجامعات بالحجاب.
تقييد الحجاب من خلال اللوائح
خلال عام 1980 ازدادت المناقشات في المؤسسات العامة والجامعات بشكل أكبر، وفي هذه المرحلة تم إجراء المناقشات حول اللوائح القانونية بشكل خاص، ومع إصدار لائحة في عام ١٩٨٢ بعد انقلاب ١٢ أيلول/سبتمبر، طلب من النساء الكشف عن رؤوسهن في المؤسسات العامة.
وجاء في نص اللائحة القانونية "يجب أن تكون ملابس النساء نظيفة وأنيقة ومكوية وبسيطة، وارتداء الأحذية أو جزم ذو كعب عادي وبسيط وتكون ملمعة، دائماً ما يكون الرأس مكشوفاً، أو يتم تمشيط الشعر أو ربطه، وتقليم الأظافر، إذا كان هناك زي عمل خاص لبعض الخدمات والمهن فسيتم ارتداء هذا الزي بإذن من رئيس المؤسسة، ولا يسمح بارتداء البناطيل والقمصان بلا أكمام والبلوزات أو الفساتين ذات الياقة المفتوحة بشكل مبالغ، لا يجب أن يكون طول التنورة فوق الركبة وبها شقوق، ويمنع ارتداء الأحذية من النوع المكشوفة للقدم".
ومع صدور هذه اللائحة استمرت القيود داخل وزارة التعليم الوطني التركية (MEB) ومؤسسة التعليم العالي (YÖK).
التغيرات التي لانهاية لها
خلال فترة الثمانينات ازداد الجدل حول الحجاب، خاصة بين النساء والفتيات اللواتي تدرسن أو تعملن في الجامعات، فطالبن بإيجاد حل لهذه المشكلة مؤكدات على تعرضهن للتمييز بخصوص هذا الأمر، ولم تكن لائحة مجلس التعليم العالي YÖK التي صدرت عام ١٩٨٢ والتي نصت على أنه "بإمكان الطالبات ارتداء الحجاب بطرق حديثة" كافية لوضع حل لهذه المشكلة، وفي عام ١٩٨٨ تم تعديل القانون ونص على أن "لأعضاء هيئة التدريس والطالبات الحرية في اختيار اللباس في مؤسسات التعليم العالي، بشرط ألا يتعارض مع قوانين الإصلاح الواردة في المادة ١٧٤ من الدستور، ولا يمكن لأي من الأفراد أو المؤسسات اتخاذ أي اجراءات أو قرارات مقيدة تخص هذا الموضوع"، وبالرغم من قبول البرلمان التركي هذا القرار، فقد قام الرئيس كنعان إفرين برفضه في ذلك الوقت، وتم تغيير شكل اللائحة لتنص على "إلزامية اللباس والمظهر الخارجي المعاصران في الفصول الدراسية والمختبرات والعيادات والمستوصفات والممرات في مؤسسات التعليم العالي، ويجوز تغطية العنق والشعر بحجاب أو عمامة لعقيدة دينية".
لم يتم التراجع عن التمييز
تقدم كنعان إفرين بطلب إلى المحكمة الدستورية من أجل هذا التغيير، وبقرار المحكمة المؤرخ في السابع من آذار/مارس عام 1989 تم إلغاء الجملة الثانية من المادة رقم 16 التي نصت على أنه "يجوز تغطية العنق والشعر بالحجاب أو العمامة لعقيدة دينية"، وتقرر في ذات العام أن يعمل المحامون في المحكمة ورؤوسهم مكشوفة، وفي عام 1990 تم قبول مقولة "الحرية في اختيار اللباس في مؤسسات التعليم العالي بشرط ألا يتعارض مع القوانين النافذة، وبالرغم من أن هذه المادة تضمن بشكل قانوني وجود الطالبات المحجبات وحريتهن، إلا أنه لم يتم التخلي عن الممارسات التمييزية.
إغلاق أبواب الجامعات
وفي الثامن من شباط/فبراير عام 1990، تم إصدار قرار من قبل مجلس الأمن القومي في البلاد تنص المادة الـ 13 منه على أنه "يجب منع الممارسات المخالفة للقانون فيما يتعلق باللباس والتي ستجعل من تركيا تبدو غير معاصرة، ويجب تنفيذ قوانين وقرارات المحكمة الدستورية بشأن هذا الموضوع دون تقديم أي تسهيلات، والتدقيق عليها في المؤسسات والمنظمات العامة بشكل خاص".
وتم تقديم موجز في الجامعات حول هذا الموضوع، وقام العمداء بمتابعة العمل بعد ذلك، وتبع ذلك طلب إجراء "المراجعات" اللازمة في الجامعات، هذا يعني الحظر والعقوبات المفروضة على الطلاب، حيث ازداد الانفعال مع عدم السماح للطالبات بالالتحاق بالمدارس أو الفصول الدراسية.
التوتر في البرلمان
مروة صفاء قاوقجي التي انتخبت نائبة في عام ١٩٩٩ أصبحت أول امرأة تدخل البرلمان وهي مرتدية الحجاب، واعتبر رئيس الوزراء في ذلك الوقت بولنت أجاويد، ذلك بمثابة تحدٍ للدولة، وعلى إثر ذلك لم تتمكن مروة قاوقجي من أداء اليمين البرلماني.
حدثت التطورات الإيجابية الأولى فيما يتعلق بدخول الطالبات المحجبات إلى الجامعات بعد تغيير رئيس مجلس التعليم العالي عام 2007، وفي نفس العام تم إرسال التعليمات إلى عمداء الجامعات وتم رفع الحظر عن الحجاب، وفي عام ٢٠٠٨ أطلقت حملة لتغيير القانون، وبنسبة مشاركة بلغت 74.5% وبدعم من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، تم إجراء تعديلات على المادتين 10 و42 من الدستور، حيث كررت التعديلات لمؤسسات التعليم العالي القاعدة التي تنص على أنه لا يمكن تقييد حق أساسي دون نص قانوني، واحتفظت اللوائح بحق الحجاب، وهذه المرة جاء الاعتراض من حزب الشعب الجمهوري، وبعد أن قدم الأخير التعديلات إلى المحكمة الدستورية تم تعليق تنفيذها على أساس أنها تتعارض مع محتوى الدستور ومبدأ العلمانية، وتم إلغاء القرار.
جزء من خطوات الدمقرطة
مع الإعلان عن "حزمة الدمقرطة" في عام 2013 تم تعديل المادة 5 من الدستور المتعلقة بقواعد اللباس، حيث تم إلغاء الأحكام المقيدة، في البداية حضرت أربعة نائبات اجتماعات الهيئة العامة للمجلس وهن ترتدين الحجاب، وكانت هذه هي نهاية القيود في البرلمان.
تواصل النساء النضال من أجل حريتهن
استمر السياسيون في استخدام قضية حظر الحجاب على أنها "مادة" عوضاً عن كونها من الحريات، ولم يتم مناقشة هذه القضية ضمن حريات المرأة، ولم تتخطى طلبات النساء كونها وعود قدمت خلال فترات الانتخابات، ولا تزال تستغل حكومة حزب العدالة والتنمية وحلفائها معتقدات النساء والشعوب من خلال طرح قضية الحجاب، ولا يوجد حتى الآن نظام يضمن حرية المرأة، الحكومة التي تسجن النساء في المنزل وتعمل على إبعادهن من المجال العام تبقي هذه الساحة خالية من الحريات، ولا تزال النساء تواصلن النضال من أجل حريتهن.