الفقر والتمييز يسرقان أحلام الفتيات في إيران

إن معدلات ترك الدراسة بين الفتيات في المناطق الريفية والبدوية تظهر مستوى مقلقاً، نتيجة للتمييز الطبقي والجندري السائد، إلا أن الفقر والمشكلات الاقتصادية المنتشرة باتت تؤثر أيضاً على تعليم الفتيات خصوصاً في الطبقات المتوسطة.

نیان راد

مهاباد ـ الفقر المادي والثقافي، إلى جانب الغلاء المتزايد، ألقى بظلاله الثقيلة على حياة الفتيات في القرى والمناطق المحرومة بإيران، بحيث أن العديد منهن يودعن الصف الدراسي إلى الأبد مع انتهاء المرحلة الابتدائية، فارتفاع تكاليف المدارس الداخلية، وانعدام الأمن في طرق التنقل، وتفضيل الأسر تعليم الأبناء، كلها عوامل تحرم الفتيات من فرصة التعليم.

في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة في إيران، أثّر التمييز بين الجنسين على الفتيات وتعليمهن، بل غيّر حتى أحلام الفتيات من الطبقة المتوسطة في المدن، وعلى الرغم من امتلاك النساء الحافز والرغبة في بناء مستقبل مشرق، إلا أنهن يُجبرن تحت وطأة الفقر والتمييز الجنسي على البقاء في المنزل أو دفن أحلامهن.

 

يد التمييز تثقل كاهل النساء

تشير الإحصاءات إلى أن معدل ترك الدراسة بين الفتيات في المناطق الريفية والبدوية في إيران مثير للقلق؛ إذ أن أكثر من نصف الفتيات البدويات يتوقفن عن الدراسة بعد المرحلة الابتدائية، وفي الفئة العمرية بين 15 و17 عاماً، فإن معدل ترك الدراسة في المناطق الريفية يبلغ نحو ثلاثة أضعاف ما هو عليه في المناطق الحضرية.

وفي كثير من القرى، فإن نقص الإمكانيات بلغ حداً لا توجد فيه مدارس للفتيات إلا حتى الصف السادس، وهي عبارة عن مبانٍ من الطوب شبه متهالكة، يكون جرسها الأخير بمثابة نهاية التعليم لكثير من الفتيات، لالة محمدي، فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً تسكن إحدى قرى منطقة خليفان في مهاباد، تُعد مثالاً على هؤلاء الفتيات، إذ لم تتمكن من الالتحاق بالمرحلة الثانوية رغم حبها الشديد للتعليم.

قالت "على العائلات أن ترسل فتياتها إلى قرى أخرى أو إلى مدارس داخلية، لكن هذا الخيار يُفضل عادةً للبنين، لأن صعوبة الطريق أو البيئة البعيدة عن المنزل قد تؤدي إلى أضرار اجتماعية، كثير من الفتيات، تحت تأثير هذا الواقع، سلبنّ حتى حلم الذهاب إلى الجامعة، فعندما تُحرَم من شيء منذ البداية، لا يمكنك أن تحلم به لاحقاً".

 

الضغوط الاقتصادية مع المزيد من الحرمان

ارتفعت أسعار الدفاتر والحقائب والأحذية والزي المدرسي بشكل حاد، مما جعل الأسر التي لديها عدة أطفال غير قادرة على شراء جميع المستلزمات، ونتيجة لذلك، وفي ظل بيئة يُنظر فيها إلى تعليم الأبناء على أنه أكثر أهمية، يُمنحون الأولوية في التعليم.

لطالما كانت المدارس الداخلية الوسيلة الوحيدة لاستمرار تعليم الفتيات في المناطق الريفية، لكن تكاليف السكن والطعام والملابس أصبحت مرتفعة إلى درجة أن القليل من الأسر تستطيع تحملها، لذلك، تفضل العائلات إرسال أبنائها إلى المدارس الداخلية، بينما تُبقي الفتيات في المنزل.

كوين. خ، من سكان إحدى قرى شارويران في مهاباد، تقول "حتى لو كان لدى الأبناء مشاكل مالية، يمكنهم العمل والادخار خلال عطلة الصيف، وتحظى بدعم أكبر من الأسرة، أما الفتيات، فبسبب الوضع الاقتصادي الحالي، تقول لهن العائلات إنه لا مستقبل لهن في التعليم، ولا جدوى من دخول هذا الطريق وسط هذا الغلاء".

وبالإضافة إلى القرى، فإن العديد من المناطق الواقعة على أطراف المدينة وحتى داخل المدن، تمنح الأبناء فرصاً أكبر لدخول الجامعات، رغم أن رغبة الفتيات في التعليم أكبر، ومع ذلك، فإن الظروف الاقتصادية الحالية جعلت النساء يواجهن حرماناً متزايداً من التعليم.

 

من الفقر والحرمان إلى تبدّد الأحلام

هذا الحرمان لا يدمر فقط مستقبل الفتيات الفردي، بل يُسهم أيضاً في استمرار دائرة الفقر وعدم المساواة داخل المجتمع، فالفتيات اللواتي يُحرمن من مواصلة التعليم غالباً ما يُجبرن على الزواج في سن صغيرة، ويدخلن المجتمع والحياة الزوجية دون امتلاك المهارات والمعرفة الكافية، مما يؤدي إلى نشوء جيل جديد من النساء والفتيات اللواتي يواجهن نفس التمييز من جديد.

العديد من هؤلاء الفتيات يغيّرن حتى أحلامهن التعليمية إلى أحلام أقل تكلفة بحسب الناشطة في مجال التعليم سيما شريفي، مشيرةً إلى أنه "عندما لا تتعلم الفتاة، فإنها لا تُحرم فقط من الفرص المتساوية، بل إن أطفالها في المستقبل سيكونون أيضاً ضحايا لهذا التمييز، تعليم النساء يعني كسر دائرة الفقر، لكن في كثير من المناطق لا تزال هذه الدائرة مغلقة".

وأوضحت أن "الفقر اليوم أثّر على جميع جوانب تعليم النساء، وحتى في الأسر المتوسطة نلاحظ أن الفتيات أقل ميولاً لدراسة التخصصات الأكاديمية والعلوم الرياضية والإنسانية، لأنهن يفكرن في التكاليف الباهظة للتعليم وعدم القدرة على تحملها، مما يدفعهن في النهاية إلى البحث عن سوق عمل يحقق عائداً سريعاً ولا يتطلب نفقات كبيرة".