الفلاحات التونسيات: اعترفوا بنا

ترجع الفلاحات في تونس تردّي وضعهن الاجتماعي والاقتصادي لغياب الإرادة السياسية الفعلية للنظر في وضعهن الذي وصفنهن بالمأساوي.

زهور المشرقي ـ نزيهة بوسعيدي

تونس ـ نظّمت العاملات في القطاع الفلاحي تحركاً احتجاجياً، تحت شعار "اعترفوا بنا"، أمس الاثنين 3 تشرين الأول/أكتوبر 2022 أمام المسرح البلدي بالعاصمة تونس، ويأتي الاحتجاج كتنديد بسوء الوضع الاقتصادي والاجتماعي لهن وعلى ظروف العمل المتردية وظروف التنقل اللاّإنسانية.

يأتي التحرّك تزامناً مع إحياء الذكرى الأولى لمسيرة قادتها فلاحات في نفس التاريخ من العام الماضي في منطقة جبنيانة بمحافظة صفاقس، بمبادرة من عاملات القطاع الفلاحي بالمنطقة وبدعم وتضامن من بقية الجهات. 

وأجمعت العاملات على معاناتهن والظروف القاسية التي تعمل فيها الفلاحة فضلاً عن الاستغلال ومشاكل النقل وغياب التغطية الاجتماعية. 

وقالت الناشطة بالمجتمع المدني، ومنسّقة التحرك منيرة بن صالح لوكالتنا، إنّ الوقفة هي بمثابة استمرار لوقفة سابقة نظّمت العام الماضي للتنديد بالوضع المأساوي للمزارعات في مختلف محافظات البلاد، ورفضاً للتجاوزات والانتهاكات المرتكبة بحقهن بدءاً من المؤجر إلى الوسيط الذي يستحوذ على جزء من الراتب.

وأكدت بأنه حان الوقت للاعتراف بالعاملات في القطاع الفلاحي وتوفير التغطية والتنقّل الآمن لهن والتغطية الاجتماعية والصحية والمساواة في الأجر بينهن وبين الرجال، مشيرة إلى أنّ الفلاحات معزولات وتتعرّضن لعنف اقتصادي في ظلّ استمرار عملهن بهشاشة وفي وضع مُهين لهن خاصة مع غياب برامج الإدماج في الحماية الاجتماعية وعملهن الذي تشوبه كل المخاطر مع انعدام وسائل الوقاية والسلامة المهنية.

 وشددت على أنّهن ستواصلن نضالهن من أجل تغيير وضع الفلاحات المأساوي وتحسين وضعهن المادي والمهني، معبرةً عن استعداد الفلاحات لخوض كل الأشكال النضالية السلمية من أجل حقوقهن.

 

 

من جانبها أوضحت منسّقة العاملات الفلاحيات عن محافظة سيدي بوزيد ريم النصيري أنّ العاملات من سيدي بوزيد يشكّلن أكبر نسبة عاملة في الفلاحة في تونس لاعتبارها منطقة فلاحية بالأساس، لكنهن تعانين الفقر والتهميش واللامبالاة من السلطات المتعاقبة على السلطة، حيث تعملن في ظروف صعبة وكارثية زادها سوءاً عدم توفّر التغطية الاجتماعية والصحّية لمعالجة الأمراض التي أصابتهن جرّاء استعمالهن للأدوية والمضادات لمداواة الزارعة.

ولفتت ريم النصيري إلى أنهن تعملن ضمن سياسة تمييزية غير مقبولة من قبل المؤجّر من ناحية الأجر الذي لا يتجاوز الـ 10 دينار في اليوم فيما يتقاضى الرجل 25 دينار برغم أن عدد ساعات عمله أقل، مؤكدة أنهن قدمن للمطالبة بالعدل في الأجور وتأمينهن. وعبّرت عن امتعاض الفلاحات من سياسة التجاهل من الحكومة خاصة وأنهن من يقدمن الغذاء للبلد.

 

 

بدورها قالت منسّقة مشروع كادحات مديحة السويسي إنّ مختلف المنسّقات سعين لمشاركة عدد كبير من الفلاحات من مختلف المحافظات في هذه الوقفة الاحتجاجية التي ندّدت بإقصائهن وتهميشهن، مشيرة إلى أن سيدي بوزيد تمثّل أكبر نسبة يد عاملة في هذا القطاع وتمثّل نسبة 38 بالمائة من إنتاج الخضروات والغلال، مشددة على أن النساء تحركن مجدداً للمطالبة بمجموعة من الحقوق المهضومة على غرار الحقّ في التنقّل والتغطية الصحّية والاجتماعية، والتصدّي للعنف التي تتعرضن له من قبل المؤجر اقتصادي ومعنوي.

وأكدت "لن نصمت بعد اليوم إزاء تلك التصرفات الاستغلالية والتمييزية ضد الفلاحات"، مشددة على أنّ الفلاحة باتت واعية، ما يخوّلها للدفاع عن حقوقها التي ينصّ عليها الدستور والتي توثّقها المواثيق الدولية التي انضمت إليها تونس، مذكّرة بالاتفاقية بين وزارة المرأة والنقل التي من المفترض أن تُؤمّن النقل الآمن للفلاحات، حيث تم إصدار القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة والعاملات في القطاع الفلاحي لكنه ظلّ  ذرّ رماد في العيون واستغلال مقنن للوسيط وتعجيز للعاملات وذلك بتواطؤ من أجهزة الدولة ومؤسساتها، وما أوضحته الأرقام المسجلة لحوادث الشاحنات المقلّة للنساء العاملات بين 2015 و2022 والمقدّرة بعدد 54 حادثاً أودت بحياة أكثر من 50 عاملة وخلفت 710 جريحة.

وأشارت إلى أن الفلاحات سيلجأن للتصعيد في صورة عدم أخذ مطالبهن بعين الاعتبار من قبل السلطة القائمة وسيلجآن لتعطيل سير العمل الفلاحي ما قد يتسبب بأزمة تزويد للسوق.

وأوضحت مطالب النساء والتي تتمثل بإقرار المساواة في الأجور بين الجنسين "ليس من المعقول أن تتقاضى النساء في يوميتهن 10 دينار أي 3 دولار، مقابل 25 دينار أي 9 دولار للرجال، فضلاً عن عدم توفّر بطاقات العلاج لا بالتعريفة المنخفضة ولا بالتعريفة المجانية إضافة إلى غياب التأمين للنساء".

 

 

وبدورها أكّدت ياسمينة بن عمر وهي فلاحة تونسية إنّ الفلاحة تتحمّل أعباءً مضاعفة تبدأ من استغلاها في ظروف العمل والساعات المضاعفة بأدنى أجر إضافة إلى التمييز المقّر بين الجنسين من ناحية الأجر، بلوغاً لطرق التنقّل التي سبّبت مراراً حوادث كارثية راح ضحيتها نساء ضحايا القوت.

ولفتت إلى أنها كفلاحة تعمل حتى أثناء مرضها باعتبار أن اليوم الذي تتغيّب فيه قد يتمّ تعويضها بأخرى ما يصعّب إمكانية وجود عمل آخر، فضلاً عن تغوّل الوسيط لاعتباره الحلقة التي تربطهن كفلاحات مع صاحب العمل الذي تفنّن بدوره في استغلالهن والتنكيل بهن صيفاً وشتاءَ دون أي مراعاة لخصوصية كل فصل.

وأضافت "نعمل 12 شهراً دون توقّف، وفي ظروف صعبة مأساوية لا توصف في ظل صمت الدولة".

 

 

مساندة المجتمع المدني والمنظمات

قالت الكاتبة العامة لفرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان رندة فحولة "هدفي من المشاركة هو مساندة تحرك العاملات في الفلاحة لأن حقوقهن مهضومة وغير معترف بها إذ ليس لديهن بطاقة للعلاج والجميع يتحدث عنهن فقط عندما تحدث الكوارث ويمتن على الطرقات، كما تفتقرن لأبسط الحقوق على غرار عدم المساواة في الأجر مع الرجل والعمل في ظروف قاسية جداً واستعمال الأسمدة المضرة بالصحة وخاصة الإصابة بالسرطان".

ودعت الجميع إلى مساندة الفلاحات والاعتراف بمهنتهن كمهنة شاقة والمطالبة بالأجر الأدنى لهن وحقهن في الصحة وحقهن كذلك في نقل لائق يوفر لهن على الأقل الظروف الدنيا التي تسمح لهن بالعمل طيلة يوم كامل".

وأوضحت أن العاملات في القطاع الفلاحي جئن من عدة جهات سيدي بوزيد، جندوبة، جبنيانة، كخطوة أولى في اتجاه أن تواصلن تحركاتهن وتكون لديهن محطات نضالية أخرى لافتكاك حقهن.

 

 

وبدورها قالت سامية بوسلامة لطيف إن الوقفة الاحتجاجية نظمتها العاملات في القطاع الفلاحي للتعبير بكل تلقائية وكل صدق عن معاناتهن ومطالبهن الأساسية والمشروعة، مشددة على أن حراكهن متواصل إلى غاية تحقيق مطالبهن التي عبرن عنها خلال الوقفة الاحتجاجية.

وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الداعم البارز لهذا التحرّك قد جدّد التزامه بالدفاع عن حقوق العاملات في القطاع الفلاحي وتبنّيه لكل مطالبهن ودعمه اللامشروط لكل نضالاتهن وتحركاتهن ميدانياً وإعلامياً وقانونياً.

وأعلن عن تضامنه المطلق مع العمال/ات ضحايا الاستغلال والعنف المسلّط عليهم/هن من قبل المستثمرين وأرباب العمل صلب الشركات الفلاحية.

وشدد على ضرورة وضع خطة عاجلة للحد من حوادث نقل العمال/ات والعمل على تحديد استراتيجية وطنية شاملة للنهوض بوضع هذه الفئة الهامة والوازنة في المجتمع.

كما دعا المنتدى، الحكومة إلى عقد مجلس وزاري خاص بملف العاملات في القطاع الفلاحي وإيجاد آليات ناجعة وقابلة للتطبيق لإدماج هذه الفئة في برامج الحماية الاجتماعية.

 

لا تحصلن على حقوقهن

وخلال الوقفة الاحتجاجية تحدثت عدة فلاحات لوكالتنا عن معاناتهن في ظل عدم الحصول على حقوقهن.

زينة بالأطرش عاملة في القطاع الفلاحي قالت "عملت في الفلاحة لمدة 60 عام، وحالياً لم أعد أتحمل مشاقها بسبب تقدمي في السن وأعاني من أمراض عديدة على غرار ضغط الدم والسكري، وأطالب بمساعدتي على حفر بئر بقطعة الأرض التي أسكن بها حتى يستفاد منها أبنائي الثلاثة في زراعة الخضار".  

وأوضحت سيدة بن علي أنها عملت طيلة عشر سنوات في الحضائر وحالياً تحصل على 180 ديناراً فقط شهرياً وهي أرملة وتواجه صعوبات الحياة بمفردها وطالبت برفع الحد الأدنى من الأجر وتقديم المساعدات لها.

ومن جانبها قالت هناء الوصيف من جبنيانة أنها تواجه ظروفاً صعبة رغم أنها قادرة على أن تعمل في أرضها الزراعية التي تبلغ مساحتها ثلاثة هكتارات لكن ليس لديها امكانية لحفر بئر. 

وقالت فائزة البحري "نعمل في ظروف قاسية جداً من الرابعة صباحاً إلى الساعة الواحدة ظهراً بـ 15ديناراً فقط ونعاني من سوء معاملة الفلاح وأحياناً تقضي العاملة المريضة أربع ساعات تحت شجرة الزيتون ولا يلتفت إليها أحد ونعتمد في التنقل إلى العمل على شاحنة تحمل 25 عاملة".

وأوضحت محسونة الشطي "تعاني العاملات في القطاع الفلاحي من سوء المعاملة والاستغلال والعمل أكثر من الوقت المحدد والحرمان من أبسط الحقوق ولكنهن مجبرين لمساعدة العائلة وتربية الأبناء خاصة في ظل غلاء المعيشة وارتفاع نسبة البطالة التي دفعت الشباب إلى الاقبال على الهجرة غير النظامية".

العمل في القطاع البحري من الأعمال الشاقة جداً وفقاً لسلوى منتصر التي قالت "للحصول على بعض الدنانير يومياً أغوص الماء إلى الركبتين وأعاني من نبتة القراص "الحريقة" كما أصبت بضيق التنفس ولا يمكنني الاستغناء عن عملي لأن والدتي مريضة وأخي لم يعد قادراً على إعالتنا بمفرده بسبب غلاء المعيشة".

وبينت "أحياناً نتجه إلى البحر للعمل فنصطدم بجثة فنضع عليه غطاء ونتجه إلى العمل ودموعنا تنهمر من شدة الألم على شبابنا الضائع". ودعت الهياكل المعنية إلى ضرورة التحرك لإيجاد حلول لمشاكل العاملات في القطاع الفلاحي.

وقالت عائشة منتصر أنها تعاني من تأثيرات العمل الشاق بالبحر من روماتيزم وارتفاع الضغط في ظل مردودية مالية ضعيفة جداً وأنها تتحمل كل ذلك لأجل قوت صغارها الذين إلى يومنا هذا لم تتمكن من توفير ثمن جميع اللوازم المدرسية لهم. وطالبت بتوفير منحة لعاملات البحر فضلاً عن المطالب المشتركة مع عاملات الفلاحة حتى تتمكن من مواصلة العمل والصبر على مصاعبه الكثيرة.

 

 

نداء العاملات

توجهت العاملات في القطاع الفلاحي بنداء إلى السلطات المعنية بتسوية وضعهن المهني ورفع المظالم والتهميش من خلال بيان جاء فيه "نحن النساء العاملات في القطاع الفلاحي في تونس، نحن من نسقي الأرض بالعرق ونخط بدمائنا ملحمة نضال طال مسارها وتأخرت ثمارها، نحن اللواتي نركب شاحنات الموت ونشق المسالك الوعرة ونلتحف الشمس ونفترش الأوحال والاتربة، نحن اللاتي نشقى ونتعب ونصمد في كل الازمات ولا نكافأ إلا بكل أشكال العنف والتمييز والاقصاء واللامساواة نحن اللواتي لا يمنح لنا أي امتياز ولا يعترف بنا رغم الاحتفاء الدائم بنا وبكفاحنا وبإنجازاتنا، نحن اللاتي رغم ما تسطره الحكومات من مفاخر في الحقوق التي منحتها للنساء في مختلف ميادين الحياة مازلنا نناضل من أجل نزع الاعتراف بنا وبحقوقنا ومازلنا نتقاضى أجراً لا يتجاوز 15دينار ونعمل دون حماية ولا ضمان اجتماعي ولا تغطية صحية".

وأوضح البيان "نحن موجودات اليوم في شارع الثورة بالعدد الممكن لنمثل من منعتها ظروفها ومن كبلتها القيود المجتمعية ومن حرمتها المسافات ومن ذهبت ضحية حادث شاحنة وصارت مجرد رقم عابر من التواجد هنا ومشاركتنا الحدث".

ووجهت العاملات من خلال البيان رسالة قلن فيها "من حقنا الاعتراف بمهنة العاملة في الفلاحة وتمكيننا من بطاقة مهنية، حقنا في أجر لائق، حقنا في نقل لائق وآمن، حقنا في التمتع ببطاقة علاج، حقنا في تغطية اجتماعية، حقنا في ضمان اجتماعي وتقاعد، حقنا في العمل في ظروف آمنة وفي وسائل حماية من الأدوية والمبيدات".