العدالة لم تتحقق والمعاناة مستمرة... عشر سنوات على الإبادة الجماعية بحق الإيزيديين

بالرغم من مضي سنوات على المجزرة التي ارتكبت بحق الإيزيديين في شنكال على أيدي مرتزقة داعش الذي قتل وشرد الآلاف واختطف النساء والفتيات وتم سبيهن واغتصابهن، إلا أن العدالة لم تتحقق والمعاناة مستمرة.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة للإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق الإيزيديين في شنكال، طالب حقوقيون/ات وناشطون/ات بتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي المجزرة.

بحضور شخصيات فرنسية وإيزيدية وعالمية ذات طابع حقوقي وقانوني، عقدت ندوة رقمية وحضورية في العاصمة الفرنسية باريس أمس الاثنين 24 حزيران/يونيو تحت عنوان "الإيزيديون إبادة جماعية منسية"، تناولت الإبادة الجماعية التي طالت الشعب الإيزيدي، وكيف بالإمكان تحقيق العدالة لهم.

تضمنت الندوة عدة محاور تناولت الإبادة الإيزيدية والمذابح التي ارتكبت بحقهم في شنكال، في الثالث من آب/أغسطس عام 2014، بمشاركة حقوقيات وناجيات من الإبادة.

وكانت قد تسببت المجزرة التي ارتكبت بحق الإيزيديين من قبل مرتزقة داعش بنزوح أكثر من 400 ألف من شنكال إلى مخيمات النزوح بإقليم كردستان، وبينما كان يتم قتل الرجال بشكل جماعي واختطاف الأطفال ونقلهم إلى معسكرات تدريب المتشددين، تم القبض على نساء وفتيات لا تتجاوز أعمارهن تسع سنوات، واستعبادهن في الاتجار بالجنس وظروف العمل القسري.

ويعاني قضاء شنكال حالياً من تنازع في السلطة ما بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد والميليشيات المحلية، والتي انعكست على الأمن والسلام في المنطقة، وتدهور في البنى التحتية، ومع محاولات من الناجين والجمعيات المدنية للتقدم بدعاوى ومحاكمات والتحقيقات وجمع الأدلة للحصول على العدالة للإيزيديين، واجهتهم معوقات عدة مع عدم وجود جهاز قضائي ومحكمة للبت في هذه القضايا، حيث لم تصدر الحكومة العراقية تشريعاً لملاحقة الجرائم الدولية على أراضيها، ما يحول دون ملاحقة مرتكبي تلك الجرائم ومحاكمتهم فضلاً عن المصالحة وإعادة اندماج الشعب الإيزيدي في المجتمع العراقي، خصوصاً مع تدخل السياسة في إحقاق الحق لأصحابه، ما يجعل هذا الشعب يستمر في معاناته من الإبادة.

وبعد مرور عشر سنوات، لا يزال العديد من الناجون والناجيات يبحثون عن العدالة في المحاكم، مع نقص في الاستجابة القضائية العالمية لجرائم داعش، حيث لم تتم محاكمة سوى عدد قليل (8 مقاتلين) في ألمانيا، على الرغم من تجنيد مقاتلين من أكثر من 80 دولة، وتأثر الملايين من المدنيين في العراق وسوريا، وتعتبر الآلية الدولية الوحيدة التي تم إنشاؤها لجمع الأدلة في العراق، المتمثلة بـ "يونيتاد" (فريق التحقيق لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش التابع للأمم المتحدة)، والتي ستنتهي مهماتها بعد حوالي شهرين أي بحلول 17 أيلول/سبتمبر2024، حيث لا توجد حتى الآن خارطة طريق حول كيفية وصول هذه الأدلة إلى البلدان التي ترغب في محاكمة عناصر داعش لارتكابهم جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، علاوة على ذلك، لا يزال هناك عدم قبول لدعوات الناجين والناجيات لإنشاء محكمة دولية أو مختلطة.

ويعاني المجتمع الإيزيدي من تفكك الكثير من أسرهم نتيجة قتل بعض أفرادها واختطاف واختفاء آخرين، وخصوصاً قضية النساء الإيزيديات المختطفات لدى داعش واللاتي يبلغ عددهن ما يزيد عن 3 آلاف امرأة وطفل، وبينما تمكنت أكثر من 3000 امرأة وفتاة من الفرار رغم كل الصعاب، لا تزال حوالي 2600 امرأة وفتاة محتجزات في العراق وسوريا وبلدان أخرى بعد مرور ما يقارب من عشر سنوات، مع عدم وجود آلية مؤسسية مناسبة للبحث عنهن وإنقاذهن وتلبية احتياجاتهن، حيث تعاني الناجيات والناجون من نقص حاد في الخدمات مع عدم كفاية الجهود الدولية والوطنية.

وتستمر الأزمة الإنسانية حيث لا يزال أكثر من 200 ألف إيزيدي في مخيمات النازحين داخلياً، ويعيش الآن العديد ممن عادوا إلى عائلاتهم في ظروف حرجة في مخيمات النازحين داخلياً في العراق، مع عدم إمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الطبية والعقلية والنفسية، ولم تتمكن الفتيات الصغيرات اللاتي تم لم شملهن مع أسرهن كبالغات من إنهاء تعليمهن أو البحث عن وظائف أو فرص ريادة الأعمال، ومع عدم وجود جهود دولية لفهم ومعالجة احتياجاتهن، فالإيزيديات الناجيات أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى ولا زالت الأسر الإيزيدية متأثرة بالصدمات والخسارة الفادحة، وقد غادر ما يقدر بنحو 160 ألف إيزيدي البلاد ومنطقة الشرق الأوسط.

 

عشر سنوات والعدالة لم تتحقق بعد

واستهل برنامج الندوة بفيديو وثائقي قصير حول الدمار الذي سببه داعش لشنكال والشعب الإيزيدي، تبعته جلسة الافتتاحية للندوة من قبل السيناتور في مجلس الشيوخ الفرنسي نتالي جوليت، والناشطة في مجال حقوق الإنسان من شبكة الناجين الإيزيديين YSN منال لقمان خلف، ومدير عام مديرية شؤون الناجين في العراق سراب الياس.

وكانت قد قامت السيناتور نتالي جوليت التي تمثل منطقة لورن الفرنسية، بالتحقيق في مخططات تمويل داعش من خلال التهريب غير المشروع للآثار التاريخية أثناء سيطرتهم على شنكال.

وقالت الناشطة الإيزيدية منال لقمان خلف وهي ناجية من سيطرة داعش بعد أن أمضت سنة في الأسر قبل هروبها، إنه مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة للإبادة الجماعية، لم يحصل الإيزيديين على العدالة بعد.

وقد تطرقت الجلسة الأولى من الندوة التي أدارتها المديرة التنفيذية لمؤسسة يزدا ناتيا نافروزوف، إلى "قضية العدالة في الجرائم المرتكبة: المبادرات والمعوقات".

وفي مداخلة لها قالت عضو شبكة الناجين الإيزيديين (YSN) وشبكة صوت الناجين (SVN) نسرين حسن رشو التي بقيت مستعبدة لمدة عامين قبل هروبها إنه "مع استمرار النزاعات في مناطق أخرى، غالباً ما تُنسى معاناتنا، العدالة مهمة ونطالب بالاهتمام بالمحكمة الجنائية الدولية وإنشاء محكمة مختلطة لمحاسبة عناصر داعش بغض النظر عن جنسياتهم".

بينما تناولت الجلسة الثانية "احتياجات ومطالب الناجيات، بعد مضي عشر سنوات على الإبادة الجماعية"، وقالت الإيزيدية الناجية من الأسر بعد مرور ثلاث أعوام شيرين خيرو خديدا خلال الجلسة "لا يزال آلاف الإيزيديين نازحين داخل العراق حتى بعد مرور 10 سنوات، ويتحملون ظروفاً صعبة دون الحصول على الاحتياجات الأساسية، فلا توجد فرص عمل ومعظمهم يتمسكون بالأمل في مغادرة العراق ليعيشوا حياة كريمة وآمنة في الخارج".

وأوضحت مؤسسة مكتب زوفيكيان العام لين زوفيكيان في الجلسة الختامية للندوة، أن "المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية لا غنى عنها لمساعدة الناجين الإيزيديين لتحقيق العدالة وإعادة بناء حياتهم، وكل امرأة تستحق العيش".

ولفتت المديرة التنفيذية المنتخبة حديثاً لمؤسسة يزدا ناتيا نافروزوف، في مداخلتها إلى أنه "بعد مرور ما يقارب من 10 أعوام على الإبادة الجماعية، لم تتم معالجة أي من القضايا التي يواجهها المجتمع الإيزيدي بشكل كامل، لا يزال لدينا مفقودون، ومقابر جماعية لم يتم استخراجها، ورفات مجهولة الهوية، ولا يوجد أمن في شنكال، ولا أفق لتحقيق العدالة، نحن بحاجة إلى إعادة تركيز المناقشات حول الإبادة الجماعية على الاحتياجات الملموسة وطويلة الأجل للمجتمعات المتضررة، وليس فقط أولويات الدول حول مكافحة الإرهاب والأمن القومي، يجب أن تكون الأسئلة الأساسية هي لماذا تم استهداف الإيزيديين والمجموعات الأخرى في المقام الأول؟، وكيف يمكننا ضمان عدم حدوث ذلك مرة أخرى؟".

وفي ختام الندوة أقيم معرض افتراضي تحت عنوان "لا آذان صاغية" تم توثيقه بالاشتراك مع ناجين/ات إيزيديين/ات، للاطلاع على روايات شهود مباشرة عن تدمير شنكال على يد داعش.