البطاقة الشخصية في أفغانستان بين التوثيق والتمييز

قرارات حركة طالبان بشأن منع طباعة صور النساء على وثائقهنّ كشفت عن تناقضات واضحة وسوء إدارة، وأثارت سخرية شعبية واسعة، مما اضطرها للتراجع، هذه السياسات تعكس هشاشة في صنع القرار وتمييزاً ضد النساء.

بهاران لهيب

أفغانستان ـ أثارت قيود حركة طالبان على النساء، خصوصاً منع طباعة صورهن على البطاقة الشخصية وجواز السفر، موجة من السخرية والرفض الشعبي، واعتُبرت انتهاكاً لحقوق المرأة، كما أن هذه السياسات كشفت عن تناقضات في قرارات طالبان وعدم استقرارها.

تُعد البطاقة الشخصية "الهوية" وسيلة معتمدة عالمياً لإثبات هوية المواطنين، وقد عُرف هذا النظام في أفغانستان منذ زمن بعيد، لكنه كان يُطبق بأسلوب بسيط وتقليدي، وقبل عدة سنوات، اتُخذ قرار بإلزام جميع المواطنين بالحصول على "تذكرة إلكترونية" لتوثيقهم رسمياً، وذلك بعد اكتشاف أن كثيرين يمتلكون أكثر من بطاقة شخصية صادرة من جهات مختلفة، بل إن بعض الأفراد من الدول المجاورة، وتبين أنهم عناصر تابعة لجماعات إرهابية، استغلوا هذه الثغرة للحصول على بطاقة أفغانية.

انطلقت حينها عملية توزيع "التذكرة الإلكترونية" المعروفة باسم "بطاقة أفغان"، واستغرقت سنوات عدة لحسم الجدل حول إدراج اسم القومية ضمن خانة الجنسية، نظراً لتعدد الأعراق في البلاد، وفي السابق، كانت التذكرة تُمنح مجاناً، لكن مع النظام الجديد فُرضت رسوم مالية، ما أدى إلى عزوف المواطنين عن التقديم بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة التي كانت تستغرق أسابيع.

لاحقاً، فرضت الحكومة السابقة قوانين تُلزم المواطنين باستخراج التذكرة الإلكترونية، إذ أصبحت شرطاً أساسياً للحصول على جواز السفر أو أي وثائق رسمية، وبعد سيطرة طالبان، تبسطت الإجراءات الإدارية لكن مقابل دفع رسوم مرتفعة، مما ساهم في تسريع المعاملات واستطاع العديد من المواطنين الراغبين في مغادرة البلاد الحصول على التذكرة الإلكترونية ثم جواز السفر بعد دفع مبالغ طائلة.

ورغم ذلك، لا تزال مراكز إصدار الوثائق تشهد ازدحاماً شديداً، حيث يصطف المواطنون من مختلف الأعمار والفئات، من كبار السن إلى الأطفال والنساء، في طوابير طويلة للحصول على التذكرة، بطاقة الميلاد، أو جواز السفر.

وقد فرضت حركة طالبان مؤخراً قيوداً جديدة على النساء، تمثلت في إعلانها أن "النساء لا يحق لهن طباعة صورهن على التذكرة"، وهو ما أثار موجة واسعة من السخرية بين المواطنين، وفي الوقت ذاته، نشر أحد المسؤولين الأمريكيين صوراً لتذاكر وجوازات سفر نساء من قيادات طالبان، تظهر فيها صورهن مطبوعة، مما دفع طالبان إلى التراجع والإعلان أن "طباعة صورة النساء على التذكرة أمر اختياري".

لكن الجدل لم ينتهِ عند هذا الحد، إذ عادت طالبان لتعلن أن "النساء لا يحق لهن طباعة صورهن على جواز السفر"، ما أثار مجدداً ردود فعل غاضبة وسخرية عامة، لذلك اضطرت طالبان على إثرها إلى التراجع مرة أخرى، معلنةً أن "طباعة صورة النساء على جواز السفر أيضاً أمر اختياري".

وقد ارتبطت عملية توزيع التذاكر وجوازات السفر في أفغانستان منذ سنوات بمظاهر الفساد، والازدحام، والتناقض في القرارات، ورغم أن الهدف الأساسي من التذكرة الإلكترونية كان الحد من التزوير وتنظيم الإجراءات الإدارية، إلا أن عدم استقرار السياسات والضغوط الاجتماعية حولها جعل من هذه العملية تحدياً كبيراً للمواطنين، وتُظهر قرارات طالبان، خاصة تلك المتعلقة بالنساء، أنها ليست فقط تقييدية، بل أيضاً مثيرة للسخرية العامة وتعكس هشاشة وتذبذب سياساتها.