الأزمات الكبرى تكشف الثمن المضاعف الذي تدفعه النساء

مقال بقلم الصحفية روشيل جونيور

في كل أزمة يعيشها العالم، من الحروب والكوارث الطبيعية إلى الجوائح والأزمات الاقتصادية، يظهر وجه الحقيقة القاسية النساء فهن الأكثر تحملاً لنتائج الخراب، وغالباً بصمت. التاريخ القديم والحديث يؤكد هذه الحقيقة فكلما اشتدت الأزمات، كانت المرأة هي من تدفع الثمن الأكبر، سواء بفقدان أحبائها، أو بتحمل مسؤوليات مضاعفة، أو بأن تصبح المتنفس السلبي لغضب مجتمع مأزوم.

لنأخذ مثالاً من واقعنا القريب في السويداء، التي دخلت شهرها الثالث من الحصار. مع توقف معظم الرجال عن الذهاب إلى أعمالهم وضيق سبل العيش، تحولت المرأة إلى "المتنفس الوحيد" لغضبهم. فعندما خسر الرجل كل ممتلكاته ورزقه، وجد في المرأة المساحة الأسهل للتفريغ والانفجار. وبينما يفترض أن تكون شريكة في الصمود وركيزة في مواجهة الظروف، أصبحت هدفاً مباشراً للضغط والعنف. هي التي فقدت قريباً أو ابناً أو أخاً، وهي التي واجهت قسوة النزوح ومراكز الإيواء، ومع ذلك طلب منها أن تبقى صامدة، صامتة، وكأنها بلا مشاعر ولا أحاسيس.

الأكثر قسوة أن هذا العنف لا يمارس من الغرباء، بل أحياناً من الرجل نفسه الذي عاش التجربة نفسها، لكنه يجد في العنف ضد زوجته أو ابنته مخرجا لفشله وانهياره وكأن من الطبيعي أن تتحمل المرأة كل شيء، بحكم النظرة الذكورية التقليدية التي تضعها في موقع التضحية الأبدية.

هذا العنف لا يقف عند حدودها الشخصية، بل يمتد إلى أطفالها، وخصوصاً بناتها اللواتي يرين فيها قدوة للتحمل والصمت. وهكذا، تتحول معاناة النساء إلى إرث ثقيل يعاد إنتاجه في أجيال جديدة، تعتقد أن الصبر على الظلم فضيلة، وأن قبول العنف جزء من "الطبيعة الأنثوية".

هذه الظاهرة لا تقتصر على منطقتنا وحدها. جائحة كورونا كانت مثالاً صارخاً على ما يحدث حين تتعرض المجتمعات لضغط كبير، الإحصاءات في العالم كله، بما فيه الدول المتقدمة، أظهرت ارتفاعاً مخيفاً في حالات العنف الأسري. وكأن العزلة والخوف والضغط الاقتصادي كلها وجدت طريقها إلى أجساد النساء وأرواحهن.

السؤال الجوهري هنا لماذا تبقى المرأة دائماً الحلقة الأضعف في نظر المجتمع، رغم أنها في الواقع تشكّل العمود الفقري الذي يبنى عليه؟ الجواب يكمن في الثقافة السائدة التي تصر على اختزال المرأة في دور "المتحملة"، لا "الشريكة". هذه الثقافة تجعلها مسؤولة عن امتصاص كل الأزمات، بينما يسمح للرجل بالتعبير عن أزماته ولو كان ذلك عبر ممارسة العنف. هي معادلة غير عادلة، تعيد إنتاج الاستبداد داخل الأسرة، كما يعاد إنتاجه على مستوى السياسة والمجتمع.

من هنا، لا بد من إعادة النظر في صورة المرأة في زمن الأزمات. ليست مجرد "مُتلقية للصدمات" بل هي صانعة للحياة رغم الدمار ليست الحلقة الأضعف، بل العمود الفقري الذي يُبقي المجتمع قائماً. الاعتراف بهذه الحقيقة ليس مسألة إنصاف فقط، بل شرط أساسي لأي مشروع تغيير حقيقي.

فحين ندرك أن النساء لسن ضحايا ثانويات بل فاعلات أساسيات، نكسر الحلقة المفرغة التي تجعل الأزمات تنتج المزيد من الظلم. وعندها فقط يمكن أن نؤسس لمستقبل مختلف، تعامل فيه المرأة بما هي عليه كإنسانة كاملة، بحقوقها وأحلامها وطاقتها على البناء، لا مجرد ظل يحكم عليه أن يتحمل بصمت.

وبغض النظر عن المستوى التعليمي للرجل أو موقعه الاجتماعي، تبقى النظرة التقليدية للمرأة أنها من يجب أن تتحمل كل شيء. حين ندرك ذلك، يصبح واجبنا تعزيز حقوق المرأة ودعمها، ليس فقط لحمايتها، بل لضمان استقرار المجتمع بأسره.