74 ساعة من الحجب الرقمي في أفغانستان... شلل تام وحالة من الذعر

شهدت أفغانستان انقطاعاً شاملاً للإنترنت والاتصالات دام 74 ساعة، تسبب في شلل كامل للخدمات الحيوية، وألحق أضراراً جسيمة بالنساء والشباب الذين يعتمدون عليه في التعليم والعمل، ويُنظر إلى هذا الإجراء كأداة ضغط تستخدمها طالبان، وسط صمت رسمي وتفاقم معاناة.

بهاران لهيب

أفغانستان ـ تحولت أفغانستان تحت حكم طالبان منذ أربع سنوات، إلى سجن مفتوح لـ 30 مليون إنسان يعيشون يومياً تحت وطأة التعذيب النفسي والضغوط المتزايدة، وفي هذا الواقع القاسي، لا تقتصر المعاناة على حرمان النساء من حقوقهن الأساسية، بل تمتد لتشمل القتل، الاختفاء القسري، الفقر، البطالة، وسلسلة لا تنتهي من الأزمات.

شهدت أفغانستان خلال الأيام الأخيرة حالة من الشلل التام، حيث توقفت الرحلات الجوية، وأُغلقت المعابر الجمركية، وتوقفت البنوك والمكاتب الحكومية، وتعطلت خدمات التعليم الإلكتروني، وحتى التواصل بين أفراد العائلات داخل البلاد وخارجها انقطع تماماً، فقد أدى انقطاع الإنترنت وشبكات الاتصالات لمدة 74 ساعة متواصلة إلى توقف شبه كامل لجميع الخدمات الإنسانية، مما أدخل السكان في حالة من الذعر والترقب، متسائلين عن المصير القادم.

وبعد مرور 74 ساعة من الانقطاع، عادت خدمات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إلى العمل، لكن الصدمة التي عاشها الناس أعادت إلى الأذهان اللحظات الأولى لوصول طالبان إلى السلطة قبل أربع سنوات، حيث تكررت مشاعر الخوف والارتباك من جديد.

وفي سياق سياسي متصل، طلب الرئيس الأمريكي مؤخراً من حكومة طالبان تسليم قاعدة باغرام العسكرية للولايات المتحدة، وهو ما قوبل برفض من الصين وروسيا، فهاتان الدولتان إلى جانب دول الجوار والولايات المتحدة وحلف الناتو، لعبوا أدواراً متشابكة في أفغانستان، خاصة منذ عام 2001، حيث ضخت قوى دولية أموالاً طائلة في البلاد، دعمت من خلالها مسؤولين رفيعي المستوى، وكرّست نفوذها عبر وكلاء محليين، مما جعلها تشكل تحدياً دائماً للوجود الأميركي في المنطقة.

في خضم الحرب الباردة التي تعصف بالشعب الأفغاني، خاصة النساء الضحايا الأبرز، يدفعون الثمن في كل أزمة، ومع انقطاع الإنترنت مؤخراً لم تقتصر الأضرار على الجانب الاقتصادي بل كانت النساء الأكثر تضرراً، إذ يعتمد عدد كبير منهن على التعليم الإلكتروني في المدارس والجامعات والدورات التدريبية، وقد وجدن أنفسهن فجأة في خوف من فقدان فرصهن التعليمية.

كما أن العديد من النساء يعملن عن بُعد، وقد فقدن خلال تلك الـ 74 ساعة مصدر دخلهن الوحيد وانشغالهن اليومي، ولا زلن يعانين من آثار الصدمة والقلق، لكل امرأة أفغانية قصة مؤلمة ترويها، فيما بقيت العائلات المقيمة خارج البلاد في حالة من الترقب، عاجزة عن التواصل مع أحبائها داخل أفغانستان، وسط غياب تام للمعلومات.

وفي ظل غياب الإنترنت وشبكات الاتصال، بدت المدن الكبرى وكأنها فقدت نبضها، الدخول إلى هذه المدن كان أشبه بزيارة مدينة ميتة، الجميع صامتون، قلقون، والأسواق شبه خالية، حتى سوق كابول، الذي يُعد من أكثر الأماكن ازدحاماً، تحوّل إلى فضاء صامت لا يُرى فيه سوى عدد قليل من الناس، وحدها محلات المواد الغذائية والمراكز الصحية بقيت مفتوحة، بينما أُغلقت باقي المرافق بالكامل.

ولم تصدر حكومة طالبان أي توضيح رسمي عبر وسائل الإعلام بشأن أسباب انقطاع الإنترنت، لكن المواطنين وبعض وسائل الإعلام المحلية تداولوا روايات متعددة حول خلفيات هذا الحدث، منها ما يُقال عن تسليم قاعدة باغرام العسكرية للولايات المتحدة خلال فترة الانقطاع، كما أفاد عدد من العاملين في جهاز استخبارات طالبان بأن "الهدف من قطع الإنترنت كان مراقبة الهواتف المحمولة والتطبيقات المستخدمة يومياً، وعلى رأسها تطبيق واتساب، وذلك لوضع الاتصالات والمحادثات تحت الرقابة المباشرة".

أما النساء، فقد عبّرن عن قناعتهن بأن "هذا الإجراء يأتي في سياق سياسة طالبان المعادية للمرأة، والتي تهدف إلى عرقلة تقدم المجتمع، معتبرات أن قطع الإنترنت وشبكات الاتصالات هو جزء من هذه المنهجية القمعية".

وأسفر انقطاع الإنترنت الشامل في أفغانستان عن آثار مدمّرة، لم تقتصر على الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية، بل امتدت لتطال مستقبل النساء والشباب الذين يعتمدون عليه في التعليم والعمل، فقد شكّل هذا الانقطاع ضربة قاسية لأحلامهم، وكشف بوضوح كيف تستخدم طالبان الإنترنت كأداة للضغط والسيطرة.

وكما في كل مرة، كانت النساء والمهمشين هم الضحايا الحقيقيون لهذا الإجراء، أولئك الذين ظلوا لسنوات طويلة في قلب الصراعات السياسية ومصالح القوى العالمية، دون أن يُسمع صوتهم، ودون أن يُمنحوا فرصة للنجاة من دوامة الخسارة والتهميش.