159 عاماً على الإبادة الجماعية للشركس... جراح لم تلتئم بعد

لا يعد يوم الواحد والعشرين من أيار/مايو مجرد إحياء ذكرى حرب انتهت بخسارة الشركس، بل هي إحياء ذكرى جريمة ضد الإنسانية مرتكبيها واضحين.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ بالرغم من مرور 159 عاماً على الإبادة الجماعية للشركس لا تزال صورة تلك المأساة وجراحها ماثلة في ذاكرة الأجيال الجديدة من الشركس خاصة النساء منهم.

يطلق الشعب الشركسي على ذكرى الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها من قبل روسيا القيصرية في الواحد والعشرين من أيار/مايو عام 1864، بـ "اليوم الأسود" أو يوم الحداد على أرواح مئات الآلاف القتلى الذين فقدوا حياتهم أثناء الهجرة القسرية من جبال القوقاز موطنهم الأصلي، ويتزامن هذا اليوم مع إعلان انتهاء الحروب القوقازية الروسية، وكانت قد دارت الحرب الأخيرة داخل حدود مدينة سوتشي الحالية.

 

تقول هناء حتوتي البالغة من العمر 75 عاماً وهي من المكون الشركسي "لا زلت أتذكر ما كان يسرده لنا آبائنا وأمهاتنا عن الهجرة الشركسية وتفاصيل تلك الذكرى الأليمة، فحسب ما قيل لنا فإن الشركس عانوا كثيراً من التهجير القسري في حقبة سيطرة روسيا القيصرية، فالكثير منهم فقدوا حياتهم أثناء الهجرة".

استنكرت الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشركس الذين كانوا يتوزعون على شكل قبائل كالأبزاغ والقبرطاي والججان والقرجاي، على سلسلة جبال القوقاز الواقعة على الحدود بين قارتي آسيا وأوروبا، تمتد بين البحر الأسود وبحر قزوين، ولا تزال هناء حتوتي محافظة على لغتها الأم الشركسية ولديها ابن يعيش في بلاد الشركس القوقاز حسبما أفادت.

 

وعن تفاصيل الإبادة الجماعية والنفي الشركسي تقول عضوة الجمعية الخيرية الشركسية في مدينة منبج بشمال وشرق سوريا رابحة إلياس "يصادف اليوم الواحد والعشرين يوم الحداد الشركسي يوم هجرتنا من أرضنا إلى شتات العالم"، مشيرةً إلى أن شمال القوقاز قد شهد بين عامي (1763 ـ 1864) حرباً صنفت ضمن أكثر الحروب دموية على مر التاريخ، وتم تهجير مئات الآلاف من الشركس وغيرهم من شعوب المنطقة.

ولفتت إلى المقاومة التي أبداها الشركس لأكثر من مئة عام "نحن شعب لم نتخلى عن أرضنا بسهولة، فقد قاوم أجدادنا لمدة 101 عام، للحفاظ على أرضنا وحمايتها، فروسيا القيصرية كانت تود احتلال أرضنا فلموقع القوقاز الواقعة على ضفاف بحر قزوين أهمية كبرى، فهي صلة الوصل بين وسط آسيا وأوروبا ومنها عبرت الهجرات البشرية باتجاه الغرب كما انتقلت عبرها الحضارات، وتكثر فيها الغابات والسهول"، مشيرةً إلى أنه لكثرة أمطاره تنتشر فيه زراعة المحاصيل بشتى أنواعها، فضلاً عن الثروات الباطنية من الغاز والبترول.

وعما حل بالشركس آنذاك تقول "اتبعت روسيا القيصرية سياسة التغيير الديمغرافي، فهجرت ما يقارب المليون ونصف المليون شخص إلى مناطق سيطرة الدولة العثمانية"، وعن الانتهاكات التي تعرضوا لها من قبل روسيا القيصرية أثناء الهجرة توضح "لقد تعرضت النساء آنذاك لكافة أشكال الانتهاكات، فقد فتحوا بطون الحوامل بالأدوات الحادة وأخرجوا الأجنة وقتلوهم، تخوفاً من ولادة جيل جديد يقاومهم".

وأضافت "الكثير من النساء توجهن إلى المجهول، فقد سلكن طرق الغابات للفرار والنجاة بأرواح أطفالهن بعد أن قتل أزواجهن وآبائهن وأشقائهن، وحينما أدركت روسيا القيصرية ذلك لاحقت النساء بالدبابات، لقد وضعت النساء الأكفان على الأرض وتمددن عليها في سبيل الموت على أرضهن وألا تهجرن منها، وبذلك دهستهن الدبابات الروسية".

ولفتت إلى أن من بقي من الشركس تم تهجيرهم عبر البحر الأسود "جلبت روسيا السفن لتهجير الشركس وبعد أن ركبوها، ثقبوا تلك السفن وأبحروا بهم إلى وسط البحر ليغرقوا جميعهم، وحتى الآن يمتنع الشركس عن تناول أسماك البحر الأسود لأننا نعتبر أن تلك الأسماك أكلت من لحوم أجدادنا، ويقوم الشركس المتواجدين على ضفاف بحر الأسود في ذكرى الإبادة الجماعية بإيقاد الشموع ورمي الورود في البحر استذكاراً لأرواحهم".

وأوضحت أنه "استخدم العثمانيين الشركس كدروع بشرية في الخطوط الأمامية من حروبهم ومعاركهم للتخلص منهم وتنفيذ أجندتهم، ومن بقي منهم تم نفيهم إلى سوريا والأردن وفلسطين والعراق واستطاعوا التعايش مع كافة المجتمعات التي توجهت إلى بلدانها"، متمنية العودة إلى بلادها واجتماع جميع الشركس فيها.

وتشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 625 ألفاً من الشعب الشركسي، فقدوا حياتهم نتيجة المجازر والأوبئة خلال هذا المنفى والإبادة الجماعية.