تحدت الواقع وحققت أحلامها... فاطمة السيد مثال المرأة الطموحة
لكل إنسان موهبة تميزه عن غيره، لكن قلما نجد بيئة مناسبة تعمل على صقل تلك الموهبة؛ فما بالك بالمرأة التي يكون لديها مواهب عديدة وظروف صعبة
الرقة ـ .
من الملفت أن تجد امرأة رسامة، في بيئة عشائرية يعتبر فيها مكان المرأة الطبيعي في المنزل، وهذا حال فاطمة السيد إحدى نساء مدينة الميادين في دير الزور بشمال شرق سوريا، التي استطاعت تحقيق حلمها بدراسة الرسم بعد سنوات من العوائق، في البداية حرمتها ظروفها من دراسة الرسم، وعندما كانت الفرصة سانحة سيطر مرتزقة داعش على مدينتها لتعود إلى نقطة الصفر.
لم تكتفي الإدارة الذاتية الديمقراطية في مناطق شمال وشرق سوريا التي تحررت بفضل دماء بناتها وأبنائها من إعطاء المرأة حقوقها كاملة، بل اهتمت بمواهبها أيضاً وافتتحت المراكز الخاصة بصقل هذه المواهب.
تتمتع فاطمة السيد بمواهب فنية مختلفة منها الرسم والأعمال اليدوية ونسج الصوف، كانت هذه المواهب بحاجة لصقل، لكنها لم تجد الاهتمام الكافي، تقول "شجعني الكثير من معلمي الرسم في المراحل الابتدائية والإعدادية لكن بعد ذلك كان الاهتمام منصباً على المواد الأخرى، وخاصة في صف التاسع، لكونه مِفصل مهم في تحصيل الشهادة الإعدادية".
كانت تمارس الرسم بعد إتمامها جميع فروضها المدرسية، وظلت على ذلك الحال في جميع مراحلها اللاحقة "وصلت للمرحلة الثانوية وكان الأمر يتطلب مني تركيزاً مضاعفاً".
منذ أن كانت تبلغ من العمر 9 سنوات كانت ترسم أي شيء تراه، ولم تواجه أي رفض من عائلتها لكنهم شجعوها للتركيز أكثر على المواد الدراسية المهمة لتحصيل علامات تؤهلها دخول فروع الجامعة المختلفة، وكانت الشهادة هي ما يهمهم "تابعت صقل موهبتي بنفسي، كان الرسم ينبض في قلبي ويطلب مني الاستمرار".
حاولت تحصيل علامات تكفي للالتحاق بمعهد الرسم لكن علامتين كانتا سبباً لكي تحرم من دخول المجال الذي تحلم به "دخلت معهد الفنون النسوية من أجل مادة الرسم التي كانت ضمن المنهاج، لكن لم يكن هناك اهتمام كبير"، وكأن مادة الرسم ترفيهية لا أكثر. تؤكد أنها لم تكتسب أية معرفة بفن الرسم من دراستها.
لكن مع ذلك استفادت من المعهد وطورت موهبتها بنفسها "انشغلت بالخياطة والتصميم، وكل هذه المهن كانت تعتمد على الرسم". واستطاعت تجاوز الصعوبات التي واجهتها بسبب كون المعملين غير متمكنين.
"أحب التصميم بسبب دراستي في الفنون النسوية لكن ليس لي رغبة كبيرة في الخياطة، ميولي تتجه دوماً نحو الرسم والأعمال اليدوية".
لم تستسلم فاطمة السيد لهذا الواقع، كان دخول كلية الرسم حلمها الذي طالما تمنت تحقيقه لذلك قررت تقديم البكالوريا مرة أخرى "عاودت دراسة البكالوريا لكي أحصل على شهادة الثالث الثانوي العام الفرع الأدبي"، لم تخب آمالها هذه المرة، لقد حصلت على علامات تؤهلها لدخول كلية الفنون التشكيلية قسم الرسم.
ولكن للأسف، لم تكن الأرواح وحدها ضحية لفكر داعش وإنما كانت أحلام فاطمة السيد أيضاً "لم أستطع تحقيق حلمي بسبب سيطرة داعش على مدينة الميادين".
سيطر مرتزقة داعش على معظم مدينة الميادين في دير الزور عام 2014، وتم تحرير جزء كبير منها من قبل قوات سوريا الديمقراطية أما الجزء الثاني فسيطرت عليه قوات النظام السوري.
وعلى الرغم من سيطرة مرتزقة داعش على المدينة استمرت فاطمة السيد في الحفاظ على موهبتها "لم أستسلم ولجأت للأعمال اليدوية، بدأت بصنع الزهور والاستفادة من مخلفات الطبيعة، وحرصت على تقديمها للنساء من أجل تزيين منازلهن بها".
شكل نزوح فاطمة السيد مع عائلتها إلى مدينة الطبقة في عام 2017، بعد تحريرها من مرتزقة داعش في أيار/مايو من العام نفسه فرصة جديدة لتحقيق أحلامها، كان لديها صديقة تعمل في المركز الثقافي "نصحتني صديقتي بالالتحاق بالمركز الثقافي في مدينة الطبقة".
ومنذ تحرير مدينة الطبقة سارعت الإدارة الذاتية الديمقراطية إلى تنظيم المنطقة وافتتحت العديد من المراكز والمؤسسات التي تهتم بتنمية المواهب وخاصة بالنسبة للنساء ومنها مركز الثقافة والفن الذي افتتح في أيلول/سبتمبر2018، وذلك بجهود لجنة الثقافة والفن في الإدارة المدنية الديمقراطية لمنطقة الطبقة، للعمل على تنمية وتشجيع الثقافات والفنون.
وعن الدراسة والعمل في المركز الثقافي تشير فاطمة السيد إلى الاهتمام الكبير الذي لاقته من قبل الكادر التدريسي والعاملين في المركز "تلقيت اهتماماً كبيراً من قبل المدرسين الذين كانوا يشجعونا على تعلم مادة الرسم والأعمال اليدوية أيضاً".
وتستخدم عجينة السيراميك والكرتون وورق الجرائد وحتى ورق الإسمنت وحتى الجوارب المهملة في ابتكار أعمال يدوية جميلة، "نحاول استخدام المواد المهملة لصناعة اشكال مميزة".
وتشارك فاطمة السيد في المعارض والفعاليات التي تقام في مدينة الطبقة وأريافها، وتطرح من خلال لوحاتها مواضيع المرأة "أشعر بالفخر عند عرض أعمالي، تعلمت العمل على الصوف ايضاً، وأحب نقل خبراتي وكل شيء تعلمته للآخرين".
وخلال عملها الذي بدأ قبل ثلاث سنوات استطاعت تطوير موهبتها وتكريس ما تعلمته في تدريب الأطفال، وأصبحت عضوة في قسم الأعمال اليدوية والرسم في مركز الثقافة والفن في الطبقة "بعد تعلمي بشكل أفضل أصبحت مسؤولة عن تعليم عدد من الأطفال".
ولم تكتفي فاطمة السيد بالأعمال اليدوية والرسم، بل عملت على تنمية معارفها "بعد وصولي لهدفي وتطوير هواياتي تعلمت نسج الصوف أيضاً، كنت أراقب كيف يصنعونه ورغبت أن أتعلم هذه المهنة وأضيفها لهواياتي، ولدي ميول في تصميم الأزياء لأنها ترتبط نوعاً ما بمواهبي التي أمارسها، وأطمح لتوسيع نشاطاتي الفنية أكثر وأتمنى أن أتمكن من المشاركة في جميع الفعاليات الفنية التي تقام خارج مدينة الطبقة".
ومن خلال ما واجهته وصلت إلى نتيجة مفادها أن على الإنسان السعي لتحقيق أحلامه وألا يتخلى عنها "أنصح كل امرأة لديها موهبة أن تظهرها وتكسر حاجز العادات والتقاليد التي تحرم المرأة من ممارسة هوايتها وإبرازها".