تضم أكثر من 1200 معلم أثري... تاريخ تحكيه بنايات "كازا بلانكا" المغربية
الدار البيضاء، أو" كازا بلانكا" عاصمة المغرب، مدينة لا تعرف الهدوء، وهي ثالث أكبر مدينة في الشمال الإفريقي، أما وجهها المعماري فهو لوحة مثيرة تشكلت على مر العصور، وتدعو الجمعيات المغربية المهتمة بالتراث للمحافظة عليها من الزوال والتلاشي، لأنها إرث تاريخي
حنان حارت
المغرب ـ مدينة الدار البيضاء المغربية، هذه المنطقة التاريخية الحضارية التي تجسد موطن العديد من المباني البارزة التي تشكل نسيجاً معمارياً مميزاً منحها طابعاً خاصاً يمزج بين الهندسة الأوروبية والمعمار التقليدي المغربي، ليعطي لوحة فسيفسائية من التناغم وصورة تتفرد بها العاصمة الاقتصادية للمغرب.
أكثر من 1200 معلم تراثي
تضم مدينة الدار البيضاء أكثر من 1200 معلم صنفت ضمن التراث الوطني، وقالت ربيعة الريضاوي رئيسة جمعية "كازا ميموار" وواحدة من المهتمات بالدفاع عن معلم الدار البيضاء كإرث تاريخي "مدينة الدار البيضاء تضم تراثاً معمارياً نادراً ببناءاته المتنوعة، فهناك البناءات الحديثة التي اعتمدت على الزخرفة المغربية التقليدية في الواجهات، وأخرى استوحت أسلوب ما يعرف في باريس بالفن الجديد وفن الديكور، جنباً إلى جنب مع الأبنية الكلاسيكية على الطريقة الأوروبية، وهذا التنوع وهذا المزيج يعطي للمدينة وجهاً متفرداً".
وأوضحت أن عمل الجمعية يتجلى في توعية المواطن المغربي بجمالية هذا المعلم "نقوم بورشات وننظم أيام للتراث بشكل سنوي بهدف إيصال رسالة إلى المغاربة والأجانب عن قيمة هذا التراث ونشرح لهم خاصية هذا المعلم لرفع مستوى الوعي بقيمته".
وأشارت إلى إن مدينة الدار البيضاء تكتسب قيمة تراثية معترف بها؛ لكثافة التراث المعماري الذي يتطلب جهوداً متواصلة للمحافظة عليه وإبراز قيمته، فالمدينة تضم ما يقارب 4000 وحدة معمارية تاريخية بحاجة للحماية، وإلى الآن تم تصنيف حوالي 1200 بناية فقط ضمن التراث الوطني.
مدينة أركيولوجية
تقع مدينة الدار البيضاء أو "كازا بلانكا" على المحيط الأطلسي، وتعد قاعدة بحرية أساسية للمغرب، والعاصمة الاقتصادية للبلاد، وقد بنيت على أنقاض مدينة عريقة تسمى "آنفا" بمعنى الأنفة، كما لعبت دوراً هاماً في تاريخ المغرب مع نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن الميلادي.
وأوضحت ربيعة الريضاوي أن تاريخ مدينة الدار البيضاء يعود إلى حوالي ألف سنة قبل الميلاد، فهي مدينة أركيولوجية تكشف عن وجود آثار تثبت أنها كانت من أقدم المناطق الآهلة بالسكان قديماً.
ومنذ بداية النفوذ الفرنسي، استقطبت المدينة عشرات المهندسين المعماريين الأوروبيين من فرنسيين وغيرهم وجدوا فيها المكان الذي يتيح لهم العمل بحرية كبيرة بعيداً عن القيود التي كانت مفروضة عليهم في بلدانهم الأصلية، فعملوا على تنفيذ مشاريع عمرانية رائدة تدرس فنونها إلى اليوم في الجامعات ومعاهد الهندسة المعمارية.
ساحة الحمام
عند التجوال في مدينة "كازا بلانكا"، لابد أن تأخذك رحلتك إلى ساحة الحمام التي تعد أيضاً من المعالم التاريخية للمدينة، فهي عبارة عن مساحة تحيط بها بنايات دائرية وتتوسطها نافورة مياه لا تفارقها أسراب الحمام، هذه الساحة التي تمت إعادة صيانتها وتجديدها، وجهة للمارين والمتنزهين، من أجل التقاط الصور والتأمل في هندستها وجمالها.
ولا تكتمل زيارة مدينة الدار البيضاء بدون زيارة حي الكورنيش والمدينة القديمة، وحديقة الجامعة العربية، وهي معالم ظلت شاهدة على تاريخ المدينة قبل الاستعمار الفرنسي، وتعد المدينة العتيقة كذلك من أقدم المعالم التاريخية في المغرب، حيث تضم العديد من المواقع الأثرية مثل حي القناصلة، وحي الملاح اليهودي، والتي تعتبر واجهة جذب سياحية للأوروبيين والعرب.
وبخصوص المعايير المعتمدة لتصنيف مبنى معين على أنه معمار تاريخي، قالت ربيعة الريضاوي "هناك العديد من الأساسيات التي يجب أن تتوفر في البناية على غرار جودة الهندسة وخصائصها، وتاريخ إنشائها، وأسم المهندس الذي غالباً ما يهتم الباحثون بمعرفته، وكما يدخل عنصر القيمة الهندسية في تحديد البناء باعتباره تاريخياً، والمقصود هنا كل ما يتعلق بالعمران من حيث مواد البناء والشكل والطراز والزخرفة، ومن ثم تجليات قيمته الفنية والجمالية".
وأوضحت أن التراث ثروة وطنية وإنسانية، وهو ما يفسر تزايد اهتمام شعوب العالم به خلال السنوات الأخيرة باعتباره يشكل الهوية الثقافية التي تميز كل شعب عن الآخر، ويكون عنصراً مساهماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتقوم الجمعية بأنشطة ميدانية، ومعرفة الخطر المحدق بمجموعة من المباني الرمزية في العاصمة الاقتصادية للمغرب؛ مشيرة إلى أن من بين أكبر المخاطر التي تواجه التراث المعماري للدار البيضاء جشع بعض المنعشين العقاريين الذين يتصيدون فرص تهالك أو انهيار أحد هذه المعالم لهدمها والظفر بعقارات جديدة تتيح لهم تشييد عمارات في مواقع ممتازة بقلب المدينة.
وقالت "نحن كجمعية تسعى للحفاظ على هذا الموروث وفي عدة اللقاءات أكدن أن معمار الدار البيضاء هو إرث تاريخي يشكل الذاكرة والهوية للمجتمع المغربي، فضلاً عما يمثله هذا المعمار في الخيال الجماعي، حيث ظلت له على مر الحقب الزمنية دلالة عميقة في ذاكرة الفرد وهويته، بغض النظر عن شكله ووظيفته، لذا ندعو إلى المحافظة عليه وتثمينه، ونقوم بلفت الانتباه إلى مخاطر عمليات التشويه أو الهدم التي قد تمس بقيمة هذه المدينة الاستثنائية".
وحول كيفية الحفاظ على هذا التراث المعماري من الاندثار والتلاشي، أكدت على ضرورة "انتهاج سياسة عمومية أكثر فاعلية للمحافظة على هذا التراث وتثمينه بكل أصنافه، وجعله آلية اقتصادية تدر الدخل على الجميع، عبر تسويق خصوصياته، بما يوفر للدولة فرصة الحصول على مصادر هامة من الدخل عبر جذب السياح والاستثمارات".
وأشارت إلى أنه بالرغم من إيلاء المغرب اهتماماً بحماية التراث، ووضع ترسانة قانونية هامة جداً في هذا الإطار، خاصة القانون 80-22 الذي يعتبر القانون الأساسي في تعاطي الحكومة مع المعالم التاريخية، حيث يتضمن مجموعة إجراءات تعنى بحماية التراث، ومنها المتعلق بتصنيف وترتيب المعالم التاريخية.
واختتمت رئيسة جمعية "كازا ميموار" ربيعة الريضاوي حديثها بالقول "يجب إعادة النظر في هذا القانون لأنه لم يشمل بعد جميع الوجهات إلى جانب معالجة المشاكل في مجال التراث، الأمر الذي يستدعي مضاعفة المجهودات التي تقوم بها مكونات المجتمع المدني من أجل الحفاظ على هذا الموروث".