صناعة القش مهنة تراثية تحييها نازحات في إدلب

مع دخول الحرب السورية عامها الثاني عشر تقبل عدد من النساء النازحات على تعلم المهن التراثية في محاولة لإحيائها والاستفادة من مردودها

سهير الإدلبي

إدلب ـ مع دخول الحرب السورية عامها الثاني عشر تقبل عدد من النساء النازحات على تعلم المهن التراثية في محاولة لإحيائها والاستفادة من مردودها من أجل الإنفاق على عوائلهم في ظل الفقر وقلة فرص العمل.

تعددت الأدوات التي تصنعها النازحات بين أطباق، وأوعية مختلفة الأشكال والألوان بجهود ذاتية وإمكانيات بسيطة.

لم تتردد منار الكردي (24) عاماً من الالتحاق بإحدى مراكز تمكين المرأة القريبة من مكان سكنها في سلقين من أجل تعلم حرفة صناعة القش، وعن تجربتها تقول "احترت في اختيار أي المهن التي سأعتمد عليها وأنطلق لتعلمها من أجل إنقاذ نفسي من الركود السلبي الذي انتابني بعد نزوحي مع زوجي وولديّ من قريتنا كنصفرة منذ عامين".

إذ تعرضت منار الكردي لضغوطات نفسية جعلتها منزوية ومكتئبة معظم الأوقات، لم تستطع الخروج من حالتها تلك أو الاندماج مع المجتمع المحيط إلا حين لجأت لتعلم مهنة ما، وكان اختيارها لمهنة القش من أكثر ما استمتعت به على حد تعبيرها.

وخاصة وأنها لمست بداخلها هواية لتعلمها وهو ما ساعدها على تعلم المهنة بسرعة كبيرة، وأبدعت في إنتاج مختلف القطع الفنية التي راحت تبيعها فيما بعد واعتمدتها مصدر رزق بعائد مادي وصفته بالجيد، مشيرة إلى أنه  "شعرت في البداية أن هذه المصنوعات عبارة عن تراث تستخدم أدواته لمجرد الزينة ولكنني فوجئت بالإقبال على شرائها من قبل البعض واستخدامها كأدوات مطبخية ومنزلية تضفي جمالاً وأناقة على منازلهن وحتى خيماتهن".

تعتبر صناعة القش من الصناعات التراثية القديمة التي تم إحياؤها مؤخراً في الحفلات والمهرجانات كنوع من الفلكلور الشعبي إضافة لاستخداماتها المنزلية المتعددة.

وعن أنواع القش المستخدمة في هذه الصناعة تقول أروى الخاني (30) عاماً النازحة من مدينة سراقب ومقيمة في مخيمات كفر جالس شمال إدلب أنها تجمع عيدان القش الطبيعي من البيادر، سواء القمح أو الشعير في فترة الحصاد وتحتفظ بها طوال العام لصناعة الأدوات المتعددة منها.

وأشارت إلى أن مهنة صناعة القش تتطلب الكثير من المهارة والإتقان والدقة والفن، وتمر هذه الصناعة بمراحل متعددة تبدأ بجمع القش ثم فرزه ونقعه بالماء لمدة لا تقل عن ثمان ساعات ليتم تلينه وتطويعه حتى لا يتم تكسيره بعد البدء بالعمل.

وتختار أروى الخاني الألوان التي ترغب بها عن طريق صباغة القش بمختلف الألوان وتستخدم مخرز حديدي لتنسج به لفافات القش وتضمها بشكل أفقي أو عامودي بحسب الإناء الذي ترغب بصناعته، وتختار الصور والزخارف الهندسية المتنوعة أو الكتابات، لتعطي لكل قطعة تنتجها زخرفتها وألوانها الخاصة والمتناسقة وهو ما يدفع الكثيرات ممن يرغبن باقتناء ما هو فريد ومميز لشراء تلك القطع منها.

تقول أروى الخاني "اكتسبت المهنة من جدتي التي علمتني أصولها وكيفية العمل بها وما تتطلب من أدوات، فكان أن انطلقت بها لملأ وقتي بما هو مسل ومفيد، مستفيدة من تواجد معدات تلك المهنة بكثرة في مناطقنا وهي عبارة عن أعواد السنابل التي تشتهر إدلب بزراعتها وبعض المواد البسيطة الأخرى كالأصبغة والقش الصناعي الذي أمزجه مع الطبيعي ليعطي فناً لافتاً".

من جهتها ما تزال فاطمة الحميدي (40) عاماً وهي من مدينة معرة مصرين تذكر أهمية أواني القش في حياة أمها وجداتها حين كانوا يتباهون في تواجدها في منازلهن ويستخدمونها في الاستعمال والزينة، وهو ما دفعها لشراء تلك القطع مؤخراً وأحياء التراث في منزلها.

تقول فاطمة الحميدي "اشتريت عدد من القطع المصنوعة من القش من نساء يمتهن المهنة في البلدة، واخترت القفة وهي عبارة عن وعاء كبير له غطاء، لأضع فيها الخبز فهي تحفظه من النمل والحشرات والأغبرة وخاصة مع غياب الكهرباء والبرادات عن المنطقة منذ بداية الحرب السورية لاسيما المدن والبلدات في إدلب ومخيمات النزوح".

ورغم تطور الصناعات واختلاف حاجات المجتمع وتنوع اهتماماته وظهور الأواني الزجاجية والبلاستيكية والمعدنية التي هددت مهنة القش بالاندثار، إلا أنها لا تزال تقاوم وهي حاضرة ويعاد إحيائها بميزات وفنون جديدة على يد نازحات مبدعات في إدلب.