سهى المحمدي: أقدر الفنانة التي تخرج من بيئة متحفظة

"يرتبط لدي اللون بالمشاعر فهو وسيلة تعبير مثله مثل التكوين"، بهذه الكلمات تحدثت الفنانة التشكيلة سهى المحمدي عن تجربتها في مجال الفن التشكيلي وامتزاج الألوان.

غفران الراضي 
بغداد ـ  
سهى المحمدي من مواليد بغداد من أب عراقي وأم فلسطينية تخرجت من أكاديمية الفنون الجميلة قسم التصميم الطباعي من بغداد عام 1998، ثم انتقلت للعيش في غزة، ومنذ عام 2003 وهي تتنقل بين العراق والأردن.
 
 
"التعامل مع الألوان فلسفة وشعور وخبرة وعلم" 
تعتبر سهى المحمدي الفن المتعلق بالتعامل مع الألوان هو ميل لملء الفراغ والتفاعل مع طبيعة هذا الملء، فتقول "يبدأ كل شيء من الميل نحو مزج الألوان واستخدامها من التوجه نحو حب ملء الفراغ، ثم مرحلة التعرف على ماهية الألوان كدراسة أكاديمية لمعرفة خصائصها ودرجاتها وعلاقات الألوان ببعضها البعض".
وتضيف "التعامل مع أي شيء تحبه يجعلك في رحلة للبحث والتعرف عليه أكثر وهذا ما يدفع أي فنان محب للرسم للقراءة والبحث عن الألوان وتاريخها وأصولها ودلالتها ثم تكوين فكرته الخاصة التي تميزه عن الآخرين". 
 
 
"العراق نبراس ومنشأ الفن التشكيلي" 
تجد سهى المحمدي أن للبيئة دور في تدفق الصور وتخزينها في الذاكرة لتكون مصدر الإلهام في التعامل مع الألوان "أعتبر نفسي محظوظة كوني فنانة عراقية، هذا الشيء أعطاني زخم من الصور المخزنة المليئة بكل ما هو مميز وجميل، هناك بلدان في شمال أوروبا لا تعرف مثلاً الألوان الغير حيادية؛ لأن بلدانهم متجمدة لا تزهو بالشمس كبلداننا".
وتضيف "كوني نشأت في بغداد يعني أن لدي مخزون هائل لا يكفي عمر واحد لاستنفاذه، فالعراق هو نبراس الفن التشكيلي ومنشأه في العالم، لذلك فالشخص العراقي بالفطرة متذوق للفنون، فلا يكاد يخلو بيت من فنان وإن لم يكن محترفاً فهو متذوق للفن ومحب له".
تقول سهى المحمدي أنها تأثرت بشخصية والدتها "والدتي هي مدخلي للفنون فقد كنت أرافقها منذ صغري أثناء عملها الصحفي في العراق حيث كانت مختصة وقتها في ملف الفن التشكيلي والمسرح الجاد، وكان بيتنا في بغداد ومكتبها مقاماً للأدب والثقافة والفنون".
 
 
"لا أخاطب المجتمع الذكوري في لوحاتي فبطلتي امرأة" 
تعانق سهى المحمدي الحس النسوي في لوحاتها كأداة للتعبير وتتحدث عن موازنة التأثير القهري على المجتمع بقولها "في الحقيقة لدينا مشكلة كبيرة في الشرق الأوسط تخص الإنسان، بغض النظر عن جنسه هي مشكله التطور والديمقراطية والحرية والأمان وآثار واستمرار الحروب، وهذا ينعكس على الرجل والمرأة والطفل فكلنا في الهم شرق كما قال الماغوط، ليس تقليلاً من جملة مجتمع ذكوري، ولكني أؤمن أن الرجل ضحية في أوطاننا وأن العائلة بشكل عام هي انعكاس لكل ما يجري في الوطن". 
وعن نضال المرأة المبدعة في المجتمع تقول "اعتقد أن أي إبداع تقدمه المرأة يحسب لها بشكل فردي، ولا يقاس بتقدم البلد؛ لأنها في تحدي مستمر لتصل لذلك، أنا لا أخاطب المجتمع الذكوري في لوحاتي فبطلتي هي المرأة، وهي أداة تعبيري الأولى".
أما عن وجود الرجل في لوحاتها فتشير إلى ذلك "أحياناً يظهر الرجل كدور مساند، غالباً عاشق كما تتمنى أي امرأة أن يكون، وأشرت ببعض لوحاتي إلى الاستبداد الذكوري، حيث رسمت لوحة يحمل فيها رجلاً متأنقاً امرأة على يده كما يحمل معطفاً وكأنها تكمل ديكور حياته فقط". 
 
 
"الفن حرية"
تؤكد سهى المحمدي أن "الفن حرية وعليه أعامل الجسد في لوحاتي معاملة أي كتلة في فضاء اللوحة، فالجرأة الفنية هي حرية التعبير التي لا تختلف عن الكلمة وأحقيتها".
وتضيف "ليس لدي أي تحفظات في الطرح الفني كوني أعتقد أن اللوحات أداة تعبير لا تحتاج إلى رقابة، فهي صورة الحقيقة والرأي، ولا اعترف بمبدأ أن بعض الرسومات أو النتاجات الفنية تثير الغرائز الجنسية، وأستغرب كيف أن بعض الفنانين أنفسهم يتبنون هذا الطرح، هي مسألة قناعات ورؤى". 
وتشير إلى موضوعات لوحاتها واختيارها لها بالقول "لوحاتي هي رؤيتي الخاصة لما حولي، هي طريقتي للكلام بالرسم، هي هواجسي والهواجس التي أرصدها من حولي، وأحياناً أهرب بلوحاتي من واقع إلى خيال أتمناه، أو أرسم حياة لا تشبه حياتي بشيء". 
 
 
منظمة ترعى الفنانات العراقيات 
تتحدث سهى المحمدي عن الكثير من التنقلات والتحولات في حياتها وتقول عن انتقالها إلى غزة وتفاعلها مع الوضع الذي يعيشه أهالي فلسطين "كان تفاعلي محسوماً بنكهة الفن وتأثير الإرث المرتبط بالقضية الفلسطينية، حيث عملت كمصممة لأغلفة العديد من الكتب والمجلات، وأنجزت 25 غلافاً فنياً لمجلة رؤيا الثقافية، كما نفذت العديد من الإعلانات المعبرة عن النكبة الفلسطينية، والشعارات والكتب، وشاركت في رسم العديد من الجداريات الجماعية في فلسطين".
وتضيف "منذ عام 2003 انتقلت للعيش في العديد من الدول الآسيوية والأفريقية والأوروبية، وشاركت في عدد من الفعاليات والمعارض الفنية في مصر والأردن وكوبنهاغن والنرويج، وأقمت معرض شخصي في عام ٢٠١٧". 
وعلى صعيد ما تطمح إليه مستقبلاً تشير الفنانة التشكيلية سهى المحمدي "مشروعي المستقبلي على الصعيد الشخصي هو أن استمر في شغفي وأطور منه، وافتح آفاق أخرى في تجربتي، بالتأكيد أطمح لتأسيس مؤسسة ترعى الفنانات العراقيات وتطور من قدراتهنَّ وتوفر لهنَّ الدعم اللازم وأتمنى أن يعود العراقيين للتباهي بفناناتهم لأن للمرأة العراقية بصمة عظيمة لا مثيل لها في الفن".