"شغفي في الطبخ" توثيق للمطبخ العراقي

التراث هو تلاقح العادات والتقاليد المعبرة عن حال هذا البلد أو ذاك، وتوثيق لمراحل التغير التاريخي وفارق التجديد، وتعتبر المأكولات الشعبية جزء من التراث المُعرّف بطقوس وأذواق الناس

غفران الراضي 
بغداد ـ .
جسدَ المطبخ العراقي فن إتقان تحضير المأكولات الشعبية، حيث حافظ على المكونات وطريقة الطهي التي يمكن القول إنها معرضة للاندثار على مر الزمن مع تقدم وسائل الرفاهية كالمطاعم ومحال تقديم الوجبات السريعة. 
 
تنوع البيئة العراقية نوعت مكونات ونكهات المطبخ العراقي 
ترى نغم النجار في حديث لوكالتنا وهي مؤلفة كتاب "شغفي في الطبخ" ومحاضرة في جامعة بغداد أن تنوع البيئة العراقية كان سبباً في تنوع المأكولات في المطبخ العراقي "أثرَ التنوع البيئي في العراق على تنوع الثقافات فيه، فقد أدى إلى تنوع واختلاف الوصفات ما بين الشمال والجنوب أو حتى مدن المنطقة الغربية والشرقية من البلاد، فهناك محافظة عراقية تميزت بوصفات معينة من المأكولات الشعبية لا يعرفها أبناء المحافظات الأخرى، والأمثلة كثيرة على هذا التنوع ما بين محافظات العراق بشكل عام".
وفي حديثها عن مضمون كتابها "شغفي في الطبخ" قالت إن "الكتاب يتضمن عشرين فصلاً موزعاً على ٤٧٦ صفحة، وفيه ما يقارب 500 وصفة شعبية من مختلف المطابخ حول العالم وعلى رأسها المطبخ العراقي، الذي يحضر أنواع من المرق المعتادة وغير المعتادة وبعض الأطباق الشعبية ويقدمها بأسلوب وطريقة حديثة".
وعن تنوع طرق الطبخ وتنويع الوصفات للأكلة الواحدة في كتاب "شغفي في المطبخ" تقول "سعيت أن يتضمن الكتاب وصفات منوعة لأصناف الرز، وهناك فصل خاص بوصفات العزائم والدعوات المعروفة والمشهورة في مطبخنا العراقي، والتي تُطلب وتقدم عادة في مختلف التجمعات العائلية والرسمية كوسيلة للتعبير عن حسن الضيافة والمحبة"، وأضافت "أكثرت من وصفات العشاء الخفيفة والتي تهتم بها العائلة العراقية، ولم أنس إطلاقاً تخصيص فصل كامل لأنواع الكبة العراقية المعروفة". 
 
المطبخ العراقي نكهة مميزة من مزيج النكهات العالمية 
تعتبر نغم النجار أن المطبخ العراقي مزيج لحرفية مطابخ مختلفة "أرى أن المطبخ العراقي مزيج من مطابخ منوعة مثل المطبخ التركي والمطبخ الهندي والفارسي ولكن بنكهة عراقية وتوابل ترضي الذوق العراقي، فهناك المحاشي التي عرفها المطبخ العثماني منذ القدم وخاصة طبق الدولمة الشهير، التي أجرى عليها المطبخ العراقي مجموعة من التعديلات والإضافات لم تكن موجودة في الوصفة الأصلية، وهناك أمثلة أخرى كثيرة". 
وعن التناغم بين المطبخ الشامي ومطبخ إقليم كردستان تقول "أعتقد أن مناطق الجزء الشمالي من العراق تأثرت كثيراً بالمطبخ الشامي، الذي تأثر في وقت سابق بالمطبخ العثماني، ولكن لا نستطيع أن ننكر الأسلوب والنمط الخاص الذي يتمتع بهما مطبخ إقليم كردستان، حتى ولو كان أصل الوصفة من المطبخ الشامي".
وترى نغم النجار أن المطبخ العراقي نقل أكلات ووصفات بتفاصيلها إلى المطبخ الخليجي "المطبخ العراقي أثرَ كثيراً على المطبخ الخليجي ونقل إليه الكثير من الوصفات، ولم يكن العكس إلا في الفترة الأخيرة حيث بدأت تظهر بعض الوصفات الخليجية التي يتداولها الناس بتسميات تنتمي إلى دول الخليج، علماً أن أصل ومنبع هذه الوصفات أما من المطبخ الهندي أو الآسيوي".
 
التعلق بوصفات الجدة صنع الكثير من شغف الطبخ 
تستشعر نغم النجار شغف الطبخ من النكهة العراقية وطبخات الجدة ووصفاتها التي تعتبرها سحرية التكوين "أستطيع أن أتذكر بعض من الوصفات التي كانت تعدها جدتي، وهي من الوصفات التي لم يعد يعرفها العراقيين في الوقت الحاضر، مثل تشريب البيض العراقي وكذلك السمك المطبق بالمشمش المجفف والبرقوق"، وتضيف أن "هناك وصفات أخرى ما تزال متداولة وتحضر بالطريقة التقليدية أو مع بعض التعديلات حسب الحاجة، مثل خبز العروق العراقي الذي اعتادت المرأة العراقية خبزه في تنور الطين الذي يوقد باستخدام الحطب أو الأخشاب، أما اليوم فقد أتجه الناس في خبزه على الفرن المنزلي الذي يعمل على الطاقة الكهربائية".
وتستذكر نغم النجار بعض المأكولات التي تحضر أو تعد لطقوس ومناسك خاصة قائلةً "أيضاً من الأكلات العالقة في ذهني وصفة الچيلفراي الشهيرة وكبة الحامض اللتين كان لهما مناسكهما الخاصة عند أعدادهما، حيث يجتمع كل أفراد العائلة للاستمتاع بتناولها في يوم الجمعة على وجه الخصوص". 
وترى أن هناك بعض الوصفات حافظت على مكوناتها خلال تداولها وأخرى اختفت تدريجياً ليستذكر منها العراقيون النكهة فقط "من الوصفات التي كنا نحضرها بشكل مستمر في بيت العائلة وصفة البورك العراقي على طريقة المطاعم، حيث كنا نستعين بطباخ (اسطة) لعمل هذه الوصفة، وغيرها من الوصفات، فالمطبخ العراقي عامر منذ القدم بوصفات رائعة تحمل معها عبق وعطر الأيام الجميلة".
 
الشعب العراقي اجتماعي بالفطرة محب للتجمعات والطبخ التراثي 
تجد نغم النجار أن الطبيعة الاجتماعية للشعب العراقي ومحبته للتجمعات العائلية وإعداد المأكولات الشعبية هي سبب في الحفاظ على كثير منها "الشعب العراقي معروف بحب الاجتماعات العائلية وكذلك دعوات الأصدقاء والمعارف، وأكثر ما يتم التركيز عليه في الاجتماعات هي المأكولات الشعبية والتي يتم تبادل وصفاتها ومكوناتها في نهاية المأدبة أو العزومة".  
وتضيف "الأجواء كانت سابقاً جميلة جداً ومحببة لدى الجميع، وكانت الدعوات والزيارات من أهم الفعاليات والطقوس التي يمارسها المجتمع العراقي، والاجتماع العائلي حول المائدة كان وما يزال مهماً، والإعداد لهذه المائدة أيضاً له أهميته وقدسيته، لذلك فإن الأم العراقية تفكر دوماً باختيار أنسب الأطباق لتعدها لعائلتها سواءً كانت ربة منزل أو امرأة عاملة".
وفي ختام حديثها عن شغفها بالمأكولات الشعبية وعلى وجه الخصوص المأكولات العراقية تقول نغم النجار "في الوقت الحاضر أعمل على تأليف الجزء الثاني من كتاب "شغفي في الطبخ"، ليكون تتمة للجزء الأول، كما أسعى في الجزء الجديد على تخصيص فصل خاص بالوصفات النباتية، وستتضمن الوصفة عدد السعرات الحرارية في الوجبة الواحدة".