شابات فلسطينيات يتطوعن للمشاركة في قطف الزيتون

عملت مجموعة من الشابات على إحياء الثقافة الفلسطينية خلال موسم جني الزيتون هذا العام في قطاع غزة، في أجواء سادها ترديد العديد من الأمثال الشعبية والأغاني التراثية حول الموسم

رفيف اسليم
غزة ـ .  
مع نهاية أيلول/سبتمبر وبداية تشرين الأول/أكتوبر تحديداً يستعد الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة بالتزامن مع سقوط أولى أمطار الموسم لبدء قطف أشجار الزيتون والتي تشكل مصدر رزق للكثير من العائلات.
قررت عدة فتيات الذهاب لبساتين الزيتون بعد التنسيق مع الملاك حتى يسمحوا لهن بالتواجد والمشاركة في قطف الزيتون، مستمتعين بقضاء يوم في حضرة الطبيعة وبحضور الكوفية أو الأثواب المطرزة التي تمثل ثقافة الشعب الفلسطيني.
تقول بيسان عودة (23) عاماً، أنها سعت خلق أجواء فلسطينية تراثية بامتياز خلال مشاركتها برفقة 15 شاب وفتاة لمساعدة مزارعي بلدة القرارة على الحدود الجنوبية من مدينة غزة بموسم القطاف، فتفقدت المواقع الالكترونية والكتب للبحث عن الأمثال الشعبية والأغنيات والأهازيج الخاصة بموسم الحصاد ومشاركتها مع الحاضرين، مشيرةً أنها وجدت أن "الدلعونة" من الأغاني المرتبطة بقطف الزيتون وقد اشتهرت في بلاد الشام عموماً منذ عهد الدولة العثمانية لجودة زيتون تلك البلاد وغزارة محصولها.
وذكرت بعض المصطلحات الخاصة بموسم قطاف الزيتون في فلسطين والتي ذهلوا عندما سمعوها، "كالبعير" الذي يطلق على حبات الزيتون التي تقع أرضاً فتبقى لآخر الموسم، و"التلقيط" عندما تقطف الثمار باليد بينما لـ "جدادة" للثمار التي تقطف بالعصي، لافتةً أن مصطلح "الجواوي" كان يطلقه الفلاح القديم على قلب الشجرة و"كامر" على الزيتون المكبوس، "والمرصوص" أي الثمار الصامدة لآخر الموسم. 
و"العونة" وفقاً لبيسان عودة هم مجموعة الأشخاص الذين يذهبون من تلقاء أنفسهم لمساعدة المزارع في قطف الزيتون، بينما "الجرعوة" عبارة عن نهاية الموسوم برفقة طعام "المسخن"، مشيرةً أنهم صنعوا طعامهم بأنفسهم سواء الفطور المكون من الزيت والزعتر وبعض الأصناف الأخرى والغداء الذي كان عبارة عن وجبة "الدجاج مع خبز الصاج" وقد تخلل فترة إعداد الطعام غناء العديد من الأغاني الشعبية وتقديم عروض الدبكة والخروج في جولة واسعة في تلك الأراضي لمشاهدة جمال الطبيعة.
ولم يشتكي أعضاء الفريق من التعب خلال القطاف كما حدثتنا بيسان عودة، فالعدد كان كبير كما كان اليوم مقسم ليسمح بالتعارف بين مزيج الحضور من بيئات وثقافات مختلفة الأمر الذي أضاف ليومهم ميزة أخرى، مشيرةً أنهم قاموا بزيارة متحف القرارة بذات المدينة الذي يحوي أكثر من (4000) قطعة أثرية ليكونوا بذلك أحيوا التراث المادي والمعنوي وشجعوا غيرهم من الشباب على القيام بالسياحة الداخلية التي تكاد تكون معدومة في قطاع غزة. 
ولا تنكر بيسان عودة أن الحفاظ على التراث المعنوي يحتاج جهد أكبر من العناية بالتراث المادي لأن الأول من المحتمل أن ينسى وينسب لدول وأقوام أخرى بينما المادي ثابت، مضيفةً أن خلال تجمعيها لتلك الأمثال والعبارات سألت نساءً كباراً في السن وقد دونت كل كلمة سمعتها على ورقة لتكون مرجع لها فيما بعد كالمثل الشعبي الفلسطيني القديم "بدك بد" والبد هي طاحونة حجرية اسطوانية مكونة من جزأين يوضع داخلهما ثمرة الزيتون لتسحق بالكامل.
فيما تقول بسمة أبو ناصر أنها تشاهد موسم قطف الزيتون كل عام من خلال صور تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي إضافة لتجربتها مع عدة شجرات في أرض زراعية خاصة بوالدها، وبالرغم من إيقانها أن قطف الزيتون أمر ليس باليسير إلا أنها لم تستطع رفض طلب صديقاتها بالتجمع في أحد الأراضي الزراعية بقطاع غزة لمساعدة المزارعين من جهة وإعادة التجربة مع الصديقات من جهة أخرى.
تجربة مختلفة يلزمها استعدادات مختلفة فلم تنظر بسمة أبو ناصر البالغة من العمر 24 عاماً، للأمر على أنه رحلة بل اعتبرته توثيق لتراثها فارتدت الثوب الفلاحي وقابلت الفتيات في المكان المتفق عليه، لتفاجئ باختلاف الحال ما بين القطاف الخاص بعائلتها والآخر، مشيرةً إلى أن تلك الأجواء سادها ترديد العديد من الأمثال الشعبية حول الموسم مع الأغاني التراثية الفلسطينية التي كانت تشحذ همتهم للاستمرار في العمل وسط أشعة الشمس الحارقة وموقد خبز الصاج.
وتشير بسمة أبو ناصر إلى أنهم لم يشتروا طعاماً من الخارج عدا اللحم الخاص بالغداء ليعتمدوا على خيرات الأرض بداية من إشعال النار وحتى الخضار التي تم استعمالها بالطهي كالبندورة والفلفل وبعض ثمار الزيتون الذي تم إعداده حديثاً بالملح والليمون، مضيفةً أنها لم تشعر بتعب اليوم عندما وصلت إلى المنزل بل كان أول ما تفقدته هو جهازها اللوحي لتشاهد عدد من الصور والفيديوهات التي التقطتها للذكرى.
من جانبها تقول سها العواودة (28) عاماً، والتي تسكن أحد المناطق الحدودية في قطاع غزة أن الموسم الحالي لقطف الزيتون يشهد مشاركة كبيرة من قبل الشابات اللواتي تطوعن لتقديم المساعدة، لافتةً أن لمواقع التواصل الاجتماعي دور في تسليط الضوء على أهمية المشاركة وعرض الكثير من الصور التي نقلت الحدث مما شجع تلك الفتيات لخوض التجربة بالرغم من أن الموسم الحالي يشهد شح في الكمية والتي ترجع للتغيرات المناخية التي تمر بها البلاد.